البابا شنودة الثالث.. مرونة السياسة

قال إن الكنيسة لا علاقة لها بالسياسة وإنما تبدي رأيها في بعض الأمور
رغم الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها البابا شنودة الثالث بين المصريين بكل طوائفهم مسيحيين ومسلمين، فإن البعض كان يختلف معه في إعلان تأييده الصريح للرئيس مبارك. لكن البابا شنودة الثالث فاجأ الجميع في عظته الأسبوعية يوم الأربعاء الماضي في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بقوله «إن الكنيسة ليست البابا شنودة الثالث.. مرونة السياسةلها علاقة بالسياسة إنما تبدي رأيها أحيانًا في بعض الأمور»، قبل أن يضيف «إننا إذا دعونا الناس للتصويت أيام الانتخابات يقولون إننا نتدخل في السياسة وإن رفضنا يقولون سلبيين». لم يكتف البابا بهذا وإنما رفض رفضًا مطلقًا فكرة تأسيس حزب مسيحي قائلا «مستحيل مستحيل يبقي فيه عندنا حزب مسيحي.
لكن الملاحظ أنه علي الرغم من نفي البابا فكرة التداخل بين الكنيسة والسياسة، فإن شنودة نفسه يتعامل مع كل الأمور بمرونة ودبلوماسية تجعلك تشعر بأن البابا داهية سياسية. هذه الخبرة ربما يكون قد اكتسبها من تصادمه المبكر مع الرئيس الراحل أنور السادات في الأزمة الشهيرة التي انتهت بتحديد إقامته لكنها في كل الأحوال جعلته يعرف متي يكون حاسما ومتي يكون دبلوماسيًا. ومع بداية عهد جديد بتولي الرئيس مبارك الحكم، دخلت الكنيسة في مرحلة أخري مع الدولة وإن لم يمنع هذا من حدوث بعض الأزمات منها أزمة وفاء قسطنطين وماكسيموس وأزمة محرم بك الشهيرة وانتهاء بجريمة نجع حمادي التي حدثت في عيد الميلاد الماضي.

لم تكن سياسة البابا شنودة في التعامل مع كل هذه الأزمات واحدة، وإنما تعامل معها بحنكة وذكاء معالجًا بعضها بالاعتكاف وبعضها بالاعتراض وبعضها بالمهادنة، لكنه نجح دائما في الحفاظ علي ذلك الخيط الرفيع بين إرضاء الأقباط وعدم الدخول في معارك عنيفة مع الدولة.
وبالفعل نجحت سياسة البابا في خلق شعبية له فشعر الأقباط بأنه لا يتنازل عن حقوقهم ويحميهم في مواجهة الدولة، وشعر المسلمون بأنه مصري مثلهم يرفض الصهيونية ويمنع المسيحيين من زيارة القدس إلا لو دخلها - بحسب قوله - ويده في يد شيخ الأزهر.
لهذا كله لم يكن مستغربًا أن يخرج مثل هذا التصريح من البابا بنفي علاقة الكنيسة بالسياسة لأنه من الذكاء ليعرف ما هو الوقت المناسب لكل تصريح، وما الذي يجب أن يقال الآن، وما الشيء الذي يمكنه الانتظار.. هذه المرونة السياسية جعلت البابا شنودة الثالث ليس بابا الأقباط فقط وإنما أيضا واحد من أكثر باباوات الكنيسة شعبية في الشارع المصري.