الطائفية والسلطة... من يصنع الأزمة؟!

محمد عبده

بقلم: د.محمد عبده
أصدر السيد الرئيس قرارًا بإنشاء كنيسة جديدة للأقباط وهو علي فراش النقاهة في ألمانيا, ولأن الخجل لا يركب الطائرات فسيظل الخجل في ألمانيا حتي لا يخجل المصريون جميعًا من السلطات الإلهية للرئيس.
فمن المعروف أن أمر بناء الكنائس والصوامع والجوامع والمعابد من الله ـ سبحانه وتعالى ـ ليذكر فيها اسمه, أما أن يضيف الرئيس سلطة الأمر بإنشاء كنيسة في القرن الواحد والعشرين. علاوة على أنه إفتاء واستلاب لأمر الله وتعاليمه وآياته، كما أنه يثبت القدرة على إصدار القرارات بالتوازي. فقرار تعيين شيخ الأزهر أو بناء الكنيسة, كأنه يضرب بعرض الحائط كل ما ناضلت من أجله فئات كثيرة من المصريين حول إلغاء خانة الديانة من بطاقات الهوية وتحرير إنشاء وترميم الكنائس من تحكمات العصور العثمانية وخطهم الهمايوني.    

وإذا كنا نريد أن نعيش كمواطنين في هذا البلد ـ كما يحكم دستورنا ـ فلماذا لا يصدر الرئيس  قرارًا فوريًا بما هو مطلوب منه كرئيس دستوري لمواطنين بتعيين 7 محافظين و7 مديرين أمن و3 رؤساء جامعات من الأقباط؟ وإذا كنا نريد أن نعيش كمواطنين في هذا البلد لماذا يقف برلمان الحزب الوطني الذي يرأسه السيد الرئيس أمام قانون البناء الموحد كما لوكان ثعبانًا في كيس حاوٍ خشية أن يلقم كل ما صنعته الدولة من خدع الفتنة الطائفية وعنصري الأمة والجلسات العرفية وتبويس اللُحى على هامش حرب أهلية ساكتة تنضح بالكراهية والعنصرية، وأكثر من 160 حادثة فيها دماء وقتل وحرق بلا أحكام ولا تعويضات ولا قانون؟ هذه الكراهية من أعلى سلم الدولة حتى فارش الحصير في أي طرقة في مبنى يخدم مصالح الناس ويعج بموظفي هذه الدولة المبتذلة.

ماذا يضرني أنا المسلم أن يصلي المسيحي في كنيسة أو بيت ويحضر قس ليرتل في عزبة "بشرى الشرقية" التي بها 2000 نسمة، فأقوم بهدم البيت وحرقه مع البيوت المجاورة للمسيحيين؟ ثم يقول عضو المجلس المحلي عن عزبة بشرى أن هذا البيت لا تنفع فيه الصلاة لأنه بدون ترخيص. هل يلقنهم الأمن هذا الهراء حتى يبرر إحراق البيوت على ساكنيها؟!
وكيف أفهم أن يُعلِّق مسلم قائلاً: "يصدر أيضًا تصريح ببناء كنيسة, هي ناقصة (يقصد حسني مبارك)"!
وعندما نظرت إليه بتركيز واستغراب واندهاش، قلت له: "وما يضرك أنتَ يا أخي؟
تراجع وقال: "كل شيء في هذه البلد مُخرب, فكيلو اللحمة أصبح بستين جنية!"
هل لأن الأغلبية الكبرى يحركها إحساس بالمهانة في الوضع المعيشي العام يجعلهم ينكرون حقوق المصريين من الديانات الأخرى التي تحتاج إلى موافقة أو قرار، برغم التحريض على المنابر والفضائيات وحراسة الأمن للتجاوزات؟
ألا يوجد عاقل منا "شركة أو مؤسسة أو فرد" يُقيم مبنى ـ على ألف متر ـ بسيط واحد متساوٍ بباب كبير واحد ومن الداخل جانب له قبلة ويسميه مسجد السيدة ماريا القبطية (أم إبراهيم) والجانب الآخر بمحراب باسم سمعان الخراز, ليكون بداية تلخيص ألف عام من التاريخ القبطي؟

هذا الإقتراح ما هو إلا تطويرًا لتجربة المجتمع. ففي ورش إنتاج السجاد اليدوي بأخميم ـ والتي تديرها إحدى الجمعيات الأهلية في الصعيد ـ يقول مهندس نادر حسني: "منذ سنوات طويلة توجد حجرة واحدة في الورشة بباب واحد يدخلون إليها في جانب من الحجرة قبلة يصلي فيها العمال المسلمون, وفي الجانب الآخر محراب يصلي فيه العمال المسيحيون, ويخرجون من نفس الباب إلى العمل."
وهذه تجربة مازالت مستمرة إلى اليوم, ففي مجزر ديرب نجم للدواجن سنة 1989، حيث كنت أديره فنيًا ـ حيث أنني  دكتور بيطري ـ اخترت عشوائيًا 30 بنت للعمل على معايير السن، النظافة، الطول، وغطاء الرأس، فكانت النتيجة 15 مسلمة و15 مسيحية. ولما علم الدكتور مصطفى السعيد صاحب المجزر بذلك خصص حاوية معدنية (كونتينر حديدي) باب واحد لراحة العاملات قسمه إلى نصفين, نصف للمسلمات منهن حيث يصلين, والنصف الآخر للمسيحيات حتى يتمكن من صلاتهن.
إن المشاركة في العمل والإندماج في علاقة إنتاج وتنمية، والقيام بوظائف اقتصادية واجتماعية متساوية للمسلمين والمسيحين بإدراك وبوعي وبمسؤلية؛ هو السلاح الذي سيحطم دعاوي الفتنة، التحريض، والعنف القبيح. ونحن نقول بلسان الشاعر: "يا سافك الدم في حلوق الأبرار... ويا داعي الهلاك... أنت قبيح كالموت... أنت ضعيف كالموت أمام سيل الحياة المدرار..."