د. عبد الخالق حسين
بقلم : د. عبدالخالق حسين
في تصريح للسيد رئيس الجمهورية، الأستاذ جلال طالباني، جاء فيه أنه يبذل جهوداً للعمل على إجهاض أية محاولة لتهميش قائمة "العراقية" التي يقودها الدكتور أياد علاوي. ومعنى هذا أنه يريد حكومة مؤلفة من جميع القوائم الفائزة دون استثناء. ولكن في تصريح آخر نشرته له وكالات الأنباء قال فيه ".. إن قائمة التحالف الكردستاني ستنضم إلى التحالف المتوقع تشكيله والإعلان عنه خلال أيام والذي يضم الكتلتين الشيعيتين لتشكيل حكومة قادمة." (رابط 1و2).
أعتقد أن التصريح الأول غير ممكن تنفيذه، إذ لا يمكن الجمع بين الكتلتين: "العراقية" و"دولة القانون" في تحالف واحد وحكومة واحدة، وذلك بسبب الخلافات السياسية، والصراع الشديد بينهما إلى حد القطيعة رغم تصريحات بعض قيادييهما بعدم وجود خطوط حمراء على أحد!! كما واعتقد أن في عدم لقائهما في حكومة واحدة فائدة كبيرة للعملية السياسية، ودفع الديمقراطية خطوة أخرى إلى الأمام نحو النضج والنجاح. فتجربة السنوات الأربع الماضية أثبتت أن ما يسمى بحكومة "الوحدة الوطنية" هي في الحقيقة حكومة "التفرقة الوطنية"، لأنها كانت حكومة الوحدة قولاً ومشلولة عملاً. فمنذ تشكيل الحكومة برئاسة السيد نوري المالكي قبل أربع سنوات، والتي ضمت جميع الكيانات السياسية تقريباً، بدأ الصراع بين قيادات هذه الكيانات تمثلت في مطالبة الدكتور علاوي وكتلة التوافق بسحب وزرائهم على أمل إسقاط حكومة المالكي لتشكل الحكومة برئاسته، وبذل في سبيل ذلك الكثير من الجهد والمال والوقت، وباءت جميع تلك المحاولات بالفشل الذريع، ولكن بقي الصراع مستمراً لحد الآن، الأمر الذي ساهم في عرقلة عمل الحكومة، وعدم استتباب الأمن، واستمرت الحملة التسقيطية ضد المالكي وإلقاء اللوم على شخصه وحده، ومحاولة إظهاره بالعاجز والفاشل!!.
لذلك أرى أن على قادة الكتل السياسية أن يستخلصوا درساً من تلك التجربة الباهظة الثمن، مفاده أن حكومة تتشكل من كتل محدودة ولكنها منسجمة، أفضل بكثير من حكومة تضم جميع الكيانات ولكنها متصارعة ومتخاصمة ومشلولة.
كما وأكدتُ مع غيري مراراً وتكراراً، أنه في النظام الديمقراطي لا بد من وجود معارضة ديمقراطية شرعية من داخل البرلمان وخارجه، إذ لا حكومة صالحة بدون معارضة صالحة. وفي هذه الحالة فمن الأفضل أن يتم تشكيل الحكومة إما برئاسة أياد علاوي زعيم كتلة "العراقية"، أو السيد نوري المالكي، زعيم كتلة "دولة القانون"، أحدهما يترأس الحكومة والآخر يقود المعارضة، أي تشكيل حكومة الظل. وقد ذكرت هذين الشخصين دون غيرهما لأسباب سأوضحها لاحقاً.
ولكل من الشخصيتين، المالكي وعلاوي، محاسن ومساوئ في رئاسة الحكومة، جديرة بالذكر.
فمن إيجابيات السيد نوري المالكي أنه اكتسب خبرة لا يستهان بها خلال الأربع سنوات الماضية من ترؤسه للحكومة، وتعلم من الأخطاء، (والأخطاء، بالمناسبة، لا يمكن تلافيها مائة بالمائة، بل هي مصدر لكسب الخبرة)، وحقق الكثير من الإنجازات وخاصة في مجال الأمن ودحر المليشيات، والإرهاب، وتحسين الخدمات، والاقتصاد، ورفع القدرة الشرائية لدى المواطنين، وتحسين قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي (كان الدولار يساوي 3000 دينار قبل سقوط البعث، واليوم الدولار يساوي نحو 1000 دينار، التحسن بنسبة 70% في صالح الدينار، وهذا التحسن في قوة العملة لم يحصل في أي بلد آخر خلال فترة قصيرة نسبياً)، كما وعقد اتفاقيات استثمارات النفط، ومشاريع كثيرة أخرى رغم الظروف الصعبة التي مرت بها حكومته، والمعارضة العنيفة له، ومحاولات مستميتة من مختلف الجهات للتقليل من أهمية هذه المنجزات وتشويهها، بل وحتى تحويلها إلى سلبيات و"كوارث"،
كما وراح البعض من الكتاب بعد أن غيروا مواقفهم منه مؤخراً، تحويل محاسنه إلى مساوئ، وإلقاء اللوم عليه في العمليات الإرهابية الأخيرة، ونسبوا للمالكي أقوالاً لم يقلها مثل أنه هدد باستخدام الجيش من أجل بقائه في السلطة!! وأنه ينفرد باتخاذ القرارات، وشبهوه بصدام حسين، كما ووصفوا حكومته بـ"حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية" بدلاً من تسميتها بـ"حكومة الوحدة أو المشاركة الوطنية" التي فرضت عليه بحكم الواقع الجديد، إذ ليس بإمكان أية فئة أو كتلة أو شخصية سياسية تشكيل حكومة في العهد الجديد بدون أن تضم ممثلين عن جميع مكونات الشعب. كذلك اتهموه بعزل العراق عن الدول العربية وألقوا اللوم عليه في هذا التجافي بدلاً من إلقائه على الحكومات العربية نفسها ولأسباب باتت معروفة، راجع مقال الأستاذ عادل حبه (معزوفة (إبعاد العراق عن محيطه العربي) !!!). كذلك يواجه المالكي معارضة من داخل الإئتلاف الوطني بسبب المنافسة الشرسة على المنصب وعلاقة هذا الإئتلاف الحميمة بإيران المناهضة للمالكي لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها في هذه المقالة.
أما الدكتور أياد علاوي، وإذا ما كُلِّف بتشكيل الحكومة، فمن محاسنه وإيجابياته أن تتغير الصورة نحو الأفضل ولو مؤقتاً، إذ سيتوقف معظم الكتاب والمعلقين السياسيين عن استخدام عبارة "حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية البغيضة" ويستبدلونها فوراً بعبارة "حكومة الشراكة الوطنية الرشيدة". كما وسترحب به السعودية وسوريا، وتعلنان العلاقة الودية مع حكومته، وتوقفان دعم الإرهاب ولو لمدة قصيرة، وإذا ما وقعت أية عملية إرهابية في العراق فالتهمة جاهزة، إذ سيلقونها على إيران و"عملائها من الشيعة الصفوية والمليشيات الحزبية الطائفية!!".
ومن سلبياته، أن السيد علاوي خلال الأربع سنوات الماضية، ورغم أنه كان نائباً في البرلمان، إلا إنه لم يحضر جلسات المجلس إلا نادراً، بل قضى معظم وقته خارج العراق متمتعاً بامتيازات عضويته ودون أداء واجبه كعضو في البرلمان. كذلك صار علاوي مصدر قلق لدى الشيعة والكرد بسبب خلفيته البعثية وتعاطفه مع البعثيين "غير الصداميين!" فهو يشكل خطر إعادة حكم البعث تدريجياً. كما وعوَّدنا على تلميحاته المستمرة بإغراق العراق في فوضى عارمة ما لم يُكلَّف هو بتشكيل الحكومة، وآخر هذه التلميحات والتحذيرات قد نشرت في صحيفة الشرق الأوسط السعودية يوم 16/4/2010 بعنوان: "علاوي يحذر من حرب طائفية.. ويطالب أميركا بالمساهمة في تحقيق المصالحة". إن التلميح بحرب طائفية ليس في صالح السيد علاوي ولا لقائمته "العراقية" التي يقودها، والتي تمثل الكيانات السياسية العربية السنية بدليل أن صوت لها نحو 85% من المحافظات الشمالية الغربية، لأن موقفه هذا يشبه موقف البعث الذي يصر على إما أن يحكم العراق أو أن يحرقه، وهذا سلوك بعثي بامتياز.
كذلك يرى علاوي وغيره في الكتلة "العراقية" إن عدم تشكيل الحكومة من قبل "العراقية" يعني تهميشاً للسنة العرب، وسيؤدي إلى رد فعل عنيف في المناطق السنية، وهذا اعتراف ضمني منهم بأن كتلة "العراقية" تمثل السنة العرب وليس كما أشاعوا بأنهم فوق الطائفية والعرقية، وأن كتلتهم تضم ممثلين من جميع مكونات الشعب بلا تمييز.
على أي حال، إذا تشكلت حكومة برئاسة الدكتور علاوي، فشهر العسل مع حلفائه سوف لن يدوم طويلاً على الجبهتين، الخارجية العربية، والداخلية مع الكتل السياسية الأخرى المشاركة معه في الحكومة. فعلى صعيد العلاقات العربية، إن دعم سوريا والسعودية له ليس بدون ثمن، فكل واحدة منهما تطمع في أن يدور العراق في فلكها وتحويله إلى إحدى جمهوريات الموز، تكون في جيب سوريا والسعودية كما هي الحال مع لبنان، وهذا لن يقبله العراقيون لأنه يسئ إلى سمعة العراق كدولة كبرى في المنطقة، بشرياً، وتاريخياً، وجغرافياً واقتصادياً.
أما على الصعيد الداخلي، فعلاوي وعد في تصريحاته وبرنامجه الانتخابي بتغيير مؤسسات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية بحجة تطهيرها من "المليشيات التابعة للأحزاب الطائفية"، ونحن مع تطهير هذه المؤسسات من الإرهابيين والمندسين من المخربين، وحبذا لو ينفذ هذا المشروع بنزاهة، ولكن الخطر أنه تحت هذه الذريعة يكمن خطر إعادة الجيش القديم الذي معظم ضباطه مؤدلجون بآيديولوجية البعث والانقلابات العسكرية، ومنهم من كان ومازال يدير عمليات الإرهاب، وبذلك سيكون مصير الحكومة المدنية الديمقراطية مهدداً كما كان في العهود السابقة، ولا شك أن هذا الإجراء سيشوبه التعسف بحق الكثيرين من الأبرياء والمخلصين، وسيواجه مقاومة عنيفة من قبل الكتل السياسية وحتى من قبل تلك المشاركة في الحكومة (التحالف الكردستاني والإئتلاف الوطني). كذلك منح الناخبون من غير الكُرد في بعض المحافظات مثل كركوك والموصل وديالى أصواتهم لقائمة علاوي على أمل أن يقف بحزم في وجه طموحات التحالف الكردستاني على المناطق المتنازع عليها، وإذا ما نفذ وعوده فسوف يغضب الكُرد، وسيعملون على إسقاطه كما أسقطوا الدكتور إبراهيم الجعفري عام 2005. وإذا لم ينفذ وعوده فستتخلى عنه الكيانات التي انضمت للعراقية على هذه الشروط، وبذلك فستكون حكومة علاوي معلقة بخيط واه.
ولهذه الأسباب أرى حظ الدكتور أياد علاوي في تشكيل الحكومة ضعيفاً.
وبناءً على ما تقدم، فالحل الذي أراه وإذا ما خلصت النوايا، وأراد قادة الكتل السياسية أن ينقذوا شعبهم وبلادهم من المخاطر الكارثية، عليهم أن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية، ويعملوا وفق فن الممكن، وتفضيل مصلحة الشعب على المصالح الفئوية والشخصية. وعليه فإني أرى أن الشخص المؤهل أكثر من غيره في تشكيل الحكومة هو السيد نوري المالكي لأنه كسب خبرة واسعة، وأثبت جدارة خلال الأعوام الأربعة، ويتمتع بشعبية واسعة أكثر من غيره من منافسيه على المنصب، حيث صوت له في بغداد وحدها نحو 700 ألف ناخب، وهذا لم يأتِ من فراغ، بل اعتراف الناخبين بجهوده وقناعتهم بأن الرجل بذل كل ما في وسعه لخدمة الشعب بإخلاص رغم الظروف السيئة التي أحاطت به وبحكومته.
وليس في ذلك أي عزل لأية مكونة من مكونات الشعب في تشكيل الحكومة بدون الكتلة العراقية، لأن جميع الكتل الأخرى تضم في كياناتها ممثلين عن مختلف مكونات شعبنا (السنة والشيعة وغيرهم)، فهناك كتل تمثل السنة العرب من خارج "العراقية". لذا على السيد علاوي قيادة المعارضة (تشكيل حكومة الظل)، لمراقبة الحكومة ومحاسبتها على الأخطاء، وخلال هذه الفترة ستتوفر له الفرصة ليثبت إمكانياته، وصدق نواياه، وكسب شعبية تساعده في الانتخابات القادمة كسب ثقة الكتل الأخرى للتحالف معه وتشكيل الحكومة، تماماً كما يجري في الدول الديمقراطية، فالمعارضة اليوم هي حكومة المستقبل.
هوامش:
1- طالباني يبذل جهودا للعمل على إجهاض أي محاولة لتهميش "العراقية"
2- طالباني يؤكد التوجه الكردي للتحالف مع ائتلافي الحكيم والمالكي
3- عادل حبة معزوفة (إبعاد العراق عن محيطه العربي) !!!
4 علاوي يحذر من حرب طائفية.. ويطالب أميركا بالمساهمة في تحقيق المصالحة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=16698&I=416