ماجد سمير
بقلم: ماجد سمير
"ياريتني جدو" سمعتُ هذه العبارة المُعبَّرة عن تمني طفل لا يتعدى عمره الخامسة عشر, وهو يحمل كمًا من الأوراق والأبحاث بحرصٍ شديدٍ، ومنها مستند حصوله على منحة دراسية بجامعة النيل جزاء بحثه المميز، وكذلك ما يُفيد سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية قريبًا لتمثيل مصر في مسابقة علمية عالمية. "ياريتني جدو" هذه العبارة لا تعني أن الشاب الصغير يريد أن يُصبح له حفيد في الوقت الحالي؛ وإنما يقارن نفسه بلاعب مصر الدولي "جدو" وما حظى به من اهتمام أجهزة الدولة من كبيرها لصغيرها بعد كأس الأمم الأفريقية الأخير.
يرى الصغير ـ وله كل الحق ـ أنه حقق شئيًا عظيمًا وأن بحثه العلمي كان يجب ـ من وجهة نظره ـ أن يحظى باهتمامٍ أكثر من قِبل الدولة بعد إنجازه الكبير هو وزملائه.
بعد تعبير ذلك الفتى اليافع, تذكرت جملة "عادل إمام" الشهيرة "العلم لا يكيل إلا بالبذنجان"، التي قالها "بهجت الأباصيري" في مسرحية "مدرسة المشاغبين" لمدرسته الحسناء "عفت عبد الكريم" معلقًا على رأيها الإيجابي في العلم. لقد لخَّص فنان الشعب "عادل إمام" ـ بمنتهى البساطة خلال دوره الرائع في المسرحية الخالدة ـ وضع العلم والعلماء في مصر، وانتفض صدره بشدة معلنًا عن خروج "زغوتة" قوية من أعماق رئتيه ـ بعد إلقائه للجملة ـ تأثرًا بالسبرتو الذي قام بشرائه زميله في فصل المشاغبين في المدرسة, مُبديًا اعتراضه الشديد على إصرار الشلة الدائم على تعاطي السبرتو قائلاً: "مُش قلت لك جيب جاز، جبت سبرتو ليه؟! فأجاب "لطفي" ـ الذي قام بدروه الفنان الرائع "هادي الجيار" ـ بلغة الفاهم: "السبرتو مُطهِّر".
العلاقة بين البذنجان والعلم لها أصول وجذور تاريخية عميقة، وقد أدركها الزعيم بسرعة أولاً؛ كُتب العلم تُباع بالكيلو لأقرب مقلة لب وكذلك البذنجان يباع عند الخضري بالكيلو، وأيضًا البذنجان ومناهج التعليم يتم حشوهما وإن اختلفت خامات الحشو؛ فالأول بالأرز والخلطة والثانية بخلطة لا يعلم مصدرها إلا الله عز وجل. كما أن المدرسة والبذنجان يجعلان الإنسان "يجيب جاز"؛ فالأولى بعد يوم دراسي طويل يعود التلميذ لمنزله في شبة غيبوبة، والثاني عقب تناول وجبة بذنجان غالبًا الإنسان "بيجيب جاز" ويفصل.
وبعد حضوري ـ مؤخرًا ـ تسليم جوائز الأبحاث العلمية التي قدمَّها طلبة المرحلة الثانوية من عدة محافظات في مدينة مبارك العلمية بالسادس من أكتوبر وهذه الإحتفالية نظمتها المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوﭽيا بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، رأيت أن هناك عيون عبقرية تحمل لمصر أملاً نحو مستقبل أفضل وأروع؛ فمنهم من سجَّل لبحثه براءة اختراع, نجح من خلاله في التوصل لحل لمشكلة ثقب الأوزون، وأيضًا الطالبة التي صممت برنامج على الكمبيوتر ينجح في التواصل بين الكفيف والأصم عن طريق تحويل إشارات الصم والبكم إلى كلمات والكلمات إلى إشارات، وعدد لا يُحصى من الأبحاث الكافية لنقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة لأن العلم هو الحل. والغريب هو عدم تواجد مسئول واحد حتى ولو كان رئيس الحي أو كونستابل المنطقة؛ لأن الشباب الصغير لم يكن بينهم "جدو" أو "أبو تريكة " أو "المعلم حسن"، هؤلاء فقط الذين يحظون بمقابلة ومباركة الحكومة، كلهم "بربطة المعلم" يجلسون في استاد القاهرة يتابعون المباراة بشغف شديد كأن نتيجتها ستتسبب في استقرار الحكم في مصر. فأدركت ـ بدون "زغوته" أو تناول جاز أو "سبرتو" لأنه مطهر ـ أن العلم فعلاً لا يكيل إلا بالبذنجان.
http://www.copts-united.com/article.php?A=15693&I=391