هل من علاقة بين الذكرى السابعة لسقوط الفاشية والتفجيرات الأخيرة ؟

د. عبد الخالق حسين

بقلم : د. عبدالخالق حسين
مرت اليوم، 9 نيسان/أبريل الأغر، الذكرى السابعة لإسقاط أسوأ نظام فاشي عرفه التاريخ، ألا وهو حكم البعث الغاشم في العراق الذي اغتصب السلطة بالغدر والخيانة والانقلابات العسكرية، ومن ثم بالغدر بأولئك الضباط المغفلين الذين ساعدوهم على اغتصاب السلطة. يعتبر البعض من الذين ينظرون إلى السيادة الوطنية باللون الأسود والأبيض فقط، أن الترحيب بقوات المجتمع الدولي بقيادة أمريكا في إسقاط حكم البعث كان خيانة وطنية، لذلك فهم يعتبرون الإرهاب ضد شعبنا مقاومة وطنية شريفة!! وينكر هؤلاء أن شعبنا كان أعزلاً من كل قدرة على تغيير الحكم الفاشي بقدراته الذاتية، ولذلك لم يكن هناك بد من اللجوء إلى العامل الخارجي للتغيير والتحرير.

وقد رحب شعبنا بمقدم القوات الأجنبية وهي تدك النظام الفاشي كما شاهد ذلك العالم كله من على شاشات التلفزة، معرباً عن أفراحه بسقوط الصنم البعثي في ساحة الفردوس، ولن ينسى مشهد ذلك المواطن العراقي البسيط، أبو تحسين، وهو يضرب رأس تمثال صدام حسين بنعاله، كأصدق تعبير عن غضبة الشعب وأفراحه. إن مشاركة أبناء الشعب العراقي في إسقاط تمثال صدام حسين كان يشبه في رمزيته سقوط جدار برلين، وانتهاء عهد أسود، وبداية عهد جديد بزغت فيه شمس الحرية على بلاد الرافدين من جديد.

كما وشاهدنا أعداء الشعب من فلول البعث وهم يفرون بملابسهم الداخلية واختبئوا في جحورهم كالجرذان المذعورة بعد أن سلم قادتهم مفاتيح بغداد والمحافظات الشمالية إلى القائد الأمريكي دون أية مقاومة. ولكن ما أن لمسوا تساهل المسئولين الجدد معهم وفق القواعد الديمقراطية، والقيم الحضارية بقصد فتح صفحة جديدة أمام البعثيين، وبدلاً من انتهاز الفرصة لإصلاح أنفسهم، والمشاركة في بناء بلدهم، فسروا هذا التساهل ضعفاً وقاموا بالأعمال الإرهابية بالتحالف مع منظمة القاعدة الإرهابية على أمل إفشال العملية السياسية ووأد الديمقراطية الوليدة، وإعادة حكمهم المنهار، وأصروا أشد الإصرار على أن يحيلوا أفراح شعبنا إلى مآتم.
ولما شاهدوا إصرار شعبنا على تبني المشروع الديمقراطي كما ظهر ذلك جلياً من إقبال جماهير الناخبين بحماس على صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة والتي قبلها، ورأوا نجاح الديمقراطية رغم تهديدات الإرهابيين، تمادوا في تصعيد التفجيرات والإمعان في قتل أبناء شعبنا الأبرياء، أملاً في تدمير معنويات شعبنا واستسلامه لهم ولكن هيهات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من وراء التفجيرات الأخيرة التي تخصصت هذه المرة بضرب السفارات في حي المنصور، والعمارات السكنية في الأحياء الشعبية الفقيرة؟

الجواب المنطقي على هذا السؤال هو، أن الجهات التي بدأت التفجيرات منذ سقوط حكم البعث الغاشم قبل سبع سنوات هي نفسها وراء التفجيرات الأخيرة وما سيليها من تفجيرات في المستقبل، أي فلول البعث وحلفاؤهم من أتباع القاعدة. والسبب الذي يجعلنا أن نتوصل إلى هذا الاستنتاج هو أن التفجيرات الأخيرة تحمل بصمات التفجيرات السابقة ذاتها. كذلك نلاحظ بعد كل عملية تفجيرات، ينبري أعداء الحكومة، والمدافعون عن البعث، من أمثال صالح المطلك، بتبرئة البعث والقاعدة من هذه الجرائم وإلقاء التهمة على الحكومة، كما وشاهدنا بعد كل عملية إرهابية لقطات فيديو على (اليوتيوب) تم تصويرها بالقرب من أماكن التفجيرات لشباب تم تحضيرهم مسبقاً، يدلون بطلاقة وحرفية وكأنهم تمرنوا على ما يقولونه مراراً، يرددون مقولات ذاتها مفادها أنه ليس البعث ولا القاعدة مسؤولة عن هذه التفجيرات وإنما الحكومة.

في القضايا الجنائية، أول سؤال يخطر على بال خبير المباحث المختص في علم الإجرام هو: من المستفيد من هذه الجريمة؟
نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية، والتي تخلت مع الأسف، عن رصانتها وحياديتها  في الأشهر الأخيرة، حيث صارت طرفاً فعالاً في الصراع السياسي، العراقي- العراقي، بل تتصرف وكأنها لسان حال قائمة "العراقية"، نشرت تصريحاً للسيد صالح المطلك، رئيس جبهة الحوار الوطني، والقيادي في القائمة "العراقية" التي يتزعمها إياد علاوي "يوجه أصابع الاتهام إلى الحكومة العراقية المنتهية ولايتها في حوادث التفجيرات التي هزت بغداد على مدى الأيام الثلاثة الماضية." (الشرق الأوسط، 8/4/2010). اخترت تصريحات المطلك لأنها تمثل القاسم المشترك لما نسمعه من البعثيين وأنصارهم في هذه المناسبات.
تقول الحكمة: "حدِّث العاقل بما لا يليق فإن صدَّقَ فلا عقل له" ولا بد أن السيد المطلك يطلق هذه التصريحات معتمداً على ضعف ذاكرة الناس، إذ يجب أن نسأل: ما هي مصلحة الحكومة من هذه التفجيرات والإخلال بالأمن؟

كعراقيين، نحن أعرف من غيرنا بأساليب البعثيين الجهنمية الخبيثة، حيث يقتلون الضحية ويسيرون في جنازة القتيل. وهذه هي طريقة بعثية بامتياز، إذ يتذكر أبناء جيلي ممن شهدوا فترة ثورة 14 تموز عندما قامت عصابة بعثية ، من بينهم المجرم صدام حسين، بالمحاولة الإجرامية الفاشلة لاغتيال رئيس حكومة الثورة الزعيم عبدالكريم قاسم عام 1959، فبعد دقائق من المحاولة، خرج البعثيون إلى الشوارع يصيحون أن الشيوعيين قتلوا الزعيم قاسم!! في محاولة منهم إلقاء التهمة على خصومهم الشيوعيين. هذه اللعبة وغيرها باتت معروفة عن البعثيين، وهي جزء متأصل من أخلاقيتهم الخبيثة.

أقول أن السيد المطلك لم يفاجئنا أبداً بهذه التصريحات وتوجيه الاتهام إلى الحكومة، بل هي نسخة مكررة ومعروفة من سلوك البعثيين وتصريحاتهم السابقة. وعندما يتهم المطلك الحكومة بهذه التفجيرات، فإنه يختزل الحكومة في شخص واحد وهو رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، إذ يضيف المطلك قائلاً: «إما أن تكون الأجهزة الأمنية الحكومية متورطة في حوادث التفجير، أو إنها عاجزة عن الوقوف في وجه المجاميع الإرهابية التي تستهتر بالدم العراقي، وفي كلتا الحالتين تتحمل الحكومة الحالية مسؤولية هذه الجرائم، ولهذا يجب أن لا تبقى هذه الحكومة على رأس المسؤولية وأعتقد عدم مشاركتها في أية حكومة قادمة». وبذلك فقد عبر المطلك بالجملة الأخيرة عن الغرض الرئيسي من هذا الإرهاب.

إن من يطلق هذه التصريحات يحاول أن يجعلنا نعتقد وكأن الأعمال الإرهابية هذه جديدة على العراقيين وظهرت فقط في عهد حكومة المالكي. لقد مر العراق منذ إسقاط الفاشية عام 2003 بأربع حكومات: مجلس الحكم، وحكومة إنتقالية برئاسة أياد علاوي، وحكومة منتخبة مؤقتة برئاسة إبراهيم الجعفري، وأخيراً حكومة منتخبة دائمة برئاسة نوري المالكي. وفي جميع فترات هذه الحكومات كان الإرهاب مستمراً يواصل إبادة العراقيين ويدمر مؤسساتهم الاقتصادية، إذَنْ، فما الجديد في هذه التفجيرات الأخيرة؟؟
وإنصافاً للحقيقة، فقد نجح السيد المالكي إلى حد كبير في تحسين الوضع الأمني خلال ترؤسه الحكومة بقيامه بحملات ضد المليشيات التي عاثت بأمن الناس، الحملة التي تزامنت مع إجراءات "الصحوة" وخطة القائد العسكري الأمريكي ديفيد بترايوس...الخ. ونتيجة للتحسن في الوضع الأمني وتوفير الخدمات، تفوَّقت قائمة "دولة القانون" بزعامة المالكي على منافسيها من الكتل الأخرى في انتخابات مجالس المحافظات التسع الجنوبية عام 2009 الأمر الذي شجعه على خوض الانتخابات التشريعية الأخيرة بهذه القائمة التي ضمت العشرات من الكيانات والشخصيات السياسية العلمانية، والتي أراد عن طريقها بناء الدولة المدنية العصرية، ودولة المواطنة، والتخلص من الطائفية والعرقية.

ولكن يبدو أن المبدأ البعثي (عليَّ وعلى أعدائي يا رب، وليكن من بعدي الطوفان) لم يترك الأمور تمر بسلام، ولهذ لاحظنا تصاعد موجة الإرهاب من جديد، إذ بلغت المنافسة بين الكتل السياسية على حساب المصلحة الوطنية حداً أن امتنع خصوم المالكي في البرلمان التصويت على قانون تخصيص مبالغ لمشاريع الكهرباء، اعتقاداً منهم أن صرف هذه المبالغ سيخدم المالكي في الانتخابات! وهكذا فإنهم يفضلون إلحاق الضرر بالمواطن بسبب المنافسة غير النزيهة على الكراسي.

إذا كان هذا هو الواقع العراقي، وهذه هي روح المنافسة الشرسة المتفشية بين القوى السياسية، ألا يعني أن أعداء الحكومة من المشاركين في العملية السياسية هم وراء هذه التفجيرات أو على الأقل لهم علاقة بها، يراد منها إظهار المالكي بالعجز والفشل، وزعزعة ثقة الشعب به، وبالتالي التخلص منه لصالح منافسيه ودون أي اعتبار للأرواح البريئة التي تزهق وخاصة  الفقراء منهم في الأحياء الشعبية؟؟. وما يجعلنا نعتقد بذلك هو ما صرح به عدد من المنتمين إلى قائمة "العراقية" عبر وسائل الإعلام، أن بإمكانهم وقف الإرهاب إذا ما استلموا السلطة. كما وقرأنا مراراً تصريحات يطلقها الدكتور إياد علاوي، رئيس القائمة أنه  يتوقع تصاعد العنف بعد الانتخابات في حالة تأخير تشكيل الحكومة وعدم استلامه هو لرئاستها، كما لمَّح بحرب أهلية  عندما تم إبعاد عدد من المرشحين البعثيين من الانتخابات التشريعية الأخيرة. ألا يعني كل هذا أن المشاركين في العملية السياسية، والطامحين في كراسي الحكم لهم صلة بالإرهابيين، وبإمكانهم التأثير عليهم، بل وحتى وقف جرائمهم، خاصة وهناك أنباء تفيد عن ترحيب قادة البعث بفوز قائمة "العراقية"؟

وختاماً، أود أن أؤكد لفلول البعث وأنصارهم، والمشوشين فكرياً من مؤيدي "المقاومة" أنه رغم قدرتهم على إلحاق الأذى بأبناء شعبنا في القتل وهدم المساكن في الأحياء الشعبية الفقيرة على رؤس ساكنيها مثل مدينة الشعلة وغيرها، نؤكد لهم أنه من الخيانة وصف هذه الأعمال بالمقاومة الوطنية، وأنه مهما تمادى المجرمون ومن يدعمهم، وأمعنوا في القتل وحرب الإبادة، فإن شعبنا مصمم على السير قدماً في بناء دولته العصرية الديمقراطية رغم أنف البعثيين وحلفائهم من أتباع القاعدة، والمتخفين وراء مختلف البراقع والمتسترين برداء الديمقراطية. 
 ـ
العنوان الإلكتروني للكاتب:
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع