المرأة العربية ستتحرر غصبا عن "التخين" فيكم

بقلم: سامي البحيري

أيها القارئ العزيز لا يحق لك أن تغضب من عنوان هذا المقال، اللهم إلا إذا كنت من أعداء تحرير المرأة وكنت "تخينا" فى الوقت نفسه، فى هذه الحالة فقط فمن حقك أن تغضب!
جلس بجوارى لاصقا جسمه بجسمى على الكراسى الضيقة فقد كان ضخم الجثة عريض المنكبين (شلولخ – على رأى عادل إمام)، وينتشر الزبيب فى جبهته العريضة وتنمو لحيته فى كل إتجاه بدون ضابط أو رابط، وعندما بدأت الطائرة الهيلوكوبتر تحرك محركها أخذ يتلو "دعاء السفر" (سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون) وفجأة نظر إلى قائد الطائرة فزاد من سرعة بسملته وحوقلته وأخذ يردد بصوت عال (إنا إلى ربنا لمنقلبون) و حدث ذلك عندما تيقن لأول مرة أن الطائرة تقودها فتاة!! ويبدو من شكلها ولهجتها أنها فتاة باكستانية ببشرتها السمراء المميزة والشعر الأسود الفاحم الناعم وملامح قائد طائرة بأربع شرائط على كتفيها وجلس بجوارها مساعدها شاب طيار خليجى وعلى كتفيه شريطين وكانت تعطيه التوجيهات أثناء الرحلة القصيرة التى أخذتنا لزيارة أحد آبار البترول فى الخليج (الفارسى) حيث كنا فى زيارة عمل تتعلق ببعض الإنشاءات البترولية. وسعدت بالزيارة، وأكثر ما أسعدنى فى تلك الزيارة هو فرحتى بتلك الفتاة الباكستانية الشابة الجميلة قائدة الطائرة.

"كلما أرى أمرأة تمشى أرى الحياة تسير على قدمين" جاءت العبارة فى رواية لنجيب محفوظ، أعتقد أنها رواية خان الخليلى او زقاق المدق (لا أذكر بالضبط)، وظلت هذه العبارة ترن فى إذنى منذ أن قرأت الرواية فى مستقبل شبابى، والمعنى أن نجيب محفوظ ينظر للمرأة بإعتبارها الحياة لأنها تحمل الحياة من جهة ولأنها مصدر إلهام الرجل ومصدر الحب وليس الجنس فقط، والجنس شئ جميل لكل من جربه مع المرأة التى يحبها وشئ جميل أيضا للمرأة التى جربته مع من تحب، محاولة فصل الجنس عن الحب هو محاولة خائبة لأن بدون جنس سيختفى عنصر الإنسان من على الأرض فى خلال أقل من قرن. ومحاولة كبت المرأة وفصل المرأة عن الرجل وحبسها فى البيت هى محاولة ظالمة ليس للمرأة فقط ولكن فيها ظلم للرجل وللمجتمع ككل، وهى محاولة مصيرها الفشل لأن كل مجتمع يجب أن يسير على قدمين، وحجب المرأة سيخلق مجتمعا أعرج يسير على قدم واحدة
...
ومع إنتشار الحجاب والنقاب وما صاحبهما من إنتشار للمظاهر الدينية من لحية إلى زبيب إلى جلباب إلى حجاب إلى نقاب إلى إرهاب، إعتقد الكثيرون (وأنا منهم) بأن الدولة الدكتاتورية الدينية قادمة لا محالة، ولكن هناك نواح إيجابية كثيرة حولنا حول الحرية المرأة: ففى مصر صدر قانون الخلع من عدة سنوات والذى يسمح للمرأة بأن تطلق زوجها عن طريق المحكمة، ومؤخرا قضت المحكمة الدستورية العليا بأن الدستور المصرى لا يفرق بين الرجل والمرأة فى التعيين فى منصب القاضى، وفى الكويت دخلت المرأة الكويتية البرلمان رغم أنف السلفيين، وفى العراق هناك الكوتة التى تضمن للمرأة عدد كبير من المقاعد (يصل إلى %25)، وفى السعودية شاهدت البنات السعوديات يتعلمن ويعملن ويرفضن الجلوس بالبيت وذلك رغم معارضة المتطرفين، ومؤخرا فصل الملك عبد الله بن عبد العزيز أحد مشايخ هيئة كبار العلماء لإنتقاده الإختلاط بين الشاب والفتاة فى جامعة الملك عبد الله التى إفتتحها بنفسه هذا العام، وهاهى الشيخة موزة المسند فى قطر تقود نهضة تعليمية وصحية هائلة، ورأينا حركة فى اليمن ضد زواج البنات القاصرات وذهبت الطفلة (نجود) إلى المحكمة فى صنعاء وحصلت على الطلاق من زوجها بقرار المحكمة، المرأة خرجت من البيت وتعلمت وتعمل مثلها مثل الرجل (وأحيانا أفضل منه) ولن تعود جارية بعد اليوم.
...
أفتقد والدتى رحمها الله والتى توفاها الله من 15 سنة، ولم تدخل فى حياتها أى مدرسة ولكن كل حفيداتها بدون إستثناء ذهبن إلى الجامعة وتخرجن وعملن فى مختلف المهن من مهندسة إلى طبيبة إلى محاسبة إلى إستاذة فى الجامعة إلى سيدة أعمال كل هذا فى أقل من أربعين سنة، لذلك يجب علينا أن نتفائل بمستقبل المرأة وبالتالى نتفاءل بمستقبل بلادنا.
...
"إلى أن ترفع ظلمك عنى فكل شئ تفكر فيه سوف يفشل". هذه العبارة الرائعة جاءت على لسان (سيلى جونسون) فى فيلم (اللون القرمزى) والتى قامت بدورها الممثلة الموهوبة (ووبى جولدبرج) وفى الفيلم مثلت دور فتاة فقيرة دميمة زوجها أبوها لأول رجل جاء لخطبتها لكى يتخلص منها، وكان زوجها (ألبرت) وقام بدوره (دانى جلوفر) قد أخذها وعاملها كأنها جاريته وأسوأ، وكان يحضر معشوقته للبيت ويطلب من زوجته العناية بها كما حاول أن يغتصب أختها عندما حاولت زيارتهم، وأخيرا فاض بها الكيل وقررت أن تتحرر من عبوديته وقالت له هذه العبارة الجميلة قبل أن تغادر المنزل، وبعد أن غادرت المنزل وقع السيد ألبرت فى حيص بيص ووجد نفسه ضائعا لأول مرة بدون زوجته الجارية، والفيلم من إخراج مخرج الروائع (ستيفين سبيلبرج) عام 1985 وتم ترشيحه ل 11 جائزة أوسكار، وجملة (سيلى جونسون) ممكن أن تكررها أى فئة مظلومة من الناس سواء كانت أمرأة أوطفلا أو أى شخص آخر فإلى كل المظلومين قولوها لظالميكم مرة أخرى: "إلى أن ترفع ظلمك عنى فكل شئ تفكر فيه سوف يفشل".
... بمناسبة عيد الأم أقول إلى كل أم:"كل سنة وأنت طيبة"

samybehiri@aol.com
نقلا عن ايلاف

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع