اعتذار

بقلم: نادين البدير

أنا أعتذر.. لامرأة قتلت نفسها
سلخت جلدها ولم تكتف، بل شرعت تطعن الأخريات
أعتذر لك وأقدم التبريكات، فنجاح حفل انتحارك قد فاق التصورات
لن أحضر الجنازة، فاعذرينى يا ابنة فرسان الاستقلال
ولا تنتظرينى. فلن أبرر تغيبى وابتعادى عن حفلة العزاء
إذ لست بهاوية للمهرجانات
ولا تدركنى النشوة فى حفلات هدر الدماء وتفتيت الأفكار
ولا أستمتع بطقوس ذبح القرابين من قطعان الحريم والأغنام
...

اعذرينى لن أشاركك فرحة تقطيعك للأوصال
لكنى سأكتب للعالم عن نبأ موتك الاختيارى وانتقامك من الذات
سأروى كيف كانت جثتك جسدا نضرا فسحلتيه بين الشوارع والبيوتات
أنت سحلتيه. جميعنا نتذكر وجهك العبوس ليلة الاستقلال
ثم فى الركن الوضيع رميته، فوق ركام الحطب والنيران
ماذا بقى منك سوى الصوت المحترق والرائحة النتنة؟
...

أعتذر
حياتك المظلمة ما عادت تقلقنى
ما عدت أحزن، فكما تصرحين للجميع فى الندوات والمؤتمرات
أنت امرأة تحيا الكمال بحماية الرجل فلان ووصاية الرجل علان
لكنى أطلب منك ألا تختصرى آهات الأخريات أو تحرقى أصواتهن
لا، لست أرجوك بل أحذرك
امرأة تطعن نفسها بيديها
تبيح كل المحرمات بحق فكرها وجسدها
تقول نعم لكل الأوامر والرغبات
تنتهك شرفها، تلوث أنسجتها، وتطفئ فى النهاية الشموع احتفالاً بانتهاك حق سيادتها
تلك المرأة التى أقدم اعتذارى لها وأسفى عليها
ترسل لى الرسائل يوما تلو الآخر
تلومنى تارة، وتارة تتوسلنى، ثم تشتمنى وتأمرنى بنبرة عبد يجهد بتصنع لهجة الأسياد
تطلب أن أتوقف
ففى الأمر تهديد كبير لأسباب راحتها
ولرخائها الذى بسطته الأعراف والشروحات
فى الأمر بشاعة لا أدركها
...

مازلت أذكر اليوم الذى أتتنى تتوسل أن أكتب عنها
كانت تحمل بين يديها ملفات متراكمة لقضايا لا تقبل التأجيل
كانت تحلم بأن تكون ناشطة فى حقوق النساء
وتطلب عهدى بألا أحيل مآسيها للأرفف والنفايات
مازلت أذكر تلك الدموع وذلك الوجه المكفهر المحموم
كان مليئا باللكمات والندبات
...

اليوم استيقظت باكرة وهرعت إلى ساحة الدفاع
ماذا تفعلين عند المدخل؟ أجدك تقودين تظاهرة
حولك تجمهرت مجموعة من النساء. متخفيات مثلك تحت البرقع واللثام
من أين لك هذا اللثام؟ هل خاطته جماعتك أم صنعه نفاقك وخوفك المجنون؟
أتخشين أن تبرزى جسدك فيفضح آثار كفرك الحقيقى بالقيم والأخلاق
فجأة رفعتِ بوجهى لافتة كراهية تكفرنى وتتوعد لى
ولافتة أخرى كتب عليها
(نستنكر حق السيادة ونرفض المساواة)
من أنت؟
وكأنى أسير بحلم رخيص

بالأمس تبكين الظلم
واليوم أراك تطالبين برأسي
ماذا حدث لحزنك؟
بما قايضوك؟ وكم دفعوا لك؟
كم تساوين فى دنيا السياسة ولعبة الإصلاح؟
ودموعك. تبدو، تماماً، كدموع عاهرة تتساقط ثم تتوقف وفقاً للغايات والاستراتيجيات
وتبقى معالم الوجه واحدة فى الحالتين
تبقى الدموع رخيصة
كله سيان بدنيا القاتلات

...
لك أعتذر
لن أحكى عنك بعد اليوم. فلا تظنى أنى أقصدك بعد اليوم
أنا سأحكى عن أخريات كرامتهن أغلى من ربيع انتصاراتك
أخريات يعشن تحت النار ولا يقايضن الحلم
برقعك الأسود مدعاة للشك لا حجة لليقين. أنسجته مليئة بأنفاس اختلطت يوم الذبح برائحة الأغنام والقرابين
ما أنت سوى أنثى تقف مع الأشرار
امرأة تقايض فكرها
نموذج جديد لبائعات الهوى فى ليل القرن الواحد والعشرين.
albdairnadine@hotmail.com

نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع