بقلم: إبراهيم عيسي
هذا الاهتمام ثم هذا الإحباط وتلك الكتلة الهائلة الهائمة من الأسئلة والتساؤلات التي أحاطت نشر تصريح منسوب إلي جميلة إسماعيل بانفصالها عن زوجها أيمن نور دليل عندي (وربما عند عاقلين آخرين) علي مدي حب جمهور عريض وواسع من المصريين لهذين الزوجين، ثم إنه دليل آخر- شاء من شاء وأبي من أبي- أن نور وجميلة تحولا معا إلي رمز للحب والكفاح ومواجهة الظلم ومغالبة واقع شرس وقامع.
ثم هو كذلك برهان علي رهان الناس علي أيمن نور وجميلة اللذين تحولا إلي قصة شعبية وأسطورة سياسية حملتها الناس حلمها في وجود شخصيات قوية وعفية ووفية في زمن الارتخاء والرخاوة والاستسلام والعجز، حاجة كده لله في لله لم يكن أحد منهما يدركها، ولا يحسب لها حساباً ولا يطلبها ولا يعمل لها، لا نور ولا جميلة حين دخل السجن ودخلت هي مرحلة التحول إلي ناعسة المصرية العصرية أو بهية ياسين المغدور.
ربما هذه الحمولة الثقيلة التي وضعها الناس والإعلام والساسة والمجتمع المصري والعربي والدولي عليهما شكلت ضغطا علي مشاعر وأعصاب الزوجين اللذين ذهب بهما الناس مبلغ القصص الشعبية، من هنا جاء هذا الاهتمام والهم وذلك الإحباط والألم الذي صارع قلوب ملايين المصريين وهم يتابعون بطلهم السياسي وبطلتهم المفضلة تحت قصف نار الإعلام والصحافة التي تلغ في عرضهما وخصوصيتهما!
الجانب الإيجابي الحقيقي في هذه القصة التي صارت حديث مصر كلها أن مصر كلها ضبطت نفسها مهتمة بأيمن وجميلة إلي حد يجعل كثيرين يراجعون أنفسهم في تقييم مكانة هذا الزعيم السياسي الذي بات الناس يهفون إليه في كل موقع يزوره وفي كل بلد يروحها وفي كل مظاهرة يقودها، الأمر اللافت هنا أيضا أن الناس من محبتها واهتمامها وحلمها سمحت لنفسها أن تصبح تفاصيل حياة أيمن وجميلة حقا متاحا مباحا لهم، وصارت لحظة غضب زوجة وعصبية زوج كأنما تهز بيوت الناس وكأنما تخطف قلوبهم معا.
والمؤكد أنه لو سمح جهاز الاتصالات بالكشف عن عدد المكالمات التليفونية والرسائل الهاتفية علي الموبايل عقب الإعلان عن خبر منسوب لجميلة بأنها انفصلت أو تطلب الانفصال عن زوجها لتأكد أي مراقب سياسي أو باحث اجتماعي إلي أي حد أصبح أيمن نور نجما سياسيا وجماهيريا وبحق مما يشكل خطرا وبحق يستدعي التصرف وبحق عاجلا للتشويش أو التشويه!
وليس بعيداً علي الجميع مدي ما يربطني بأيمن نور وجميلة إسماعيل من صداقة عميقة وحقيقية تجعلني أعرف ما لا يعرفه مَنْ يظن نفسه عارفا أو مَنْ يتخطف نميمة من أفواه الناس أو يتسقط كلمة أو تصريحًا أو يتلهف علي استغلال غضب زوجة في لحظة انفعال.
لكن الحقيقة أنه ليس لدي ما يشبع رغبة أو نهم مصاصي الدماء، الذين يحبون أن يؤكل لحم أخيهم حيا، وأن التفاصيل وهي كثيرة جداً لا تقود في النهاية إلا لحقيقة واحدة أن أيمن نور وجميلة إسماعيل بشر، ويبدو أن بعضنا ولعله أكثر من بعضنا نسي هذه الحقيقة وبدأ يتعامل علي أن نور وجميلة شخصيتان آليتان يتم شحنهما آخر الليل أو أول النهار فيمضي كلاهما خوضا في المنايا والبلايا دونما خدش، ليس سرا أن هناك خلافات بين أيمن وجميلة .
لعلّي لا أذيع سرا بقدر ما أضبط أوهاما لدي كثيرين حين أبوح بهذه الخلافات، لأنها ياللدهشة ليست شخصية تماما بل محورها الشأن العام وعصبها العاري هو الشأن الخاص، من هذه الخلافات التي بدأت اختلافات:
1 ـ أن جميلة لاتزال تحمل علامة استفهام حول العفو الصحي عن أيمن نور وتري في الأفق كارثة معدة ضد زوجها بينما هو يسلم بعفوية وبإقبال هائل علي استكمال مشروعه السياسي وكأن ما جري في السنوات الماضية مضي.
2 ـ أن أيمن يري جميلة أكثر حسما (يسميها حدة ) مع الخصوم السياسيين ويتصور أنه ليس أمير الانتقام ولم يخرج فعلا لينتقم لكن جميلة تري أنه إذا سلمت بألا ينتقم فليس لدرجة أن يعفو ويسامح
3 ـ أن أيمن لم يهدأ لحظة ومِنْ مدينة لأخري ومِنْ محافظة لأخري بينما كانت هي تريد شيئا من راحة المحارب هي حقها وحقه.
4 ـ أن أيمن حول بيته إلي بيت للأمة وخشيت هي كأم (لولديها وليس للأمة ) أن تمتد اليد التي أحرقت مقر الحزب لتحرق مقر السكن والسكينة فتصرَّف هو بروح السجين الذي يهفو للحرية وتصرفت هي بروح الحرة التي تهفو للسكينة.
5 ـ إن الشأن العام والهم المصري والمشروع السياسي والحلم الكبير طغت جميعا علي الحياة الخاصة ونشبت مناوشة في كل لحظة بين حق البيت وحق بيت الأمة. أظن أنه يبدو من هذا كله أن هناك خلافات تسحبت وتسللت من دوائر الجدل السياسي والشراكة الحزبية إلي مثلثات الزوج والزوجة والأولاد. هنا سؤال يبرز: هل لك أنت دخل عزيزي القارئ بهذا الخلاف بين زوجين؟ الإجابة طبعاً لأ، لكنك لم تفعل شيئا كي نحاسبك أو نعاتبك بل الخبر منشور منسوبا لها، صحيح عدّاك العيب، لكن نعود لما قيل ونتأمله وفق مغاضبة زوجة في لحظة انفعال توترت أو تورطت في النقمة وقررت بروح جريحة أن تقول شيئا كي تعلن عن وصول غضبها إلي الحافة وكأنها تريد أن تقول أنا طهقت من التعامل معه ككائن من فولاذ وكأنها تصيح بأنها بشر، لا شأن لي الآن بمن التقط لحظة الغضب فنفخ فيها متعجلا كأنما يفترس فارسا وكأنما يفوز بسبق التسابق علي نهش لحم وعرض الآخرين خصوصا لو معارضين وظني أن بيوتنا كلنا من زجاج لكن هناك من ينسي وهناك من لا يري زجاجه!
لكن يبقي أن هناك خلافا عائليا في بيت مهم من بيوت مصر، فتقدموا يا سادة وكل واحد فيكم يقتطع لحم أخيه أو يلغ في دم أخيه أو يتلصص علي أخته أو ينتهك حرمة أو يقذف محصنة أو يطعن شرفا، تقدموا واستغلوا مشكلة بين زوجين وأوسعوا الرتق علي الراتق، وصفقوا لأنفسكم سعادة تليق بكم، هذه هي فرصتكم كي تريحوا أنفسكم من تفسير ما لا تقدرون علي تفسيره وما يحيركم: كيف صار أيمن نور هذا هكذا نجما وزعيما وأنتم تعرفونه منافسا في جريدة أو خصما في مهنة! سأصل الآن إلي ما يريد أن يعرفه الناس، هل طلق أيمن نور جميلة إسماعيل فعلا؟
واضح أن هناك من لا يريد أن يصدق أيمن نور حين يقول إنه لم يطلق زوجته، ويصممون علي أن الأمر حدث في غرابة مذهلة وعصية علي التفسير ثم يستندون إلي الخبر المنسوب لجميلة ثم لصمتها عن التبرير.
لكن مع افتراض أن الخبر مصدره جميلة إسماعيل فهذا لا يعني أنها تطلقت، ولا حتي يعني أنها طلبت الطلاق فالذي يطلب الطلاق يطلبه من الزوج أو من القاضي وهي لا قالت ولا سمعنا ولا قرأنا أنها طلبت شيئا رسميا بل قال من قال إنه محاميها وهو الذي لا يملك توكيلا لها حتي تاريخ إذاعته، ما قالت له أن يذيعه فأذاعه الرجل فرحا بدوره وفخورا بمهمته وقال إنها طلبت منه أن يمضي في الإجراءات الودية، وبفرض صحة كل هذا العبث الدرامي فإن هذا لا يعني أن أيمن نور طلق جميلة إسماعيل، وهو فعلا لم يطلقها وهي لم تطلب منه طلاقا ليفعل أو لا يفعل، إذن ما الذي جري؟ ما جري أن هناك خلافا أرادت أطراف أن يتسع ويتم إعلانه كي لا يتم ترميمه!
ثم يبقي السؤال: لماذا اختفت جميلة إسماعيل بعد إذاعة الخبر، ولم تشارك في الحفلة المقامة علي سمعتها، والإجابة: أنها كانت في بيت أمها المخرجة التليفزيونية المعروفة فريدة عرمان، فلا اختفاء ولا يحزنون، ثم هي وقد أذيع ما نسب إليها حققت فيما تصورت إعلان غضبها وجرحها بالطريقة التي أفزعت وأقلقت، وأرادت بصمتها أن تضع حدوداً للكلام عن حياتها بعدما أذاعته منها، ربما استفز جميلة ما قيل، وربما ضغط علي أعصابها، فقد استمعت إلي كل ما أذيع، وقد تقول شيئاً، لكن حتي حينه فقد آثرت صمتاً بعد لغو. هل انتهت قصة الكفاح المشترك كما يقولون.
المؤكد أنه لا... حتي الآن علي الأقل؟ لكن ماذا لو انتهي؟ فيها إيه يعني لو طلق أيمن نور جميلة إسماعيل؟ من المضحك أن يتحدث البعض علي أنها نهاية مستقبل أيمن نور السياسي؟ يا سلام أهذه طيبة في المشاعر أم قصور في الرؤية أم عشوائية في التفسير؟
منذ متي كان انفصال زوج عن زوجته نهاية سياسية؟ وليه إن شاء الله، متي تحول الطلاق إلي فضيحة تضر صاحبها، لا التاريخ ولا حتي «الجغرافيا» يحدثنا عن نهاية سياسي لأنه طلق زوجته، طبعا لن أتحدث عن أوروبا وأمريكا ومانديلا جنوب أفريقيا فهذا كلام لا شأن لنا به فنحن في عالم العشوائية والفهلوة وفي مجتمع يديره جهاز أمن الدولة والإعلام بنجاح ساحق ومن ثم خلينا في نفسنا.
متي أنهت حادثة طلاق مستقبلاً سياسياً؟ أشهر قصصنا هو الرئيس أنور السادات الذي طلق زوجته التي أنجبت له ثلاث بنات وتزوج فتاة تصغره بسبعة عشر عاما ولما عرف الناس تلك الحقيقة لم ينهوا مستقبل السادات السياسي لا فعلها زملاؤه الضباط الأحرار ولا غيرهم، ثم هناك آخر النماذج في المستقبل السياسي رغم الطلاق وهو الملياردير وأمين تنظيم الحزب الوطني الذي تزوج أكثر من مرة ولم يشكل هذا عبئا علي مستقبله ولا حاضره السياسي ومحدش زعلان منه لهذا السبب لا حكومة ولا معارضة، وبين هؤلاء مفكرون وزعامات كبيرة وكثيرة.
ومع ذلك فإن طلاقا لم يحدث. الناس في مصر يا للمفاجأة للبعض تفصل بين الشخصي والعام.
بل هناك من يتحمل شواذ في العمل العام ولا يمتعض منهم ولا من حياتهم الخاصة وهناك من يتجاهل تماما طلاقات رجال دين وشيوخ ولايزالون يسمعون لهم ويتعلمون علي أيديهم أمور دينهم.
أما الذي يريد أن يجعل من طلاق شخص لزوجته حدثا يغير مساره السياسي أو يهدم مستقبله السياسي فهو حر، لكن الواقع لا يقول ذلك وسنري لعلنا أخطأنا فنرجع ونتراجع ومع ذلك فإن أيمن نور لم يطلق جميلة إسماعيل وإن حدث فلا تثريب عليهما ولا مؤاخذة ولا انتقاص ولا نقص فيهما ولا نهاية لمستقبل سياسي ولا خاتمة لعائلة ولا هو أول ولا آخر طلاق، ثم لو حدث فهما أحرار...لكنه لم يحدث!.
نقلاً عن الدستور
http://www.copts-united.com/article.php?A=1694&I=45