د. صبري فوزي جوهرة
بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
لا شك أن إقدام جناب القمص متياس نصر على إعطاء شهادة انتماء للكنيسة المصرية الأرثوذكسية للمتنصر الأستاذ ماهر الجوهري عمل فاصل في تاريخ مصر، يوضح الكثير من الحقائق التي طمست الهوجة الوهابية وخيبة الحكومة المصرية القوية معالم بعضها.
فبينما تعددت أخيراً لقاءات أقباط المهجر لإعادة الروح إلى الكفاح من أجل حقوق الأهل في مصر, وما في ذلك من افتراض ضمني بعدم قدرة أقباط الداخل على الدفاع عن وجودهم والتصدي لمحاولات إنهائه في مصر, انبثق على ضفاف النيل ذاته عمل مفرد لكاهن قبطي أرثوذكسي واحد فريد في إيمانه وشجاعته, وقف على حافة شق الأفاعي في قلب مصر مواجهاً التحدي... فلما ظن الأغبياء أنهم أوقعوا الكنيسة القبطية في مأزق بدفعها لاتخاذ موقف محدد من الأستاذ ماهر الجوهري وكذلك أمثاله في المستقبل, بين قبول الكنيسة لهم وتخليها عنهم خوفاً من أذى المتعجرفين والطغاة, وقفت الكنيسة بلا وجل ممثلة في شخص جناب القمص الورع الشجاع متياس نصر بحزم وثبات إلى جانب المتنصر فنفت عن ذاتها نقيصة الاستضعاف والخنوع وأعطت المثال والأمل لكل قبطي داخل مصر في ضرورة التصدى للطغيان والظلم ليحصل على حقوقه المشروعة كاملة وغير منتقصة... كان ظن الأشرار هو أن الكنيسة ستلجأ إلى السلبية تفادياً لمواجهة تيار الشر العارم الذي يجتاح مصر, ولم تكن لهم الفطنة أو العلم بتاريخ كنيسة أعطت المسيحية أكبر عدد من الشهداء على مر العصور وإلى اليوم.
المأزق الذي ظن الأغبياء أنه سينهي إلى الأبد سعي المتحولين من الإسلام إلى المسيحية للحصول على حقهم الطبيعي في الممارسة العلنية للعقيدة التي تقنع عقولهم وتدفئ قلوبهم وتحقق تطلعهم إلى الكمال الروحي بينما يبقون داخل بلادهم دون الإضطرار إلى تركها أو التخفي خلف ما لا يعتقدون من ديانات، عمل واحد لكاهن مفرد أثبت الخطأ الفاحش الذي أوقع كل من شبّه له أن أقباط مصر غير قادرين على التصدى بشجاعة وحنكة وهدوء لمحاولات إفنائهم.
ظنت الدولة أنها ستضع الكنيسة في مأزق عندما طلبت المحكمة التي تنظر قضية المتنصر ماهر الجوهري بطلب إقرار من الكنيسة يؤكد عضوية الأستاذ ماهر بها، ولن أتحدث هنا عن شذوذ هذا الشرط المضحك والذي ظنت به الدولة أنه سينهي هذه القضية لصالحها ويبقي الإختلال الحالي الذي ترعاه سارياً يسهل تطبيقه على كل من أراد التحول إلى المسيحية في المستقبل، هذا الغباء السلطوي هو من قبيل تحصيل الحاصل... ثم ماذا لو أن الدولة تمادت في التعنت والغباء ودفن الرأس في الرمال وجاء حكم قضائها في غير صالح ماهرالجوهري رغم استيفائه لكل شروطها الإعجازية (أو هكذا ظنت)؟ هل سيمنع هذا الأستاذ ماهر الذي أثبت بإصراره الفريد أن شيئاً لن يبعده عن المسيح أو يقف حائلاً بينه وبين الإرتماء في أحضان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي فتحت له أبوابها و ذراعيها ليمارس فيها كل طقوسها العريقة العتيدة بثبات مذهل وعن اقتناع تام؟
ماذا سيقول العالم عندما يرى ماهر الجوهري الذي تُصر الدولة على تكتيفه في الإسلام غصب عنه وهو يتناول من الأسرار المقدسة عبر كافة وسائل الإعلام المتاحة لبلايين البشر؟ من ذا الذي سيكون موضع التساؤل والاستهجان والازدراء من قبل العالم بأسره؟ ماهر الجوهري أم الذين ما زالوا ينتعتونه بما هو ليس فيه؟
إجبار ماهر الجوهري على البقاء في الإسلام عنوة إنما هو أقصى درجات القهر, حيث تتعدى السلطة الغاشمة على إنسان عاقل بإلغاء إرادته تماماً وفرض ما تريده له عليه قسراً... إن في مثل هذه المغامرة الحكومية أن تمت فصولها على هذا النحو المقيت إعدام ظالم لشخص حر برىء.
على أن أخطر الأمور التي أرجو أن تترتب عن قضية ماهر الجوهري هى استمرار تخلي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن سلبيتها تجاه المتنصرين وتعبيرها غير المبهم عن تريحيبها بهم، بل أننا نرجو أن تمتد هذه الخطوة إلى ما يجب أن يليها من عدم التنصل لتبشير غير المسيحيين بالخلاص المسيحي، فقد قالها المسيح لتلاميذه واضحة صريحة: "اذهبوا وعمدوا جميع الأمم باسم الآب والابن والروح القدس"، و قد تقاعست الكنيسة في الماضي عن أداء هذا الواجب بحجة عدم ايذاء مشاعر اخواننا في الوطن ذوي المشاعر المرهفة الذين يعانون -اسم الله عليهم- من أرتكاريا شديدة عندما يرون صليب فوق مبنى وسخسخة مفرطة عند رؤية الأقباط يتعبدون في الكنائس, و يصابون بحالات تشنج غير إرادي يدفعهم إلى هدم الكنائس وقتل المصلين وهم مش واخدين بالهم... يا حرام ما بيحاكموهمش لأنهم مجانين, و لو كان فيه أماكن كفاية في السرايا الصفرا كانوا دخلوهم فيها, بس مافيش ميزانية وعلى ما يبدو أن الحكومة الحانية مش عايزة تنيمهم تحت السراير أو فوق بعض, فيبقون طلقاء يمارسون الهدم والقتل خارج السرايا لغاية لما ربنا يشفيهم... وطبعاً الكنيسة القبطية بما عُرف عنها من حنية مش عايزه تزود حالاتهم المستعصية بالقيام بأهم ما أوصاها به المسيح وهو العمل على خلاص النفوس التائهة والمفقودة وإحالة أنظارها الزائغة إليه.
على الكنيسة الإلتزام بتعاليم المسيح لأنه يجب أن يُطاع الله أكثر من الناس، ولن يكون هناك متسع في السجون والمعتقلات لـ 12 مليون مسيحى يستطيعون التبشير بالقول وبالفعل الحسن الذي يقتدي به الناس، وإذا حد أخد على خاطره نقول له كما يقول الكفرة في بلادهم و بلسانهم tough luck!. مصر بلدنا كما هى بلد غيرنا وأكثر, فليس بيننا مطزز وخائن و ما يجوز فيها لغيرنا يجوز أيضاً لنا و لنا فيها مثلما لغيرنا وشوية زيادة.
ثم أليس الناس أحراراً فيما يعتقدون؟ وأن البقاء للأصلح؟ اتركوا حرية الخيار للناس في حدود قانون واحد يسري على الجميع ودولة قوية عادلة لا تخشى مطزز ولا تسعى لمغازلته على حساب ضحايا أبرياء.
أرجو لجناب أبينا الحبيب القمص متياس نصر حماية من الآب وحكمة من الابن و قوة من الروح القدس وقبس من شجاعة يوحنا المعمدان.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1699&I=46