بقلم: تركي الدخيل
"ليتني بقرة في سويسرا"!، هذه الجملة تعليق من إحدى الفتيات على مقالي أمس عن "محامي البقر" في سويسرا. صحيح أن العبارة جاءت كشكل من أشكال المبالغة والسخرية في آن واحد، لكنها انعكاس لا يمكننا أن نغفل عنه.
تذكرت وأنا أقرأ الأمنية البقرية، ما كتبه الأدباء عن سويسرا، هذا البلد العجيب... تذكرت مقولة فيكتور هيجو الشهيرة: "سويسرا تحلب بقرتها وتعيش في سلام". وما قاله الدكتور: عبد الرحمن بدوي عن الشعب السويسري إنه:"من أنشط شعوب العالم، إن لم يكن أنشطها جميعاً، لا ينافسه في ذلك غير ألمانيا، ولهذا يتباهى أبناؤه بعقولهم: الله خلق العالم، والإنسان السويسري خلق سويسرا"!
هذه البلدة الطيبة تعيش رخاءً استثنائياً على الرغم من قلة مواردها الطبيعية. استطاعت أن تتقدم في الصناعات الزراعية بالذات، وإنتاجها القومي بحسب السكان يجعلها تحتل المركز الثاني في أوروبا بعد السويد، وازدهارها الاقتصادي يقوم بالأساس على: الصناعات، والبنوك، والتأمينات. وجملة العيش الرغيد الذي يعيشه السويسريون جاء نتيجة ازدهار ثقافي واقتصادي معاً، ومحامي البقر لم ينبت كما تنبت الفطر أو الكمأة بلا جذور؛ بل جاءت به وهيأت له ثقافة كاملة امتازت بها سويسرا عن بقية بلدان العالم.
ويذكر أن رئيس الاتحاد السويسري بلغ من تواضعه أنه كان يركب في الدرجة الثانية من القطار! وحينما سئل لماذا تركب في الدرجة الثانية؟ أجاب: لأنه لا توجد درجة ثالثة!.
استطاع المصلح الديني "كلفان" أن يؤثر على الشعب السويسري، فنشر التسامح الديني، وباتت الملل والنحل كثيرة، وحقوقها محفوظة، أصبح التسامح الديني من السلوكيات الفطرية العادية. وباتت الجريمة نادرة في سويسرا، لأن الشعب مقبل على الحياة والفرح، فقد ترك الكراهية لغيره، وألقى بالرغبة في الاقتصاص وراءه في كتب التاريخ. بقيت سويسرا حاضنة الفردانية في العالم. تجاوزت كل ما يقلقنا ويؤلمنا في العالم الثالث، لهذا بقيت سويسرا بمثابة الحلم نظراً لما حققته من إنجازات خلاقة.
قلتُ: وأمنيتنا ليست أن يكون لدينا محام كـ"أنطوان" يحامي عن البقر، بل أن يكون لدينا حزمة سويسرا كلها، أن ياتينا مصلح ديني بقيمة "كلفان" وأن نسعد بقضاء مثل قضاء "برن" وأن نقتل التعصب الاجتماعي والطبقية المقيتة؛ أن نصل إلى عتبات الحضارة، وأن نرسم حياة يومية هانئة، أن تكون بلداننا كلها مستفيدة من التجربة السويسرية في مجالات الحقوق الثقافة والاقتصاد. وأرجو ألا أكره على هذه الأمنيات، ولا أقصى عليها.
قال أبو عبد الله غفر الله له: أرجو ألا يأتي متسلق ليستخدم هذه الأفكار ليعتبر أنني نسيت آمال المهمشين في بلادي من أجل أن أكتب في سويسرا ليستخدم أفكاري في جلد عملية التنمية!
نقلا عن إيلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=15173&I=378