عادل عطية
بقلم: عادل عطية
ترى اى هدية تدوم مدى العمر ، يمكن أن نهديها الى اولادنا ..
أجمل من فتح عيونهم على الفن ،
وأفضل من تعليمهم كيف يحبون اللوحات المرسومة بضربات فرشاة جريئة واسعة المدى ،
وأعظم من بعثهم رسل جمال !
،...،...،...
لنتأمل اتجاهاتهم وميولهم ورغباتهم ،
ونقودهم الى رحلة شائقة فى اكتشاف ذاتهم والآخرين ..
بأن نقدم لهم متعة النظر والرؤية الى اللوحات التى تعبر عن قلوبهم ،
وتشبع ولعهم بالحياة ..
فالذين يحبون الباليه ، نقدم لهم كتيبا يضم نسخا للوحات الراقصات ، بريشة الفنان : دوجا .
والذين شغوفون بالكلاب ، نقدم لهم بطاقات بريدية لعقد أواصر الصداقة مع الكلاب فى لوحات مشاهير الفنانين :
مع كلب صيد من فصيلة " ترير بروكسل " فى لوحة فان آيك المعنّونة : " عرس أرنولفينى " ، والكلب المبتسم المضطرم رغبة من فصيلة " سبيتز " فى لوحة جينزبورو " نزهة الصباح " ، والكلب الوديع الهادئ فى لوحة سورات المعنّونة : " المستحمات " .
والمولعون بالحشرات ، ندعهم يحملقون فى لوحات الزهور للفنانين الهولنديين بحثا عن الحشرات المختبئة فى تلك الزهور .
وعشاق الملاحة ، ستخلب البابهم من دون شك لوحات تيرنر التى صوّر فيها العواصف البحرية
ومحبو الموسيقى ، يمكن أن يبحثوا فى اللوحات عن القيثارة ، والماندولين والعود ، فضلا عن العود القديم المزدوج العنق .
والذين يشعرون بالميل الى مشاهدة اللوحات بتأثير من حبهم للطبيعة ، يمكنهم الاندماج فى مسرحية سموات مقاطعة سافولك البريطانية التى تجتاحها السحب كما رأتها عين كونستابل النفاذة .
والذين ينشدون كل ما هو انسانى ، يمكنهم أن ينظروا الى بشرة طفل فى نعومة الحرير ، ابدعتها باحساس فائق ريشة الفنان رينوار ، والى وجه متجعّد لامرأة عجوز صوّره رمبرانت بخطوط وألوان معجونة بالشفقة ، والى صورة لليوناردو دافينشى ، تمثل حسناء من فلورنسا جلست ساهمة مستغرقة فى التأمل .
وذوى الميول الحسابية ، يمكن أن نشدهم الى فن التصوير ، ونحببهم اليه عن طريق شرح المنظور 0وقد يساعنا على ذلك استخدام لوحة من لوحات جواردى ، التى صوّر فيها مناظر مدينة البندقية ، لنبيّن لهم : كيف أن الخطوط المتوازية جميعا سوف تتلاقى عند نقطة واحدة فى الأفق .
أما الشغوفون بالتصوير ، فربما ودّوا أن يكتشفوا الوسائل الاخرى ، التى يستخدمها الفنانون لجعل خلفية الصورة تبدو أبعد من اقسامها الامامية 0 ومن تلك الوسائل ، على سبيل المثال : استخدام تكوينات مفصلة فى الاقسام الامامية وتكوينات أقل تحديا للموضوعات البعيدة .
ان اى انسان يتمتع بحس لونى جيد سيسحره أن يعلم أن الخيالات فى اللوحات الانطباعية هى فى الواقع ظلال متعددة تعكس الاشياء القريبة منها ، وأن يكتشف بنفسه عدد الألوان التى توجد فعلا فى مظلة سوداء بريشة رنوار ، أو ثوب ابيض بريشة ويسلر ، أو تفاحة خضراء فى لوحة لسيزان .
وقد نتحدى اولادنا أن يحصوا عدد الالوان فى تصوير مونيه لجذع صفصافة بنّى ، فتكسبهم تلك المحاولة نظرة جديدة الى هذا الفنان والى طبيعة جذوع الاشجار .
أما ذوى العقول المنجذبة الى النواحى التقنية 0قد يلذ لهم أن يكتشفوا كيف يبدع الفنانون اللوحات الجصية ، وأعمال الحفر فى الخشب ، ولوحات القص واللصق ، وأعمال الفسيفساء .
وفى اللوحات الزيتية ، يمكنهم البحث عن النقط اللونية المختلفة التى يجاور الفنان ما بينها بالطريقة التنقيطية التى استحدثها المصور سورات ، أو لطخ اللون الابيض فى لوحات كونستابل التى عرفت باسم " ثلج كونستابل " فى تصويره للمناظر الطبيعية .
كما أنه قد يشوقهم أن يخبرهم أحد عن عادة المصور جينزبورو ، الغريبة ، المتمثلة فى الوقوف على بعد أمتار من اللوحة التى يرسمها ، واستخدامه فرشاة ممعنة فى الطول ، أو عن اسلوب " التصوير بالفعل " ، الذى ابتدعه جاكسون بولوك ، لرسم لوحاته التجريدية مستخدما فى ذلك وسائل خارجة على المألوف كسكب الطلاء اللونى مخففا على عصا واسقاطه كقطرات ، أو فى اشكال دائرية على قماش اللوحة المفروش على الأرض .
ولكى تكتمل قراءتهم للوحات ، ندعهم يكتشفون الرموز التى تمثلها الحيوانا ت ، والزهور ، والفاكهة ، فى اللوحات : فالكلب يرمز الى الوفاء ، ووحيد القرن الى النقاء ، والوردة رمز الحب ، والتفاحة الخطيئة ، والرمان البعث والنشور ، والكرز جنات النعيم ...
وعلينا أن نسألهم : ما الذى تحملك هذه اللوحة على الشعور به ، فيتعلمون كيف يناقشون مع الآخرين ما تسثيره فيهم اللوحات الفنية من عواطف 0
،...،...،...
اغرسوا محبة الفن الأكبر من الحياة فى نفوس أولادكم منذ الصغر ..
خذوهم الى المعارض ليشاهدوا اللوحات التى تبهر العقل ،
وشجعوهم على أن يطيلوا الوقوف أمامها .
اجعلوا من منازلكم فردوسا من الفن ،
ومحرابا للتشكيل والتجسيد ،
وللألوان والظلال .
ضعوا الكتب والمجلات التى تضم صورا للوحات الفنية العظيمة فى متناولهم ،
واهتموا بوضع صورهم المفضلة معلقة فوق فراشهم فى البيت ،
تتحوّل امام عيونهم الى روائع كاملة الاحجام .
الصقوا بعض اللوحات على باب الثلاجة ،
ليراها اولادكم بهدف التذوق والنقد خلال ترددهم عليها ، طلبا للطعام والشراب ، فينشئوا كيف يشعرون أن الفن جزء مغذ وممتع من حياة كل يوم ، كالحليب ، والبيض ، والزبدة ...
فحتى أولادكم الذين لا يملكون موهبة الابداع ..
فانهم على الأقل سيتذكرون بامتنان ساعات السعادة التى جادت عليهم اللوحات بها .
،...،...،...
الفن يبدأ من بيوتكم .
ومن بيوتكم ينتشر الجمال .
adelattiaeg@yahoo.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=17031&I=424