بالحب تُبنى القمم وبالجهل تهلك أمم

د. نجيب جبرائيل

بقلم: د. نجيب جبرائيل
اعتدت كثيرًا في معظم كتاباتي أن أكتب عن مشكلة الأقباط مع النظام الحاكم، وكيف يواجه الأقباط تعنت الحكومة واضطهادًا ممنهجًا بسبب غياب دور الدولة وعجزها عن أن تبسط هيبتها، الأمر الذي عانى وما يزال يعاني منه الأقباط حتى باتت المواطنة هي مجرد كلمة جميلة لكنها خالية من المضمون.
وإذا كنا في كثير من الأحيان نلوم الحكومة ونحملها المسئولية لكن قد آن الآوان كي نقف نحن أيضًا وقفة مع أنفسنا، وقفة الرجل الشجاع، وقفة المصارحة من أجل المصالحة، متذكرين ما حذرنا منه السيد المسيح له المجد حين قال "كل بيت انقسم على ذاته يخرب".. إذن لماذا نهاجم بعضنا البعض؟، ولماذا تلوك ألسنتنا الآخر؟، ولماذ نعقد مؤتمرات واجتماعات يكون ظاهرها بحث مشاكل الأقباط؟، ولكن يؤسفني إذا قلت إن وقتًا كبيرًا من تلك المؤتمرات يستغرق في بحث الخلافات، ومن هم الرؤساء، ومن هو المرؤوس، حتى باتت القضية القبطية، وهي قضيتنا جميعًا، تذبح على مائدة الزعمات والرؤساء وطالبي المقاعد والكراسي الأولى، فنسينا أحباءنا وروادنا الأوائل الذين ضحوا بالجهد والعرق والمال، وإلى النفس الأخير من أجل الحفاظ على حقوق الأقباط.. نسينا شوقي كاراس، وعدلي أباديير، وغيرهم، وأيضًا ممن هم بيننا الآن ولا يريدون الظهور ويعملون في خفاء أمثال عادل جندي وشريف دوس وبهاء رمزي ومجدى عازر، "امريكا"، وعادل دميان.

على مَن وإلى مَن وإلى أين هذا التطاحن؟.. إنني أذكرهم بنموذج مشرف يعطي القدوة والمثل من نخبة من النشطاء الأقباط، وهي الهيئة القبطية الهولندية، حيث دعيت في الشهر الماضي لحضور مؤتمرها الثانوي في امستردام، فكانوا يتبارون في تقديم بعضهم البعض على منصة المؤتمر، حتى أن الضيف أو الغريب، انتهى المؤتمر وخرج منه ولا يعرف من هو الرئيس أو المرؤوس من فرط حبهم لبعض.

وهكذا نخشى أن تضيع قضيتنا وسط أقدام من يسمون أنفسهم بالعمالقة ومن يصفون خيرهم بالأقزام، وهكذا تضيع القضية بين أصحاب "الياقات البيضاء"، نريد أن نقول لهؤلاء إذا كانوا صادقين مع أنفسهم، كم مرة نزلوا إلى الميدان وإلى الواقع العملي؟، هل تعاملوا عن قرب مع أخواتنا المقهورين في قرى ونجوع صعيد مصر؟، وأسألهم: كم منا زار أسرة الشهيد عبده جورجي يونان، الذي فصلت رأسه عن جسده في الباجور؟، أو حتى مجرد اتصل بأهله تليفونيًا، ومن منا سأل عن مريم أرملة قتيل العمرانية الذي ألقى به من الدور الرابع بواسطة الشرطة المصرية؟، ومن منا استطاع أن يبحث في أسلمة شوارع وميادين مصر ومحاولة تغيير وطمس الهوية الثقافية، واستبدلال مناهج التعليم بأسلمة ممنهجة؟، وهل اكتفى البعض بمجرد مقالات أو شعارات عنجهية أو اتخذ خطواط عملية؟، من منا رصد وسجل أصوات كثير من آئمة المساجد المتطرفين، وهم يرمون المسيحية والمسيحيين بالكفر والضلال؟، ومن منا جمع الكتب في مناهج التعليم الأساسي الابتدائي والإعدادي والثانوي، وخاصة كتب التاريخ التي تبغض المسيحيين في ديانتهم؟، وهل فكر أحد أن يجري دراسة ليرصد عدم وجود أستاذ قبطي واحد في جميع أقسام أمراض النساء في جميع كليات الطب في كافة الجامعات المصرية والتعليم على الهوية الدينية؟، وهل فكر أحد منا أن يتقابل مع وزير التعليم العالي أو رئيس المجلس الأعلى للجامعات لينقل له هذه المشكلة؟، وهل رصد أحد عدد البلاغات التي قدمت للنائب العام بسبب التحريض على قتل المسيحيين وازدراء ديانتهم؟، وهل تابعنا مصير تلك البلاغات والتي لم نرَ أحدًا يقدم للمحاكمة حتى الآن، ومن منا تابع ورصد ما جاء بجريدة "الوفد" أول امس وما رصدته تلك الجريدة على لسان بعض المواقع الإسلامية من وجوب إهدار دم البابا شنودة وأبونا مكارى يونان، ونجيب جبرائيل، وأبونا مرقص عزيز وغيرهم، لأنهم زنادقة وكفار ويقومون بالتبشير والتنصير، وموضوع أمام صورهم علامة "cross "، أي يجب قتلهم؟، وهل فكر أحد أن يتقدم ببلاغ إلى الجهات المختصة.

تعالوا معًا ننبذ سياسة اللوم وإلقاء التهم وننزع أسلوب الآنا، متذكرين أن ما بناه الأولون في سنوات، يجب ألا نهدمه بخفي حنين، لأنه من الصعب أن تبنى القمم ومن السهل أن تهدم أمم.
هل فكرتم لماذا تجاهل المجلس القومي لحقوق الإنسان في تشكيله الأخير ترشيح أي من النشطاء الأقباط، بعد أن تردد أن أسماءًا قبطية مرشحة؟.
هل فكرتم أن تعتبر الحكومة أن هناك من يقلقها أو يسبب لها القلق.. لا نريد أن نفصح أكثر من ذلك.

ليكن الحب هو سائدنا ورائدنا ونعطي القدوة والمثل لمن يطلبنا، ولنكن جميعًا رسالة المسيح المقروءة من جميع الناس.. الكرم واسع وكبير، والحصاد كثير ويحتاج إلى الكثيرين.. ويجب أن نعلم جميعًا أننا شركاء لهذه القضية، وأن شرف حمل هذه القضية هو تكليف وليس تشريفًا.. وإذ أذكر ذات مرة وبمرارة بالغة أن دُعيتُ إلى مؤتمر لأكثر من اثنى عشر منظمة قبطية في المهجر، وعقد في القاهرة في فبرايل 2008، وهالنى بل أفزعنى أحد نشطاء الأقباط البارزين حين اشترط أن يكون حضوره المؤتمر على المنصة الرئيسية قائلاً وبالحرف الواحد وعلى مرأى ومسمع من جميع منظمي المؤتمر "إنني لست ممن يجلسون على المقاعد فاذا دعيت لابد أن أكون من المتكلمين الرئيسين"، ومع ذلك أجلسناه على المنصة الرئيسية ثم خرج في الصحف ليصف مؤتمر أقباط المهجر الذي عُقد في القاهرة بأنه عمل هزيل.
إننى أدعو بكل الحب وبقلب مفتوح الكل إلى العمل بروح واحدة وبقلب مبتهج يحب الجميع، لأنني كما قلت في عنوان مقالي: "بالحب تبنى القمم وبالجهل تهدم أمم".

رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان
Nag_ilco@hotmail.com