خالد منتصر
خالد منتصر
الحنين إلى الماضى ونوستالجيا الصورة القديمة وزمن الأبيض والأسود وذكريات زمان الفنية والرياضية والاجتماعية هى تذكرة نجاح مضمونة لا يخسر من يُراهن عليها إطلاقاً، نجح الإعلان الذكى لإحدى شركات المياه الغازية بلمسته الإنسانية فى أن يثير شجوننا وربما دموعنا أيضاً عندما لعب على وتر الحنين واللمة والضمة والحضن الدافئ
هجرت مقلتى دمعة ساخنة عندما شاهدت الفنان جورج سيدهم وهو يبتسم إلى جوار زميل العمر ورفيق الرحلة سمير غانم والفنانة شيرين التى شاركته أشهر أعماله، ابتسامة تلقائية فطرية من الممكن ألا تكون ترجمة مشاعر وأحاسيس فنان ينظر إلى الكاميرا، فجورج سيدهم ربما لا يحس بأن تلك كاميرا ولا يشعر بأن ذلك تصوير، ولم يفطن إلى أنه فى لوكيشن، وربما أيضاً لا يتذكر تلك اللحظات المتوهجة بالنجاح، التى جمعته بـ«سمير وشيرين»
ولكنها ابتسامة لزمن الوفاء الذى مضى وولى لعله يعود، ابتسامة ما قبل الشجن والحزن الدفين على قلوب باردة وضمائر مثلجة ونفوس متيبسة وبشر متلاصقين متجاورين ولكنهم غير متواصلين، فقدوا الحميمية ودفء المشاعر ونبض الإحساس وعفوية الاحتضان، فرحت بهذا الإعلان الذكى وأعتقد أنه لمس عصباً عارياً للروح لدى كل من شاهده، هبط بحبل الود والشوق إلى آبار النفس التى صدأ قاعها وجفّ نبعها وشح ماؤها وكاد يتسمم كل ما كان عذباً وشهياً وراوياً للعطش، فرحت لأنه بقدر شجنه بقدر بهجته، بقدر ألم الافتقاد بقدر نشوة اللقاء
هذا الحنين ليس حباً لتحنيط المشاعر أو تعليب العواطف ولا رغبة فى تعطيل عقارب ساعة التقدم إلى المستقبل، ولكنه الحنين إلى قيم تُدهس بالأحذية تحت اسم صراع الأجيال وثورة التحضر، قيم الاحترام والذوق والتلاحم والحب والتسامح والود والضحك من القلب وليس من وراء القلب، تذكّرت بدايات عزت أبوعوف هذا الطبيب الذى تمرّد على انضباط الوالد العسكرى، وعلى تقاليد وأعراف وتصنيفات «الخمسة عين» وكليات القمة
وعلى استهجان المجتمع للمزيكاتى والآلاتى، وعلى ممارسة البنات للفن، ضرب بكل هذا عرض الحائط وأبدع وأمتع، تذكرت المذيعة الجميلة ذات الجمال الربانى من زمن ما قبل البوتوكس والفيلر نجوى إبراهيم وبرامج الأطفال التى صارت أطلالاً تطارد كالجمل الأجرب وتخلو منها خرائط ماسبيرو والفضائيات، تذكرت الليبى المحلق خارج السرب حميد الشاعرى
الذى صنع ثورة شبابية فى الإيقاع بعد فرقة مصريين هانى شنودة وفريق الجيتس، ومن قبلهما البلاك كوتس والبتى شاه، تذكرت جيل زمن الجوهرى ومنتخبه ونزولنا جميعاً للهتاف باسمه قبل أن نتناحر قبائل سياسية وقبل أن نصنّف مؤمنين ومؤمنين بشرطة وكفرة دون شرطة أو حتى دية!، تذكرت كل هذا يشرخنى الشجن ويذبحنى من الوريد إلى الوريد، ولكن ورغم كل هذا عندى أمل وما زلت متفائلاً بأن هذه الأرض التى أثمرت رموز الماضى قادرة على منحنا من رحمها الخصب كل ما هو أجمل.
نقلآ عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=161115&I=1954