د. صبري فوزي جوهرة
تفضّل البعض بالتعليق على مقالي الأخير عن سؤال دكتور سعد الدين إبراهيم بتقديم وجهة نظر أقباط المهجر لما يحدث لذويهم في مصر للرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل زيارة الرئيس المصري المرتقبة لواشنطن، وأنا اشكر الجميع, من خالفني في الرأي ومن اتفق معي على اهتمامهم بما أكتب.
جاء فى تعليق الزميلة دكتورة سوزان قسطندي ما يتهمني بالإستعلاء على أقباط مصروهو إتهام قاس وغير صحيح، فشعوري نحو أهلي في مصر ليس بالتعالي وإنما هو, وأقولها بوضوح وصراحة, هو عدم الرضا لاستسلامهم بسلبية قاتلة وتحت أعذار بعضها نصف مقبول والآخر غير مقبول تماماً, لما يعانون منه ولا شك أن هذا التراخي يشجع الجبناء (إللي يخافوا وما يختشوش) على التمادي في إذلالهم لضحاياهم، كذلك توجهت الزميلة إليّ بالتوبيخ متسائلة عما إذا كنت أفتخر بالمال أو السلطان وليس بدماء الشهداء، مرة أخرى أقول أنه بالرغم من نقائصي العديدة التي أعيها والتي لا وعي لى بها فإن التعالي ليس بواحد منها, كذلك الأمر باتهامي بالعجرفة لكثرة المال (ربنا يسمع منك) والسعي إلى السلطة. ولا أريد هنا أن أتخذ موقف الدفاع عن النفس ولكني أؤكد للدكتورة سوزان أننى رفضت "السلطة" كل مرة عُرضت فيها عليّ وقد واجهتني هذه الظروف أكثر من مناسبة في مهنتي وخلال عملي المتواضع من أجل القضية القبطية. ولعل هناك من بعض قراء هذه الكلمات من يتذكر مواقفي تجاه هذا الأمر. والواقع أنني لا أمتلك أي سلطة سوى على ذاتي ولم أسعَ في حياتي لفرض سلطاني على أحد بمن فيهم أولادي. ولعل ذلك من أهم أسباب نجاحم المشرف وهو قرة عيني، وإن كان الطائر لا يستطيع الإقلاع بجناح واحد, هكذا هو حال القضية القبطية: لها جناحين مكسورين.
بإختصار, ما أراه معيباً في سلوك أقباط الداخل هو عدم مثابرة جماهير القبط في الإحتجاج السلمي المسموع ضد كل حدث فيه أي مساس بحقوقهم وأموالهم وأعراضهم وحقهم في العبادة وإن كان في ذلك إيذاء لمشاعر المتعصبين من غير المسيحيين -طبعاً لإيذاء مشاعرهم دي نكتة- فلم يُعرف عن مشاعرهم أنها بمثل هذا الإرهاف ولو كان, ممكن يبلعولهم كام كباية بول بعير ترطب أعصابهم وتقويهم على ما ابتلوا به. على أقباط الداخل التعبير عن سخطهم بقوة وحزم وبكافة الطرق القانونية المشروعة عندما يقتضي الأمر وأينما حدث ما يمس كرامتهم وحقوقهم ولا يكتفون بتشنج مؤقت كما حدث أثناء أزمة وفاء قسطنطين أو أنين يدعو للشفقة وربما لإزدراء الأشرار كما حدث في مذبحة الكشح.
إن كان الحق معكم فهو سلاح بتار لا يفوقه سلاح آخر.
تمسكوا بحقكم في سلام و نبل بلا عنف أو مدعاة للوم فتحبطون بذلك أعدائكم وتذكروا أنه يتحتم عليكم أن تدفعوا ثمناً لاسترجاع ما هو أصلاً لكم هذا قدركم وليس لنا منه فكاكاً.
هذا عن أحد جناحي الطائر، فالقضية القبطية هي كطائر لا يستطيع الإقلاع إلا بجناحين وقد أصبح لنا الآن اثنين منها أحدهما خارج مصر والآخر في داخلها.
أما الجناح الآخر, فهو أقباط المهجر. ولا أخفى على أحدغضبي الشديد منهم فبعد مرور أربعة عقود من الزمان وبالرغم من مشاهد التدهور المستمر لأحوال ذويهم في مصر, فقد فشلوا إلى الآن في تأسيس هيئة موحدة تمثلهم جميعاً وتعبر عن إرادتهم و تحظى باحترام العالم فيصغى عندما تتحدث عن إضطهاد الأقباط وما يقابله من طناش وتآمرحكومي غريب ومفزع تتكالب فيه السلطة والإرهاب والعنصرية والفاشية على أبناء مصر المسالمين المخلصين.
كذلك أثارت كلمة دكتورة سوزان قسطندي عن الإستشهاد خاصة خواطر عديدة بعضها جديد في ذهني ربما أستطيع أن أتحدث عنها في هذا الموقع في مقال خاص عندما أتفحص أفكاري في هذا الشأن بعناية ووضوح وعندما أجد الكلمات المنتقاة لنقل مفهومي لهذه الظاهرة النبيلة بالدقة والعناية والتبجيل الواجبة. وإلى ذلك الحين أكتفى بأن أوجه نظر الدكتورة أنني من أخميم وأن منزل أسرتى هناك كان في "شق الظنى" حيث سالت دماء الشهداء في الطرقات.
أما عن إقتراح بعض القراء الكرام بتفضيل شخص قبطي لعرض قضايانا على الرئيس أوباما فلا شك أن هذا هو السلوك الأمثل ولكن:
1. أين هو هذا القبطى الذى يستطيع الإدعاء بأنه يمثل جميع الأقباط داخل مصر وخارجها؟ فليس لنا منظمة رسمية موحدة (كونجرس) تعطي الشرعية والنفوذ لتفويض أحد كبارها القيام بهذا العمل الهام، وليس هناك بيننا من اكتسب مكانة ونفوذ دكتور سعد لدى الإدارة الأمريكية. هذه هي الحقيقة وإن كانت محزنة. فنحن لا تنقصنا القضية العادلة الواضحة القوية بل ليس لنا الزعماء العظام الذين يتسمون بالإخلاص للصالح القبطي العام بلا إلتفات للمنظرة وحب الظهور ثم القدرة على الرؤيا البعيدة والإصرار على التمسك بالحق في ثبات وشفافية وقوة خلق تصد عنهم إغراءات شراك الأعداء واللعب على الحبلين سواء كان ذلك عن رضا وإنتهازية أو عن قلة حيلة وضعف.
2. مَن مِن أقباط اليوم يستطيع -وللأسباب التي أوضحتها عاليه- أن يطلب مقابلة الرئيس الأمريكي فيُستجاب لطلبه بقدر معقول من السرعة؟ هذا بالإضافة إلى عنصر ضيق الوقت الذي لا يسمح بالمحاولة حتى إذا تواجد هذا القبطي المؤهل قبل قدوم الرئيس المصري إلى واشنطن.
لذلك جاء إختياري للدكتور سعد الدين إبراهيم، فله المقدرة على الوصول إلى الرئيس الأمريكي في زمن قصير وقبل زيارة الرئيس مبارك المتوقعة. أقول هذا مع علمي التام بموقف الدكتور سعد ودعوته لإشراك الإخوان المطززين علناً ورسمياً في حلبة السياسة المصرية (قال يعني مش مشتركين وكمان منيلين الدنيا فعلاً) وبالطبع أنا أرفض هذا الخط بشدة ولكني أثق في تفهم الدكتور سعد لقضية الأقباط وإنحيازه للدفاع عن حقوق الإنسان عامة والأقباط ضمناً بحكم ضميره وتفهمه العلمي للأمور. هذا بالإضافة إلى أن قيام دكتور سعد بالمهمة المقترحة ربما يعطي دفعة لمسلمين مصريين آخرين من المؤيدين للدولة العلمانية الحديثة ولحقوق الأقباط وبذلك يتم تجميع كتلة حرجة من الداعين إلى العلمانية والديموقراطية تواجه التيار المطزز وأذياله العديدة وتعمل بجهد ظاهر وفعال وعدم الإكتفاء بأحاديث وتعليقات وكتابات مهلهلة متقطعة كما هو حال هذه الفئة الشريفة المحبة للوطن الآن.
أما عما كتب الأستاذ صبري الباجا فأحييه على إقتناعه بأن خلاص مصر لأقباطها ومسلميها لن يكون إلا بتحقيق المواطنة غير المنقوصة, والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات لكل أبناء مصر بصرف النظر عن العقيدة أو أي فروق أخرى بينهم, أؤكد للأستاذ صبري أننى على علم و إقتناع تام بأن مسلمي مصر يعانون أيضاً في بلادهم ولكني أوجه نظره برفق إلى أن معاناة الأقباط تزداد كماً وكيفاً عن شركائهم في الوطن من المسلمين. حقيقة أننا في قارب واحد نراه يغرق يا أستاذ صبري ولكن من هو في موقع القبطان يقذف بالأقباط فقط في البحر وقبل أن يغرق القارب تماماً وبالرغم من علمه بحتمية غرق المسلمين كذلك إذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه.
لذلك أوجه نظر الأستاذ صبري بأنه من صميم مسؤليات -ولا أقول حقوق- أقباط الولايات المتحدة القيام بواجبهم نحو توعية السلطات الأمريكية التنفيذية والتشريعية بحقيقة ما يجري في مصر إن لم يكن ذلك معروف لديهم فعلاً. وقد هدد بعض المسلمون المصريون المقيمين في مصر ومنهم القرآنيون على سبيل المثال بإبلاغ الهيئات الدولية العالمية بما يرون أنه إعتداء على حقوقهم فما بالك بأقباط يعيشون في أمريكا ويبتغون الإصلاح والحياة الأفضل لكافة المصريين؟
أما ما يبدو أنك آخذت الأقباط عليه بالإعتقاد أنهم يشاركون في الرقص على طبول الحزب الوطني فلو أنك رأيت قبطياً يفعل ذلك فهو من المنتفعين أمثال بتاع الدكتوراة بالثلاثة اللواء بلبل بباوي أو ربما ضحية عدوان يقوم برقصة الداجن المذبوح ينزف وهو في طريقه إلى موت محقق.
و شكرا للجميع مرة أخرى
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=171&I=4