د. عبد الخالق حسين
بقلم: د. عبد الخالق حسين
الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها هي أن أنظار العالم كله متجهة الآن نحو العراق بشكل غير مسبوق وهي تتطلع إلى يوم الحسم الديمقراطي، يوم 7 آذار/مارس الأغر، اليوم التاريخي الذي ستزحف فيه جموع العراقيين، من كل المكونات، رجالاً ونساءً، ليمارسوا حقهم الديمقراطي في الإدلاء بأصواتهم، لتبديل حكومتهم بقصاصة ورقة وصناديق الاقتراع بدلاً من الرصاص ودبابات العسكر (ballet instead of bullet). إنها نقلة نوعية حضارية وولادة جديدة لعراق ديمقراطي جديد، ودليل على نجاح الديمقراطية في العراق.
قد يعترض البعض بأن الانتخابات لوحدها وبحد ذاتها لا تعني الديمقراطية، وهذا صحيح، ولكن يجب أن نعرف أيضاً، أن لا ديمقراطية بدون انتخابات حرة ونزيهة، وكل الدلائل تشير إلى أن ما يجري في العراق من مهرجانات ومحاولات بهذه المناسبة لاقناع الناخب العراقي، لدليل على نجاح الديمقراطية. فلأول مرة تقوم القوى المتنافسة بحملات شرسة، بل وحتى الحملات التسقيطية ضد بعضها البعض، وبما فيها التهجم على الحكومة نفسها، كل هذا دليل على وجود الحرية ونجاح الديمقراطية. إذ كما يقول توماس جيفرسون: "عندما يخاف الشعب من الحكومة، فهناك الاستبداد، وعندما تخاف الحكومة من الشعب فهناك الحرية."
على أي حال، إن هذا الاهتمام البالغ من قبل العالم بالانتخابات العراقية وتلهفهم على معرفة نتائجها، حالة نادرة ليس لها مثيل في دول العالم الثالث، ناهيك عن الدول العربية والشرق الأوسط ودليل على أهميتها. وكذلك صراع القوى السياسية العراقية وتنافسها العنيف بمنتهى الحرية والشفافية فيما بينها، بل وحتى تكالب بعض دول الجوار للتأثير عليها، أدلة ساطعة ودامغة على نجاح الديمقراطية في العراق، كما وهي أدلة ساطعة ودامغة على نجاح الرئيسين الشجاعين، جورج دبليو بوش وتوني بلير، عندما أصرا على مساعدة الشعب العراقي في الإطاحة بالنظام البعثي الجائر، وإقامة البديل الديمقراطي، فزرعا شجرة الحرية في العراق، الشجرة المباركة التي راهن كثيرون على موتها وعدم صلاحية تربة العراق لها، وعملوا بشتى الوسائل على اقتلاعها وهي طرية، وسخَّروا كل مجرميهم من شذاذ الآفاق، في الداخل والخارج، من فلول البعث وأتباع القاعدة ومليشياتهم، من أجل قتل هذه الشجرة، إلا إنها تحدتهم جميعاً، وخيَّبت آمالهم، وهاهي قد نمت وأينعت واخضرت كالنخلة العراقية الشامخة بقامتها الباسقة تعانق السماء، وقد نشرت ظلالها الوارفة على جميع أنحاء العراق، وبدأت تعطي ثمارها رغم أنوف أعداء الحرية والإنسانية.
كنا قد أكدنا بلا انقطاع، تفاؤلنا بنجاح الديمقراطية في العراق، وقلنا إن تفاؤلنا هذا ليس ناتجاً عن التمنيات والرغبات فحسب، ولا من باب (تفاءلوا بالخير تجدوه)، بل كان مبنياً على منطق التاريخ ومساره وحكمه العادل الذي لا يقبل الرجوع إلى الوراء، فالجني قد خرج من القمقم ولا يمكن إعادته، والشعب العراقي قد انفجر ضد جلاديه الطغاة البعثيين الفاشيين، ولا يمكن أن يتخلى عن حريته بعد معاناة طويلة من الظلم والجور والحروب والدمار والحرمان والقهر والجوع والحصار والاستلاب.
كما ونؤكد ما ذكرناه سابقاً أن هذه الحملات الانتخاباتية ومهما قيل عنها ولفَّقوا ضدها، وحاول الخصوم تضخيم الخلافات والصراعات وتبادل الإتهامات فيما بين القوى السياسية المتنافسة، فهي بحد ذاتها عبارة عن دورات دراسية وتجارب عملية واسعة للشعب في ممارسة الديمقراطية والاستفادة من الأخطاء السابقة. فالديمقراطية كما ذكرنا، لا يتعلمها أي شعب عن طريق قراءة الكتب أو الشهادات الدراسية، بل هي كالسباحة لا يتقنها الإنسان على الفراش في غرف النوم، بل بممارستها في النهر. وهكذا الديمقراطية، يتعلمها الشعب عن طريق الممارسة، ومهما رافقها من أخطاء، إذ لا بد من وقوع أخطاء ولا ضير منها، فمن حق الإنسان أن يخطأ، ولكن في كل دورة انتخابية ستقل الأخطاء إلى أن يتعلم الشعب قواعد اللعبة الديمقراطية فتصبح جزءً من حياته و ثقافته وتقاليده، فيقبل بنتائجها، سواء كان لصالح حزبه أو ضده. إذ هكذا بدأت الديمقراطية في كل مكان وزمان.
كما لا نعتقد أن أعداء العراق سيتوقفون عن محاولات التخريب والقتل وإلحاق الأذى بشعبنا، بل سيواصلون جرائمهم بشتى الوسائل، ففي الوقت الذي أكتب فيه هذه المداخلة، أفادت الأنباء المؤلمة عن وقوع ثلاث عمليات انتحارية في مدينة بعقوبة أدت إلى قتل وجرح العشرات من الأبرياء. ولكن هذه الجرائم لا يمكن أن تفت من عزيمة شعبنا ومواصلة سيره قدماً في تحقيق مشروعه الوطني، وهي أيضاً دليل يأس الإرهابيين وهزيمتهم.
ودليل آخر على نجاح الديمقراطية في العراق، أن الأنظمة التي كانت تسعى لوأدها، بدلت تكتيكاتها وتبنت أساليب جديدة، فراحت تعمل على كسب هذه الكتلة السياسية أو تلك إلى جانبها، وتحريض بعضها على بعض لتضمن مصالحها في العراق. ولكننا نؤكد لتلك الحكومات، أن القوى السياسسية العراقية لابد وأ ن تدرك في نهاية المطاف، أن ليس لها أي خيار آخر، غير منح ولائها للعراق، وتعمل بشعار: العراق أولاً، والعراق للعراقيين.
ـــــــ
العنوان الإلكتروني: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.com/
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=14915&I=372