ميرفت عياد
- لورانس مفتاح: دكتور راغب مفتاح رائد الحفاظ على الألحان والموسيقى القبطية.
- دكتور راغب مفتاح لم يسع قط إلى الشهرة أو المجد.
- دكتور راغب مفتاح عاش حياة البتولية على الرغم من زواجه.
- دكتور راغب مفتاح أول من أنشئ مراكز لتعليم وتسجيل الألحان القبطية.
- سعى دكتور راغب مفتاح إلى توحيد طقوس الألحان القبطية.
- قدّم الموسيقى القبطية في معبد حورس وسط الأجواء الفرعونية.
- الموسيقى القبطية هي التراث الصوتي الوحيد الحي في كل حضارات العالم.
- نخشى على التراث الموسيقي القبطي من خطر الانقراض.
- المصرية القديمة، والعبرية، واليونانية هم ثلاثة مصادر للألحان الكنسية.
حوار: ميرفت عياد - خاص الأقباط متحدون
دكتور راغب مفتاح، هو رائد الحفاظ على الموسيقى القبطية، وقد ولد عام 1898 بالقاهره، وسافر إلى ألمانيا عام 1919، وحصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة "بون"، وبعد ذلك تفرغ لدراسة تاريخ الموسيقى في أوروبا، وعاد إلى مصر في سنة 1926، وقد ساهم د. راغب في تأسيس المعهد العالي للدراسات القبطيه سنة 1945، وخدم كرئيس لقسم الموسيقى والألحان به، وتوفى سنة 2001، عن عمر لم يناهز الـ 102 عامًا.
حقا لقد كان د. راغب مفتاح رائد الحافظ على الموسيقى والألحان القبطية، حيث إنه ولأول مرة في التاريخ، أصبحت لدينا تسجيلات صوتية لتلك الألحان القبطية، لذلك كان لنا هذا الحوار السيق مع ابنة أخيه الأستاذة لورانس مفتاح.
* في البداية أتساءل: من هو راغب مفتاح الإنسان؟
كان راغب مفتاح عالمًا بسيطًا متواضعًا، زاهدًا حقيقيًا في كل أمور العالم، وقد عملتُ معه عن قرب وعلى نطاق واسع منذ عام 1978 وحتى وفاته في عام 2001، ومن خلال عملي معه، أؤكد لكم أنه لم يسعَ قط إلى الشهرة أو المجد، وقد استخدم ميراثه الذي ورثه من والده في تمويل أهدافه العلمية، لذلك عاش عدة عقود من حياته فقيرًا مُكرسًا حياته من أجل الحفاظ على التراث الموسيقي القبطي، واهبًا نفسه لخدمة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتزوج وعمره يناهز 66 عامًا، وعاش مع زوجته حياة البتولية، مكرسًا كل طاقته وعطاءه لخدمة الرب يسوع.
* متى ولماذا بدأ د. مفتاح مشروع الحفاظ على التراث والألحان القبطية؟
بدأ د. راغب مشروع المحافظة على تراث الألحان والموسيقى القبطية في عام 1927، وذلك بسبب خوفه على التراث القبطي الموسيقي من الاندثار لتعرضه لخطر الحداثة، لذلك خشى على التراث الموسيقي القبطي من خطر الانقراض وأراد الحفاظ عليه للأجيال القادمة خلال القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، وذلك من خلال التسجيل ولأول مرة للألحان التي أداها (المعلم) ميخائيل جرجس البتانوني بصوته، وهو رئيس مرتلي الكاتدرائية المرقسية، فقام بالاستعانة بالأستاذ الدكتور أرنست نيولاند سمث، الأستاذ بالأكادمية الموسيقية بلندن في تدوين النوته الموسيقية للألحان القبطية التى يتلوها المعلم البتانوني، حيث كان يهدف بهذا إلى إبقاء ألحان الكنيسة القبطية على قيد الحياة لإنقاذ التقاليد العريقة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وظلوا داؤبيين على هذا العمل يعملون به منذ عام 1927 وحتى عام 1936.
* ما هي مصادر الألحان القبطية؟
هناك ثلاثة مصادر للألحان الكنسية وهي المصرية القديمة، والعبرية واليونانية، إن المسيحيين الأولين أخذوا ألحانًا من مصر القديمة ووضعوا لها النصوص المسيحية ومن بين هذه الألحان، لحن "جلوجثا" الذي كان يستعمله قدماء المصريين أثناء عملية التحنيط وفي مناسبة الجنازات، ولحن (بين أثرونسي) الذي يشتمل نصفه الأول علي نغمات حزينة تردد لوفاة الفرعون ونصفه الآخر على نغمات مبهجة تردد لزفاف الفرعون المنتقل إلى مراكب الشمس لتصحبه إلى (رع) في دنيا الخلود، أما المصدر الثاني فهو المصدر العبري، حيت أخذت الألحان القبطية طريقة الأداء الصوتي بدون آلات موسيقية من اليهود، أما المصدر الثالث فهو اليونانية، حيث أضاف البابا كيرلس الربع بعض الألحان من الكنيسة اليونانية مثل ألحان القيامة (طوفينا، ثوليثوس)، ولحن العذراء (آطاي بارثينوس)، وغيرهما.
* ما هي إنجازات د. راغب في مجال التراث الموسيقي القبطي؟
وضع الدكتور راغب مفتاح في وقت سابق في عام 1945 اثنين من مراكز التعليم وتسجيل الألحان القبطية، واحد منهما يقع في باب الحديد، والآخر في القاهرة القديمة. كما أنه أدار معسكرات الصيف في الأسكندرية لتدريس الألحان، هذا بالإضافة إلى إنشاء أول ستوديو في مقر البطريركية، وكانت هذه المراكز في هذا الوقت المبكر تمثل معلمًا بارزًا في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لأنه أول من سجل ذلك للأجيال القادمة، كما ساهم في إنشاء معهد الدراسات القبطية، وكان سعيدًا بهذا لأنه كان يحلم بإعطاء دراسة الموسيقى القبطية بيئة أكاديمية.
* ما هي الأحلام التي كان يريد دكتور مفتاح تحقيقها في التراث القبطي لكن العمر لم يمهله تحقيقها؟
كان دكتور راغب مفتاح يحاول أن يكتشف أصول الموسيقى القبطية، باعتبارها التراث الصوتي الوحيد الحي في كل حضارات العالم، هذا التراث سُلم من جيل إلى جيل من معلمين الكنيسة، أما الحضارات الأخرى مثل الفرعونية، فتراثها من المخطوطات أو البرديات أو المعابد أو المسلات تراث غير صوتي، لذلك كان يسعى دكتور مفتاح إلى البحث عن أصول الطقوس واللغة القبطية نفسها التي كانت تعتبر تسلسلاً مباشرًا من مصر الفرعونية، وذلك من خلال المخطوطات القبطية التي يتم الاحتفاظ بها في مكتبة المتحف البريطاني، والمكتبة الوطنية في باريس، والمتحف المصري في القاهرة، والمتحف القبطي، والمرقسية القديمة.
* ما هي الصعوبات التي واجهها دكتور مفتاح من أجل تحقيق هدفه في نشر التراث الموسيقي القبطي؟
كان لدى دكتور مفتاح رؤية لإضفاء الطابع المؤسسي على دراسة الموسيقى القبطية باعتبارها ميدانًا جديدًا للدراسة في إطار الدراسات القبطية، كما أنه كان يريد توحيد شكل التسليم من الألحان القبطية وهكذا عمل على تحقيق هذا الهدف، إلى أن تحقق هذا في عام 1971، حيث أعلن قداسة البابا شنودة الثالث أن الكنيسة القبطية المصرية ستبدأ في توحيد طقوس موسيقاها، هذا إلى جانب رغبته في إنشاء قسم الموسيقى القبطية في المعهد العالي للدراسات القبطية، هذا بالإضافة إلى النقص الملموس في المصادر الأولية، إلا أنه لم يكف عن البحث في الموسيقى القبطية حتى وفاته في عام 2001، واستطاع التوصل إلى العديد من البحوث التي لم تنشر، على الرغم من أنه كتب كثيرًا عن الموسيقى القبطية في شكل مقالات أو مواد أو وثائق غير منشورة، إلى جانب المراسلات مع علماء مشهورين من الموسيقى، والتراث القبطي، وعلم المصريات، وكل هذا التراث للدكتور راغب مفتاح موجود بمعهد الدراسات القبطية.
* قام الدكتور راغب مفتاح بتجربة رائعة في معبد حورس.. فما هي تفاصيل هذه التجربة الفريدة؟
كان دكتور مفتاح مقتنعًا بأن الموسيقى القبطية نتجت عن ممارسات قدماء المصريين، لذلك كان عليه أن يثبت نظريته، فسافر مع جوقة من معهد الدراسات القبطية إلى إدفو، لتقديم الموسيقى القبطية في معبد حورس، وذلك في عام 1960 تقريبًا.
* لماذا اختار معبد حورس بإدفو؟
لقد اختار هذا المعبد لأنه من المعابد التي احتفظت بهئيتها على مر السنين ولم يصبه سؤء ، وعلى الرغم من أن المعبد يقع على مساحة حوالي 7000 م، إلا أن أصوات الألحان كانت تسمع بوضوح حتى في الفناء المفتوح بين صروح المعبد، إنها حقا معجزة لتوزيع الصوت تستحق دراسة جادة.
- وختامًا.. سيبقى د. راغب مفتاح صرحًا فريدًا نابغًا في هذا المجال، وسيظل تاريخ الكنيسة دومًا يذكر له وبكل فخر وامتنان وإعزاز مجهوداته الجبارة الراقية التي بذلها وظل يبذلها لآخر يوم من عمره، للحفاظ على تراث كنيستنا القبطية الأرثوذكسية العظيمة.. حقا، لقد رحل لكنه مازال في وجدان كل مسيحي مهتم بتراث كنيسته..
http://www.copts-united.com/article.php?A=14679&I=367