أيام أبوالليف

بقلم: نبيل شرف الدين

فى الطريق إلى داخل استوديوهات شبكة «أوربت»، حيث يقدم عمرو أديب برنامجه الشهير «القاهرة اليوم»، الذى كنت ضيفه على حمدى رزق فى فقرة الصحافة اليومية، شاهدت «أبوالليف» يجلس على درج السلم الخارجى، بمظهره الذى يستوقفك لأول وهلة، لكنى قلت لنفسى لعله أحد الفنيين العاملين بالقناة، فما أكثر غريبى الأطوار فى أوساط الإعلام، ولكن اتضح أننى كنت جاهلاً بأقدار الرجال، ولم أعرف له مكانته إلا بعد أن شاهدت حواره أثناء التصوير داخل الاستوديو.

باختصار أبشركم بأن الصيف المقبل سيكون «مرحلة أبوالليف» بامتياز، وسيتحول هذا الاسم إلى «حالة»، بغض النظر عن تقديرات البعض للأمر، والسبب ببساطة دون تعالم ولا تقعر ولا وعظ هو أن أبوالليف «شبه اليومين دول» بكل ملامحها وتناقضاتها وبالتالى «فمن شابه زمانه فما ظلم». يبدو «أبوالليف» كأنه الإنسان البدائى كما تصوره الكتب المدرسية، وهو لا يرى فى ذلك تهمة، كما لا تمنعه صورة «إنسان الغاب طويل الناب» من أن يسأل حبيبته عن هؤلاء الموجودين على صفحتها فى «الفيس بوك» مؤكداً أنه «مش خرونج»، بل تصل ثقته بنفسه لحد إعلان أنه «كينج كونج»،

لكن ما يغيظه أنه يغنى منذ كان فى الابتدائية، قبل تامر وحماقى ومع ذلك أصبحا نجمين، فقرر العودة للجذور الأولى للإنسان. لعله ليس سراً أن «ظاهرة أبوالليف» هى «افتكاسة» ذكية من الموهوب أيمن بهجت قمر، الذى كتب مفردات حيّة و«صابحة» دونما إقحام ولا افتعال، فخرجت تحمل روائح الشيشة فى «الكوفى شوبات»، وطعم المشروبات فى مقاهى وسط البلد وامبابة ومدينة السلام ومنشية ناصر،

 ولعل أذكى ما فى أبوالليف أنه «بيسمع الكلام»، فينفذ أفكار أيمن بدقة، وتعينه فى ذلك موهبته الفطرية بعدما حانت لها الفرصة لتنطلق مدوية كالألعاب النارية، وبالطبع فليس مستبعداً أن يتمرد التمثال على صانعه ذات يوم، لكن حينها سيكون أبوالليف أصبح حقيقة فنية أكبر من تجاهلها أو الاستعلاء عليها، وسيكون الجميع رابحين بهذه الفكرة المدهشة، رغم كل ما قد يوجه لها من انتقادات سخيفة فارغة، التى لا ينقصها إلا أن يرفع أحد المحامين أو مشايخ الحسبة قضية ضدها لتكتمل لها أسباب الحضور.

وفى قلب هذه «الحالة» فإن «ظاهرة أبوالليف» تكشف عدة دلالات مهمة: الأولى هى أن اقتحام دائرة النجومية ممكن فى أى سن، فهذا الرجل الذى يقف على عتبات الخمسين أصبح رمزاً للشباب المهمشين والمحبطين من أبناء هذا الجيل، كما حدث قبل عقود مع الراحل حسن عابدين حين تألق بعد الخمسين، ليحصد ثمار خبرات تراكمت، وموهبة نضجت، وأدوات اكتملت.

هذا النجاح لا يصح اختزاله فى «المصادفة»، بل هو نتيجة دأب وجهد وتسكع حتى وجدها أخيراً، أقصد وجد نفسه، ووضع يده على مفاتيح موهبته بفضل ظروف تهيأت له، وهو من جانبه اقتنصها بذكاء وشجاعة.

الثانية أنه ينبغى علينا احترام ذائقة الجيل الجديد، والكف عن ممارسة «النفسنة»، وهذا بالمناسبة مصطلح معبر بدقة، أدخله المصريون على اللغة الدارجة، فما يحدث بالفعل من المتقعرين والوعاظ أنهم «منفسنين» من نجاح «أبوالليف»، فقد حقق انتشاراً كاسحاً فى وقت قياسى، وأتوقع أن يكون بطل الصيف المقبل، ونسمعه عبر الإذاعات والإنترنت وفى المقاهى والمولات وكل مكان، حتى نجده يتدفق من صنابير المياه.

الثالثة أنه لم يخرج من رحم المؤسسة الرسمية للغناء، بل نشأ خارجها كما حدث مع عدوية وشعبولا وسعد الصغير وغيرهم، وهؤلاء لم يكتسبوا شرعيتهم الفنية من مساندة وسائل الإعلام الحكومية، ولا أجهزة الدولة، بل عادة ما تكون انطلاقتهم باقتناع «صانع أيقونات» محترف، وأحسب أن أيمن بهجت هكذا، فحول الحلم لحقيقة، ولم يتوقف طويلاً أمام «النفسنة»، بل مضى بأيقونته لتنتشر وتتوغل.

مبروك لأيمن بهجت، الذى لا أعرفه لكنى أثمن ذكاءه وموهبته وعدم اتكائه كثيراً على اسم أبيه، وتهنئة لمصر بابنها الذى يشبهها حالياً «أبوالليف اللى مش خرونج»، وشخصياً أرى ضرورة أن نتعلم من تجاربنا السابقة حين اتهمنا عدوية بأنه «هابط»، لنكتشف بعد سنين أنه فنان شعبى جميل مسكون بثقافة الحوارى والعشوائيات، ولا يقول سوى ما يفهمه ويتذوقه القطاع الأكبر من المصريين، فمرحبا بأبوالليف والذين معه رغم أنف نقاد الغبرة ومطربى السلاطين. والله المستعان

nabil@elaph.com
نقلاً عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع