عماد توماس
زيدان يطلق صفة "العربيّ" على اللاهوت المسيحيّ الأنطاكيّ، وهو لاهوت لغته الأصليّة السريانيّة أو اليونانيّة.
• زيدان حكم بأنّ "القصص القرآنيّ جاء راقيًا في لغته، دون أيّ نقد تاريخيّ أو نصّيّ.
• افتقدنا المنهجيّة الصارمة والموضوعيّة الصافية فى كتاب زيدان الأخير.
كتب: عماد توماس- خاص الأقباط متحدون
انتقد الأب جورج مسوح الباحث فى "مقارنة الأديان" فى مقاله بصحيفة "النهار" اللبنانية أول أمس الأحد، كتاب الدكتور يوسف زيدان "اللاهوت العربيّ وأصول العنف الدينيّ" معتبرًا الكتاب "غير مقنعٍ" لأسباب عدّة سردها فى مقاله، على رأسها انحياز زيدان الواضح إلى نظريّة لا تستقيم من دون حجج، لم يتكبّد عناء عرضها وإثباتها بعد دعمها بالإسنادات اللازمة. وهذه النظريّة "الزيدانيّة" تزعم أنّ ثمّة فكرًا لاهوتيًّا مسيحيًّا عربيًّا ظهر في "منطقة الهلال الخصيب (الشام، العراق) وهي المنطقة التي سادت فيها الثقافة العربيّة، منذ ما قبل ظهور الإسلام، بل قبل انتشار المسيحيّة بقرون من الزمان"، واستمر في ما بعد في علم الكلام الإسلاميّ. وهذا الفكر اللاهوتيّ "العربيّ"، على ما يزعم زيدان، هو فقط ذاك الذي اعتبرته المؤسّسة الكنسيّة الأرثوذكسيّة "المهيمنة" هرطوقيًّا.
وأضاف الأب جورج فى معرض مقاله، أن المشكلة تبدأ مع عنوان الكتاب، فزيدان يطلق صفة "العربيّ" على اللاهوت المسيحيّ الأنطاكيّ، وهو لاهوت لغته الأصليّة السريانيّة أو اليونانيّة، فكيف يكون عربيًّا؟ ويرجع الكاتب بعروبة هذا اللاهوت إلى قرون عدّة من الزمان قبل انتشار المسيحيّة، من دون أن يقدّم أيّ برهان لغويّ، أو حتّى مجرّد وثيقة واحدة على الأقلّ، يفيد انتشار "الثقافة العربيّة" وسيادتها قبل المسيحيّة في الشام والعراق. فكان يجدر بالكاتب الابتعاد عن التعميم عبر استعماله فعل "سادت" للحديث عن الثقافة العربيّة في الهلال الخصيب.
وأشار مسوح، إلى أن زيدان جعل كبار المفكّرين اللاهوتيّين الأنطاكيّين في حقبة ما قبل الإسلام عربًا بالولادة والثقافة، هم الذين دوّنوا مؤلّفاتهم بالسريانيّة أو باليونانيّة، بناء على ما نهلوه من الفلسفة اليونانيّة بخاصّة. فأين كانت الثقافة العربيّة والفلسفة العربيّة آنذاك؟ ألم يكتب آريوس ونسطوريوس وسواهما من المفكّرين الذين خرجوا من "المجمعيّة الأرثوذكسيّة" باليونانيّة، فأين ثقافتهم العربيّة المزعومة؟ مؤكدا فى ذات الوقت انه لا يناقش هنا انحياز زيدان إلى مَن اعتبرتهم الأرثوذكسيّة هراطقة ولا يدينه، لكنّ هذا الانحياز أفقد البحث بعض المصداقيّة المنهجيّة التي يدينها زيدان نفسه عند الكتّاب المسيحيّين الدفاعيّين في القرن الأوّل، فأتى نصّه دفاعيًّا من الطراز الأوّل والعيار الثقيل."
وأوضح جورج مسوح، أن زيدان لم يكتفِ بهذا الانحياز بل يستمرّ فيه حين يقارن ما بين قصص الأنبياء في العهد القديم وقصصهم في القرآن، متبنّيًا، بل مفضّلاً، القصص القرآنيّ من دون أيّ نقد تاريخيّ أو نصّيّ. فهو يحكم بأنّ "القصص القرآنيّ جاء راقيًا في لغته، مترقّيًا بالقارئ والسامع إلى حضرة علويّة لا يشوّشها لفظ رديء ولا معنًى غير لائق بالله أو بأنبيائه" (ص 141) مشيرًا إلى تبنّى زيدان فكرة أنّ اللاهوت المسيحيّ العربيّ ليس سوى ذاك الذي يوافق القرآن، لذلك يغيَّب أقطاب هذا اللاهوت من الأرثوذكس، كيوحنّا الدمشقيّ وثيوذورس أبو قرّة ويحيى بن عدي وسواهم.
واختتم جورج مقاله، بأنه حين صدرت رواية "عزازيل" ولاقت اعتراضات جمّة من الأقباط، دافع عنه وعن روايته، لأنّه لم يزعم أنّه يكتب بحثًا بل رواية، والروائيّ يحقّ له أن يتّخذ لنفسه مَن شاء بطلاً لرواياته. لكنّ البحّاثة في "مقارنة الأديان" لا بطل له سوى المنهجيّة الصارمة والموضوعيّة الصافية، وهذا ما افتقدناه كثيرًا في هذا الكتاب.
http://www.copts-united.com/article.php?A=17084&I=425