المرضى النفسيون قنبلة موقوتة في المجتمع السعودي

ميدل ايست اونلاين

أطباء نفسيون يحذرون من إهمال المرضى النفسيين بالسعودية ويدعون إلى التوسع في بناء المستشفيات النفسية.
"أب يكسر عظام ابنه" و"شاب يقتل والدته ويجرح والده" وآخر "يحرق منزله رغم وجود والديه داخل المنزل" و"رجل يقتل زوجته أثناء تحضيرها الطعام" عناوين مختلفة تنشرها صفحات الحوادث في بعض الصحف السعودية، لكن ثمة عامل مشترك بينها وهو أن جميع الجناة مرضى نفسيون.

400 ألف حالة تزور مستشفيات السعودية سنوياوتلجأ بعض الأسر السعودية إلى التكتم على حالة أبنائها الذين يعانون من مشاكل أو أمراض نفسية، وقد تلجأ بعض الأسر لحبس أبنائها أو عزلهم عن المجتمع نتيجة لاعتقاد خاطئ يفيد بأنهم سيقطعون رزق بناتهم أو أبنائهم من الزواج لخوف المجتمع من الاقتران بهم حتى لا تنتقل عدوى الأمراض النفسية أو العصبية لأحفادهم.

وتنقل صحيفة "الرياض" السعودية عن العميد يوسف القحطاني الناطق الإعلامي بشرطة المنطقة الشرقية في السعودية نفيه صحة المعلومات التي تؤكد أن أغلب الجرائم المرتكبة تعود لمرضى نفسيين.

ويؤكد القحطاني أن ادعاء بعض الجناة الإصابة بأمراض نفسية يمكن اكتشاف بطلانه بسهولة من خلال البحث عن سجلات لهم في المستشفيات النفسية أو أية تقارير صادرة عن أخصائيين نفسية تفيد بأن الجاني يعاني من مرض نفسي جعله يرتكب جريمته دون دراية.

ويدعو القحطاني بالمقابل إلى ضرورة اهتمام الأسر بذويهم المرضى لمنع وقوع أي حوادث ضد الغير، مؤكداً أن العائلة في حال عدم رعايتها لأحد أفرادها المرضى قد تتحمل بعض المسئولية عند قيامه بالتعرض للغير سواء بالإيذاء الجسدي أو اللفظي.

ويؤكد بعض أخصائيي علم النفس أن للأمراض النفسية والعقلية عوامل مختلفة غير الوراثة كتعاطي المخدرات أو التعرض لصدمات نفسية أو اجتماعية (فقد شخص عزيز أو خسارة شيء ثمين)، إضافة لظروف المعيشة التي تبدأ منذ الطفولة وتلعب دوراً مهماً في تأهيل القوة العقلية والنفسية لدى الأفراد.

ويبالغ البعض برفض عرض المريض على المتخصصين النفسيين المؤهلين لمساعدة المريض على تجاوز حالته من خلال بعض البرامج التأهيلية وبعض الوصفات الطبية.
ويؤدي هذا المنع غالبا لمضاعفات كبيرة قد تدفع المريض للقيام بسلوك عدواني في حال اجتمعت مع عوامل أخرى كالحبس وعدم التواصل مع أفراد الأسرة والمجتمع.

ويدعو الدكتور خالد منصور المريط إلى عدم تجريم المرضى النفسيين لأن ما يقومون به من أعمال عنف أو أذى تجاه أنفسهم أو غيرهم لا يحدث إلا عند عدم استقرارهم نفسياً وعقليا، مشيرة إلى أن هذه التصرفات هي جزء من أعراض المرض "بينما المجرم الحقيقي هو الذي يقوم بأعمال العنف والقتل والسلب وهو في حالة وعي كامل وبمحض إرادته".

ويطالب بضرورة سن قوانين رادعة على الأسر التي تهمل ذويها، خاصة مع توفر العديد من الجمعيات الخيرية التي بإمكانها المساعدة في تقديم معونات لرعاية من هم بحاجة لها.

ويضيف "قد تحدث مصائب كبيرة نتيجة إهمال المرضى النفسيين سواء على أنفسهم أو غيرهم وهذا ما يدعو المجتمع للتكاتف مع بعض الأُسر سواء بتقديم المساعدة للمحتاجين خصوصاً من ذوي الدخل المحدود، وهناك كثير من الأسر قد لا تقوى على دفع مصاريف الأدوية والمراجعات التي يلجأ لها البعض مع ازدحام المستشفيات الحكومية".

ويشير الأخصائي النفسي أحمد الحربي إلى أن المرضى النفسيين في أي مجتمع يمثلون نسبة عالية تصل إلى أكثر من 20% حسب دراسات منظمة الصحة العالمية، معتبرا أنها نسبة عالية بكل المقاييس الصحية وهي نتيجة لعوامل ومسببات خارجية كثيرة مثل تسارع الحياة والضغوط النفسية والاجتماعية والتفكك الأسري والاجتماعي وغيرها.

ويقول الحربي "إن هذه النسبة العالية تعتبر داعياً لتغيير نظرتنا للمريض النفسي ورفع مستوى الوعي الثقافي والصحي لدينا، فالمريض النفسي كالمريض العضوي وعندما يهمل المريض نفسه ولا يعرض حالته على الطبيب النفسي عند تعرضه لمشكلة نفسية تحيط به وتعيق تفكيره وتفاعله مع مجتمعه أو يتوقف عن تناول الأدوية لعدم صبره أو لشعوره بالإحباط وعدم الوقوف بجانبه ومساعدته من قبل أسرته لتجاوز مرضه فقد يكون خطراً على نفسه".

ويضيف "المريض الذي يعاني من اكتئاب شديد قد يؤدي به إلى الانتحار أو يشكل خطراً على المحيطين به إذا كان يعاني من بعض الأمراض العقلية الذهانية الخطيرة التي قد يصاحبها عدوانية عنيفة أحيانا وعدم استبصار بالأمور المحيطة به".

ويؤكد محمد بن عبدالله القاسم مدير مستشفى الصحة النفسية في منطقة "بريدة" أن المستشفيات النفسية مكتظة بالمرضى النفسيين، فـ"عدد المراجعين بالعيادات الخارجية في مستشفى الصحة النفسية ب"بريدة" مثلاً بين 100-200 مريض يومياً مع وجود عدد خمس عيادات نفسية بـ"القصيم"، ونسبة إشغال الأسرة تتجاوز 120بالمئة وعدد أسرّة المستشفى بعد التوسعة 145 سريراً بخلاف مراكز علاج الإدمان".

ويؤكد أن المشكلة الحقيقية تأتي من عدم تعاون بعض ذوي المرضى، حيث أن الكثير من المرضى أصبحوا مقيمين في المستشفى بصفة دائمة ولا يمكن الوصول لذويهم، إضافة لرفض بعض الأسر استلام مرضاهم الذين استقرت حالتهم، و"هناك سبب آخر مهم فعند خروج المرضى للمجتمع لا يوجد من يتولى إعطاءهم الأدوية والتي هم في أمس الحاجة إليها لكونهم غير عارفين بمرضهم".

ويقول القاسم إن مجلس الشورى في المملكة تداول مؤخراً ملف الأمراض النفسية بعد تزايد أعداد الحالات التي تراجع المستشفيات، وتبنّى مشروع نظام متكامل للصحة النفسية وأخذت المناقشات منحى تحذيرياً".

ويضيف "أكد أحد الأعضاء أن مراجعة 400 ألف حالة خلال عام يُنذر بالخطر، بينما لفت آخرون إلى أهمية ضمان حقوق المريض الوظيفية والمعيشية خلال فترات العلاج بعد ملاحظة تأثير المرض في هذه الجوانب، كما أيد أغلبية الأعضاء توصية اللجنة المطالبة بضرورة التوسع في خدمات أقسام تنويم المرضى النفسيين في المستشفيات الطبية العامة والخاصة وزيادة طاقتها الاستيعابية لكثرة الأمراض النفسية في المجتمع".

ويردّ القاسم وجود عدد كبير من المرضى النفسيين في المجتمع السعودي إلى المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وظروف الحياة العملية و"هو أمر يتطلب وجود تسهيلات إضافية وفتح مجالات للنظر في إمكانية التوسع في الخدمات العلاجية لتلك الحالات".

ويدعو وزارة الصحة السعودية أن تعمل على زيادة عدد الأطباء والأخصائيين النفسيين في مستشفياتها كي يستطيعون مساعدة هؤلاء المرضى، فضلا عن التوسع في إنشاء مستشفيات الصحة النفسية في جميع المناطق بالسعودية.
ويؤكد الأخصائي النفسي أحمد الحربي الحاجة الماسة لتوعية المجتمع بالأمراض النفسية والعقلية "فالجهل بهذه الأمراض سائد حتى عند بعض الطبقات المتعلمة والمثقفة".

ويقترح أن تأخذ الأسر بعض الإرشادات والمعلومات عن كيفية التعامل مع المريض النفسي وكيفية مساعدته على تجاوز مشكلته وتفعيل دور وسائل الإعلام التي لها دور مهم وبارز في توعية الناس عن ماهية الأمراض النفسية والعقلية".

ويضيف إن "تثقيف الأهل والأقارب عن المرض النفسي وعن العلاج وعن الأدوية النفسية وأهميتها وأنها أدوية عادية في معظمها لا تقود إلى الإدمان وليست مُخدرات كما يعتقد البعض، هو أمر مهم، فمن الأهمية علاج هؤلاء المرضى النفسيين في المستشفيات والأقسام النفسية بدلاً من اللجوء إلى المُعالجين الشعبيين الذين قد يُلحقون ضرراً بالمريض ولا يُقدمون أي علاج، بل ربما زادوا المرض سوءاً".