منير بشاي
بقلم: منير بشاي – لوس أنجلوس
القضية القبطية بدون إسهام أقباط الداخل هي قضية ضعيفة وناقصة، ولا أعني بقولي هذا أن أقباط المهجر لا يملكون الحق الشرعي في الدفاع عن إخوتهم أقباط الداخل، كما لا أدعو بهذا إلى وقف الدفاع عن أقباط الداخل بل أنادي بالإستمرار فيه وتصعيده إلى أقصى الحدود، ولكن يخطئ من يظن أن أقباط المهجر يملكون وحدهم الحل كله للمشكلة القبطية وأنهم يستطيعوا القيام بالعمل كله بمعزل عن أقباط الداخل.
أقباط المهجر هم مجرد صوت لإيقاظ الضمير العالمي لما يعانيه إخوتهم الذين أبكم القهر أصواتهم في مصر، وشرعية هذا الصوت تستند إلى صلتهم بأقباط الداخل فهم أخوتهم وأصدقائهم، كما أن أقباط الخارج لهم مصلحة في القضية لأنهم عانوا في يوم من الأيام من نفس هذه الهموم التي كانت السبب في هجرتهم أرض الوطن ليعيشوا غرباء في أوطان أخري، ولكن صوت أقباط الخارج لا يمكن أن يحل محل أصوات الداخل بل عليه أن يفسح الطريق لصوت أقباط الداخل بأن يرتفع ويعبر عن نفسه، فلا يوجد أقوي وأصدق من أن يتكلم الإنسان عن نفسه.
وفي هذا يكمن صميم حقوق الإنسان التي على رأسها حق الإنسان في الشكوي، في قدرته على التعبير عن آلامه وآماله.
ولا أقصد من هذا أن أضع اللوم على أقباط الداخل... فأنا أعلم جيداً صعوبة موقفهم ومحدودية مقدرتهم على أن يساعدوا أنفسهم، ولذلك فواجبنا أن نقف إلى جوارهم مع كل من يرغب في مساعدتهم من الإخوة المسلمين المعتدلين وقوات الخير في العالم التي تناصر المظلومين، ولكن الأمر في النهاية يتبلور إلى أن أقباط الداخل لا بد أن يأخذوا موقفاً إيجابياً بالعمل مع من يساعدونهم في تحقيق مطالبهم التي سيكونون هم المنتفعين الحقيقيين لها.
وربما يكون من المفيد في هذا المقال أن نلقي بنظرة على التيارات التي تؤثر على مقادير أقباط الداخل وتحاول أن تدفعهم إلى أسفل كلما حاولوا أن يقفوا على أقدامهم، فقد تساعدهم هذه النظرة في التعرف على أسباب الفشل واكتشاف عوامل النجاح، وفي اعتقادي أن المجتمع القبطي يعاني من تيارات يمكن تجميعها في هذه الجماعات.
الخائفون
لا شك أن الخوف هو أخطر المشاعر التي تقف حائلاً في وجه أي محاولة للمطالبة بالتصحيح والأصلاح، والخوف ليس حديث العهد بالأقباط فهم يعيشون فيه لمدى قرون وقد تأصل فيهم وأصبح جزءاً من شخصيتهم، والدولة تعلم ذلك وتلعب على هذا الوتر وتستخدمه بنجاح ضدهم، القبطي يعيش في حالة ذعر ما بين مطرقة الدولة وسندان المتطرفين، وفي الوقت الذي يعاني المواطن القبطي من هجمات المتطرفين الإسلاميين فإنه لا يسلم من إرهاب السلطات إذا شاء حظه العاثر أن يحتك بما يسمونه قوات (الأمن).
وفي ظل هذا الجو المشحون بالخوف يكون من السهل على الدولة أن تغبن الأقباط في أساسيات حقوق الإنسان، فهذه الحقوق لا تصبح أولوية عند من لا يحلم بأكثر من مجرد أن يعيش ويربي أولاده.
على الأقباط أن يعملوا على التخلص من الخوف فلا يوجد ما يخافوه إلا الخوف ذاته.
المبرمجون
الخوف أدى بالأقباط إلى برمجة تفكيرهم، وأمكن استخدام الدين لتحقيق هذا الهدف، ولا أستبعد أن يكون للسلطات ضلع في استمرار هذه البرمجة بإستخدام عملائها سواء كانوا من المسلمين أو حتى من بين المسيحيين الذين يعملون لصالحهم والذين نراهم يزحمون غرف الدردشة والمواقع الحقوقية يحاولون أن يبثوا في الأقباط روح الخنوع والمسكنة وقبول الإضطهاد واعتباره بركة من عند الله يجب أن يسعوا لها لأن من يرفضها يرفض مشيئة الله حسب تفكيرهم، وهم يستخدمون في هذا نصوصاً من الإنجيل مبتورة من سياقها ويفسرونها على هواهم لتحقيق أغراضهم.
والتحدي الذي يواجهنا، وبالذات رجال الدين المسيحي، هو إعادة البرمجة للعقلية القبطية بحيث تعرف المعنى الصحيح لهذه النصوص وتدرك أن إرادة الله صالحة مرضية كاملة، فالله لا يرضى بالظلم ولكنه إله عادل ومحب لا يقبل الظلم ولا يرضى بالإضطهاد.
اليائسون
من كثرة ما مر به الأقباط من ظلم وصل البعض إلى حالة من اليأس جعلته يفقد الأمل في أي إمكانية للإصلاح، فكم من وعود قد سمعوها التي رفعت من تفائلهم وتوقعاتهم، ولكن سرعان ما تبخرت الأحلام وأفاقوا ليجدوا انفسهم قد سقطوا صرعى على صخرة الواقع، إن كل ما يسمعونه هو الشعارات الجوفاء التي لا تتحقق، وهذا أدى بالكثيرين إلى القناعة أن تغيير الحال هو من المحال، وأصبح الشعار الذي يسيطر على الأفكار "مفيش فايدة".
على الأقباط أن يتغلبوا على روح اليأس ويعلموا أن المفتاح لتحسين أحوالهم ينبع من داخلهم وهو عندما يغيروا أنفسهم ويفرضوا هذا التغيير على المجتمع حولهم.
الواصلون
مشاكل الأقباط الحقوقية بما فيها من حريات مكبوتة وحقوق إنسانية مهضومة تطغى عليها ظروفهم الإقتصادية، فلا تستطيع أن تقنع إنسان بأهمية تمثيله النيابي المتكافئ مثلاً إذا كان كل ما يشغل تفكيره هو مجرد الحصول على لقمة العيش له ولأولاده، ولا شك أن الظروف الإقتصادية تركت آثارها على جميع المصريين وبصفة خاصة الأقباط.
ولكن هناك طبقة قد ظهرت في المجتمع المصري، ومن بين الأقباط أنفسهم، ممن لديها المواهب والمهارات التي مكنتها من النجاح المالي وهم طبقة الرأسماليين وأيضاً من يعملون في القطاع الخاص أو الشركات الأجنبية ويتقاضون مرتبات توازي المستويات العالمية، هذه الطبقة الصغيرة من الأقباط التي تتمتع بدرجة من النجاح الأقتصادي تفوق بمراحل المستوى الذي يعيش فيه معظم الأقباط يهمها أن لا تهتز المركب، ولذلك قد تراهم يغضون النظر عن حقوقهم السياسية في مقابل إستمرار تفوقهم الإقتصادي.
مثل هؤلاء يجب أن يعرفوا أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان فهناك أشياء في الحياة أهم من التمتع بالماديات، وأنهم إذا فقدوا حقوقهم الإنسانية فإنهم لن يستطيعوا أن يضمنوا لهم ولأولادهم إستمرار هذا التفوق المادي الذي يتمتعون به.
المنتفعون
للأسف هناك في كل جيل من يحاول أن يرتزق على حساب مأساة اخوته، هؤلاء الذين نسميهم يهوذات الأقباط الذين باعوا أهلهم ومسيحهم بثلاثين من الفضة، ففي مقابل الحصول على منافع تفوق ما هم مؤهلين لها لا مانع لديهم أن يضعوا أنفسهم في يد النظام ليستخدمهم أداة لينكروا للعالم أي ممارسات ظالمة تفرض على اخوتهم وبذلك يصبحوا شهود زور ضد اخوتهم، ولا خيار أمامنا من أن نستمر في أن نفضح هؤلاء الخونة ونكشف مخططاتهم.
وبعد... إن أقباط الداخل هم المعنيون أساساً بالقضية القبطية، وهم وحدهم الذين سيجنون ثمارها، ومع الأصوات التي تنادي بحقوقهم في الخارج عليهم هم أن يكتشفوا صوتهم ويتكلموا دفاعاً عن أنفسهم، عليهم أن يرددوا ما جاء في رائعة إبراهيم ناجي "الأطلال" والتي غنتها كوكب الشرق أم كلثوم:
أعطني حريتي واطلق يديّ إنني أعطيت ما إستبقيت شيء
آه من قيدك أدمى معصمي لم أبقيه وما أبقـــى عليّ؟
Mounir.bishay@sbcglobal.net
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1469&I=39