طلعت الصفدي
بقلم: طلعت الصفدي
تابعت جماهيرنا الفلسطينية والعربية بقلق حذر وبأمل كبير جلسات الحوار الوطني الشامل التي عقدت في القاهرة في جولته الثانية في العاشر من مارس عام 2009، وشارك فيها أكثر من 120 قائداً ومسئولاً ينتمون لكل التيارات السياسية الفلسطينية، توزعت في اللجان الخمس المختلفة سواء لجنة الحكومة، الإنتخابات، منظمة التحرير الفلسطينية، الأمن، والمصالحة، وقد وفرت جمهورية مصر العربية كل إمكانياتها السياسية والمعنوية والمادية لإنجاحه مدعومة من جامعة الدول العربية والأصدقاء في العالم، بهدف التوصل لإنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ورفع الحصار وإعادة إعمار ما دمرته الحرب العدوانية الأخيرة على غزة، ووضع النظام السياسي الفلسطيني على سكته الوطنية، على طريق مواجهة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية وخصوصاً بعد تشكيل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل التي ترفض حل الدولتين، ولا تعترف بالإتفاقات التي وقعتها الحكومات السابقة برغم تنكرها لها، وتميل إلى طرح حلول إقتصادية بديلاً عن الحلول السياسية التي تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وخفض توقعات الفلسطينيين إلى حكم ذاتي فقط، لكنها فوجئت بالنتائج المتواضعة التي حققتها اللجان المختلفة، وعجزت اللجنة العليا للحوار عن الإتفاق على كافة القضايا العالقة، وبتوقف عملها إلى مرحلة لاحقة حتى تعود كل الوفود المشاركة إلى مرجعياتها (أغلبية الوفود لم تتوقف جولاتها للحظة واحدة بالإتصال فيما يعنيه الأمر!!).
وكانت إحدى النقاط الساخنة ملف الإنتخابات حيث لم يتوصل المتحاورون في لجنة الإنتخابات إلى الإتفاق على القانون الإنتخابي على الرغم من توافق الجميع على إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني قبل 25/1/2010.
إن كافة الوفود التي شاركت في الحوار قد وافقت على قاعدة التمثيل النسبي الكامل وهى (حركة فتح، حركة الجهاد الإسلامي، حزب الشعب الفلسطيني، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية، الإتحاد الديمقراطي فدا، الجبهة العربية الفلسطينية، جبهة تحرير فلسطين، جبهة التحرير العربية، الجبهة الشعبية القيادة العامة، الصاعقة، المبادرة الوطنية، والمستقلون)، وكانت الجهة الوحيدة التي لم توافق على قاعدة التمثيل النسبي هي حركة حماس، مما دفع نائب مدير المخابرات اللواء محمد القناوي للقول لقادة حماس أن أغلبية الوفود مع التمثيل النسبي الكامل فلماذا تريدون أن تكونوا خارج التوافق؟؟؟
وكان موقف حماس بالمقابل في حال فتح بطن القانون الإنتخابي الأخير فإنها ستطالب بالعودة إما إلى الدوائر أو تبقى على قاعدة النظام المختلط كما هي أي مناصفة 50% على قاعدة التمثيل النسبي و50% على قاعدة الدوائر، ويتساءل المواطن الذي دفع ثمن التناحرات الداخلية بين أبناء الشعب الواحد وتعطلت حياته الإجتماعية والاقتصادية، لماذا وافقت حركة حماس على إجراء الإنتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، وترفض في نفس الوقت إجراء الإنتخابات للمجلس التشريعي على نفس القاعدة؟؟!!
لقد عرف العالم ثلاثة أنظمة إنتخابية:
الأول نظام الأغلبية ويعتبر من أقدم النظم الإنتخابية، وخلاصته أن من يحصل في الإنتخابات على أعلى عدد من أصوات الناخبين يعتبر فائزاً، ولقد جربناه في الإنتخابات الأولى للمجلس التشريعي عام 1996، وشابهه العديد من التجاوزات وعمليات التزوير وذلك باعتراف لجان المراقبة الدولية على هذه الإنتخابات، وكانت نتيجته سيطرة حركة فتح كقوة وحيدة على هذا المجلس، وغابت القوى السياسية الأخرى لأسباب ومواقف سياسية، وساد التفرد باتخاذ القرارات السياسية واللإجتماعية...إلخ.
والثاني النظام المختلط، وفيه يتم إنتخاب عدد من المقاعد بناء على صيغة الأغلبية والدوائر الفردية مجتمعة، فيما يتم إنتخاب العدد الباقي من المقاعد وفق التمثيل النسبي، ولقد جربناه في إنتخابات يناير 2006 وأدى إلى تفرد قوتين وحيدتين في المجلس التشريعي هما حركة فتح وحركة حماس وتعمق الخلاف بينهما بسبب اختلاف البرامج والرؤى السياسية والمجتمعية، وتصاعدت حدة التوتر بينهما كانت نتيجته تعطيل لدور المجلس التشريعي، وشلل فعاليته سواء في اتخاذ القرارات التشريعية أو في عملية مراقبة السلطة التنفيذية، وغاب المجلس عن الحياة التشريعية آل في نهاية المطاف إلى حالة من الإنقسام.
أما النموذج الإنتخابي الثالث فهو التمثيل النسبي الكامل الذي يعتبر الوطن دائرة واحدة، وتحصل القائمة على مقاعد يتناسب مع حجم ونسبة أصواتها الإنتخابية، ويعتبر هذا النموذج الأكثر عدلاً من عداها خصوصاً أن لدى الحركة الوطنية الفلسطينية وخصوصاً الطلابية، تجارب ناجحة باعتماد التمثيل النسبي الكامل في جامعات الضفة الغربية.
فلماذا تتمسك القوى السياسية بالنظام النسبي الكامل؟؟
1- الشعب الفلسطيني يعيش مرحلة التحرر الوطني، وعليه أن يواجه العدوان اللإسرائيلس بكل قواه وأحزابه السياسية والمجتمعية، والتمثيل النسبي الكامل يسمح بتمثيل كل القوى والأحزاب السياسية في البرلمان، ويمنع احتكار حزب أو حزبين بمعظم المقاعد، مما يسمح للقوى السياسية المختلفة بغض النظر عن حجمها من المشاركة في اتخاذ القرارات الهامة، وإصدار قوانين التشريع التي تمس حياة المواطن، كما تعزز الرقابة على السلطة التنفيذية.
2- يحد من تأثير الولاءات العشائرية والقبلية والجمهوية والمحلية الضيقة على حساب القضايا الوطنية الأشمل، ويسحب منها إمكانية التأثير على نتائج الإنتخابات، مما يحفز المواطن للمشاركة في الإنتخابات على أسس برنامجية، ويسمح بتفاعل أرقى مع قضايا الوطن والشعب والقضية، ويعزز الانتماء، ويخلق حالة من الجدل والحوار والنقاش حول كافة القضايا سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ويصبح المواطن المحور الأساس أمام الكتل الإنتخابية وفي التنافس فيما بينها في الدفاع عن مصالحه.
3- يسمح بالضغط على الأحزاب وقوائمها الحزبية من تمثيل المرأة باعتبارها جزءاً هاماً في المجتمع، ويفتح لها آفاق المشاركة في الحياة السياسية والإجتماعية، ويعزز دورها ويعمل على تحسين فرصها في النجاح على أساس البرنامج، وليس على أساس النوع الإجتماعي.
4- يلعب دوراً هاماً في بناء الائتلاف الوطني على أسس ديمقراطية حقيقية، ويكرس مفهوم الديمقراطية السياسية والإجتماعية باعتبارها أداة لتطوير المجتمع، وتفعيل طاقاته.
5- إن اعتبار الوطن الفلسطيني في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة دائرة إنتخابية واحدة يعزز الوحدة السياسية والجغرافية والقانونية في مواجهة عمليات فصل غزة عن الضفة الغربية، وفصل القدس عن الضفة الغربية ومحيطها الفلسطيني، ولا يكرس عملية فصل غزة عن الضفة الغربية التي يسعى إليها الإحتلال الإسرائيلي.
6- يعطي النموذج القادر على بناء دولة ديمقراطية عصرية بالإنسجام مع سمة الشعب الفلسطيني المتجانسة قومياُ وثقافياُ، ويسمح بتكوين تراث ديموقراطي حقيقي يعزز مبدأ التعددية السياسية وتداول السلطة واحترام نتائج العملية الإنتخابية، كما يسمح بتشكل معارضة بناءة تعمل على تصحيح الأخطاء بشكل نقدي، ولا يسمح بتكرار التجربة الأخيرة التي تشكل تاريخاً أسوداً في تاريخ الشعب الفلسطيني.
7- يسمح قانون التمثيل النسبي لملء الفراغ الناتج عن الإعتقالات لأعضاء المجلس التشريعي بهدف تعطيل عمله، باستبدال آخرين من نفس القائمة يضمن استمرار عمل المجلس، دون الخوف أو استخدام قضية التوكيلات.
8- إن عدد المشاركين في الإنتخابات على قاعدة النظام النسبي الكامل يفوق عددهم في الإنتخابات على نظام الأغلبية وكذلك النظام المختلط، وهذا يدلل على إن هذا النظام الإنتخابي هو الأنجع والأكثر تأثيراً في الساحة السياسية والإجتماعية.
والجدير بالذكر فإن هناك في العالم أكثر من 67 دولة تعتمد الإنتخابات البرلمانية على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، وتجرى الإنتخابات وفق نظام القوائم الحزبية أو غير الحزبية، بما فيها الدول الإسكندنافية وبعض دول أوروبا وكذلك جنوب أفريقيا، وبعض دول أميركا اللاتينية، كما يجرى اعتماده في أندونيسيا أكبر الدول الإسلامية.
كما أن نسبة الأصوات الضائعة وفق هذا النظام لا تزيد عن 15%، وتتحدد في هذه الدول نسبة الحسم لضمان أوسع مشاركة حزبية، وفي حالتنا الفلسطينية ومع استمرار الإحتلال الإسرائيلي، ولا زال شعبنا وقواه السياسية المختلفة في مرحلة التحرر الوطني وتداخلها مع التحرر الإجتماعي فإن هذا يتطلب اعتماد نظام التمثيل النسبي الكامل وبنسبة حسم لا تتجاوز 1.5 %، لضمان استمرارية العملية الديمقراطية، والحفاظ على النظام السياسي الفلسطيني، والسماح لاستيعاب العديد من الأحزاب التاريخية والتي كان لها دور في النضال الوطني، وإفساح المجال لأوسع مشاركة للمواطنين أصحاب المصلحة الحقيقية في إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين لديارهم طبقا للقرار 194، وبناء المجتمع الديمقراطي، العلماني، وحمايته من الزلازل والعواصف التي تهدد الوجود الفلسطيني على أرضه، ومن يدعي أنه يملك الجماهير ولديه قاعدة شعبية فإنه لا يخاف من معركة الإنتخابات وعليه أن يكون على مستوى المسؤولية والتحديات التي تواجه شعبنا وقضيته الوطنية.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1529&I=41