المحبة الضارة

بقلم: البابا شنودة الثالث

علي الرغم من أن المحبة فضيلة كبري‏,‏ إلا أنه توجد محبة ضارة‏.‏ ولعل من أسباب المحبة الضارة‏,‏ أن تكون بغير حكمة‏,‏ أو بعيدة عن الروحيات‏,‏ او تتصف بالذاتية‏,‏ أو تتعارض مع وصايا الله‏.‏ 
 وسنتكلم في هذا المقال عن أنواع من هذه المحبة الضارة‏.‏ لايستطيع احد منا ان ينكر محبة الأم‏,‏ حتي انه يضرب بها المثل في الحنان وفي عمق المحبة‏.‏ ومع ذلك يمكن ان أما تحب ابنها بطريقة ضارة‏.‏ ومن أمثلة ذلك تدخلها في زواج ابنها وبعد زواجه‏.‏ هذا مع الابن ومع الابنة‏:‏ إما في الاسراع بالتزويج قبل النضوج او قبل التوافق‏..‏ او اختيار زوج تظن فيه الام انه صالح لابنتها‏,‏ فتدفعها الي الزواج به دفعا‏,‏ ويكون في ذلك ضرر لها طول الحياة‏..‏ ومن المحبة الضارة ان تتدخل الام في الحياة الزوجية لابنها‏.‏ وهي تظن انها تفعل ذلك إشفاقا عليه‏,‏ بينما تحطم حياته الزوجية‏.‏
ومن أساليب المحبة الضارة‏,‏ المديح الضار‏,‏ الذي يقود احيانا الي الغرور‏,‏ وإلي حسد الآخرين ومتاعبهم‏.‏ وإعلان ذلك المديح يكون بغير حكمة‏.‏
ويماثل المديح الخاطئ في ضرره‏,‏ الدفاع عن الأخطاء بدافع من الحب الخاطئ‏.‏
هذا الدفاع يجعل المخطئ يثبت في أخطائه‏,‏ وقد يؤدي ذلك الي هلاكه‏.‏ ولاشك ان مبرئ المذنب هو مثل مذنب البريء‏,‏ في ان كليهما ضد الحق‏.‏
وقد يحدث الدفاع عن الاخطاء في جو الاسرة والأصدقاء‏,‏ او في تملق الملوك والزعماء‏,‏ او في مجال المخطئين دينيا‏.‏ إنها محبة خاطئة‏,‏ بل محبة ضارة‏.‏ سواء كانت عن ثقة واقتناع‏,‏ او عن تملق رخيص‏.‏
ومن ألوان المحبة الخاطئة تسهيل الشر‏.‏ مثال ذلك طالب يقوم بتغشيش زميله في الامتحان بدافع من الشفقة والمحبة‏!‏ أو طبيب يكتب شهادة مرضية وهمية‏....!‏ أو صديق يشهد شهادة زور تأييدا لصديقه‏.‏ أو محاسب يساعد ممولا علي اختلاس حقوق الدولة في الضرائب‏.‏ أو استاذ باسم الرحمة او المحبة يخفض المقرر لتلاميذه‏,‏ ويقدم لهم في الامتحان أسئلة تافهة لكي ينجحوا ولم ينالوا من العلم شيئا‏.‏
وينضم الي هذا البند ايضا النصح الخاطئ‏.‏
ومن أمثلة المحبة الضارة‏,‏ أن ابا يحب ابنا له اكثر من بقية ابنائه‏.‏ فيثير فيهم عن عوامل الحسد ضد أخيه‏.‏ ومن أمثلته ايضا الذي يتزوج امرأتين‏,‏ ولا يكون عادلا بينهما في المحبة‏.‏
ومن ألوان المحبة الضارة الاستحواذ‏..‏ اي المحبة التي تحبس محبوبها في حيزها الخاص‏.‏ كالأم التي تمنع ابنها من سفر بعيد يفيده جدا‏,‏ لأنها تريده الي جوارها وبهذا تضره وتضيع مستقبله بسبب محبتها الضارة‏.‏ وكثيرا ماتحدث أمثال هذه المشاكل في محيط الحياة الزوجية او الحياة العائلية بصفة عامة‏.‏ مثل الزوج الذي تدعوه أنانيته في محبته الي التضييق علي زوجته في الدخول والخروج‏,‏ وفي الكلام وفي الابتسام‏,‏ وفي الزيارات وفي اللقاءات‏.‏ كمن يحبس عصفورا في قفص‏,‏ ويمنعه من الطيران‏,‏ ليصير له وحده‏,‏ ويغني العصفور له وحده‏!‏ ولاتهمه حرية العصفور في شيء‏.‏ وفي تضييق الرجل علي امرأته بسبب محبته الانانية لها‏,‏ يجمع الرجل بين نقيضين‏:‏ الحب والقسوة‏!!‏
ونفس الوضع بالنسبة الي الزوجة التي تضر رجلها بمحبتها‏,‏ فتضيق عليه الخناق ايضا‏.‏
وتكثر من أسئلتها وتحقيقاتها حول مواعيده ومقابلاته وعلاقاته‏,‏ بطريقة تصيبه بالضجر والضيق النفسي‏.‏ وتصيبها هي بالشك والقلق والخوف‏..‏ وكل ذلك باسم الحب‏!!‏ ومحبة الاستحواز قد توجد ايضا في محيط الاصدقاء‏.‏ فباسم المحبة يريد الشخص من صديقه ان يتحيز له‏,‏ فيصادق من يصادقه ويعادي من يعاديه‏.‏ وهكذا يضره من جهة علاقاته ومن جهة روحياته‏...‏ وأحيانا يضيع وقت هذا الذي يحبه‏.‏ وباسم المحبة اذ يشغل وقته‏,‏ كثيرا مايؤثر ذلك علي دراسته او عمله فيضره‏!‏
ومن المحبة الضارة‏,‏ أنها تتركز احيانا في الجسد‏,‏ وتتحول الي شهوة‏.‏ وللأسف قد يسميها البعض حبا بينما هي شهوة‏,‏ تضر نفسها‏,‏ وتضر من تحبه ايضا‏.‏ سواء الضرر الروحي‏,‏ أو ما يصاحبه من أضرار اخري‏.‏ ومن المحبة الضارة المحبة التي تشفق علي الجسد وتضر الروح‏.‏ كأم تشفق علي ابنها‏,‏ وتمنعه من الصوم حرصا علي صحة جسده‏.‏ ومن مظاهر المحبة الخاطئة التدليل‏.‏ وفيه الشفقة الزائدة والانفاق الزائد علي الحاجة وتقديم انواع المتع العديدة‏.‏ وعدم فرض عقوبة مهما كان الذنب‏.‏ او تكون العقوبة نوعا من التوبيخ الهادئ جدا الذي لايمكن ان يروع احدا فيستمر الخطأ‏.‏
ومن ألوان المحبة الضارة‏,‏ محبة المريض لما يزيد مرضه كمريض بالسكر يحب الحلويات‏,‏ او مريض بالكوليسترول يحب الدهنيات‏.‏ أو شخص يحب المخدرات ولايقدر علي الامتناع عنها وكل هذا يضره‏.‏ وكل من هؤلاء يضر نفسه دون ان يضره غيره‏..‏
وبالمثل شخص لمحبته الخاطئة لنفسه يكثر من الافتخار ومديح نفسه بطريقة تنفر الناس منه‏..‏ او انسان بخيل يحب المال ويكنزه وينمي رصيده‏,‏ بأسلوب يبخل به علي نفسه وعلي المحيطين به‏,‏ فيضر نفسه ويضرهم‏.‏
وهناك محبة اخري للمرضي تضرهم‏.‏ كأن يزورهم شخص يحبهم‏,‏ فيبقي الي جوارهم مدة طويلة يتحدث إليهم‏.‏ وهم صحيا في حاجة الي الراحة‏.‏ وبكلامه معهم لايعطيهم فرصة للاتصال بالله أثناء مرضهم‏.‏ أو من المحبة للمريض‏,‏ خداعه في نوع مرضه‏.‏ فلا يهتم بأبديته ومايلزمه من التوبة‏.‏ او بتقديم متع للمريض أثناء مرضه يمكن أن تضره‏.‏
وربما إنسان يحب شخصا فيضيع سمعته‏.
نقلاً عن الأهرام

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع