شاكر فريد حسن
بقلم: شاكر فريد حسن
يعتبر الدكتور فؤاد زكريا من دعائم الثقافة المصرية والعربية المعاصرة، وأحد أركان الدعوة إلى التفكير العلمي والتحديث الحضاري، ومن مؤسسي التخطيط في الوطن العربي.. وهو من مواليد بورسعيد عام 1927.. وتعلم الفلسفة في جامعة القاهرة، ونال شهادة الدكتوراة من جامعة عين شمس، وعمل أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة في جامعة عين شمس في الفترة ما بين عامي 1957ـ1974، ثم سافر إلى الكويت وهناك عمل أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة في كلية الآداب.
والى جانب التعليم، اشتغل د. فؤاد زكريا في الصحافة الفكرية بمجال التأليف والتعريب الفلسفي، وكان من مؤسسي سلسلة تراث الإنسانية في مصر، والمخطط لـ "عالم المعرفة"في الكويت، كما رأس تحرير مجلة "الفكر المعاصر"، ومجلة "تراث الإنسانية"، وعمل أيضًا عضوًا في هيئة تحرير "عالم المعرفة"، وشارك في العديد من الندوات الحوارية والمؤتمرات الفكرية في الأقطار العربية والعالم وساهم في إذكاء وتنمية الوعي السياسي عند الإنسان العادي.
ومنذ أن بدأ مسيرة التنوير، ولا يزال د. فؤاد زكريا يدعو في أطروحاته إلى إعمال العقل العربي، وحين وضع كتابه "التفكير العلمي" سنة 1977، قوبل باهتمام كبير وواسع، وقد طُبع أكثر من مرة، ودلالة هذا الانتشار، ونحن نرى بأم أعيننا سيطرة التفكير النقيض على الجماهير، أن الجماهير متعطشة إلى كتاب ينمي لديها التفكير العلمي الهادئ والمنطقي غير المعتمد على الانفعالات وغير المرتكز على السلطة أو على إثارة العواطف بشكل مصطنع.
ومن أبرز المؤلفات التي صدرت للدكتور فؤاد زكريا: "سبينوزا ونظرية المعرفة، الإنسان والحضارة، التعبير الموسيقي، مشكلات الفكر والثقافة، دراسة لجمهورية أفلاطون، خطاب العقل العربي، التفكير العلمي، آفاق الفلسفة، نظرية المعرفة والموقف الطبيعي".
أما أعماله المترجمة التي دققها وراجعها: "تراث الإسلام" و"العقل والثورة" و"حكمة الغرب" و"الفن والمجتمع عبر التاريخ"، وله كذلك كتاب جمَّع فيه عدة مقالات ودراسات ومداخلات وأبحاث فلسفية أسماه "آفاق الفلسفة".
ويرى د. فؤاد زكريا أن التفكير العلمي أو المعرفة العلمية هو من ضرورات الثقافة والحضارة لدى كل شعب يأمل أن يحافظ على مكانته العالمية، ويطالب العالم العربي التسلح بنظرة علمية في تفكيره وأسلوبه وتخطيطه، كما يشير أيضًا إلى أن التفكير العلمي ليس وقفًا على حملة الشهادات الأكاديمية العليا، إذ أن هناك علماء وصلوا إلى كرسي الأستاذية في الجامعة ولم يتخلوا عن اعتقادهم بالخوارق والكرامات في حين نجد تجارًا غير علماء يمارسون الاقتصاد التجاري بتفكير أو بمنطق علمي سديد.
وبخصوص أزمة الفكر العربي المعاصر، يبيّن الدكتور فؤاد زكريا أن هذه الأزمة تتمثل في ازدواجية الفكر النظري، والازدواجية هي الفرق بين النظرية والتطبيق، ومن المؤسف في جميع كتاباتنا الفكرية الموجودة البعد عن الواقع بشكل صارخ، فنكتب بطريقة مثالية خالصة وكأننا نعيش في عالم المثل الذي دعا إليه بعض الفلاسفة، ولكن عند التطبيق نجد العكس تمامًا، فنجد أشد الناس ثورية وعصبية للتغيير إلى الأفضل، عندما يطبقون هم أنفسهم نظرياتهم يكونون في غاية الانتهازية، وكذلك بالنسبة للذين ينادون بالزهد تجدهم أكثر الناس سعيًا وراء المنافع الشخصية وملذات الحياة، حتى لو تطّلب الأمر منهم التنازل عن كرامتهم بإراقة ماء الوجه.
ويؤكد د. فؤاد زكريا على أن هناك أزمة إبداع وأزمة أخلاق وحالة حقد بين المفكرين العرب، وفي كتابه"خطاب العقل العربي" يعالج فؤاد زكريا القضايا المتعلقة بالقيم والأفكار السائدة في مجتمعاتنا العربية.
خلاصة القول، إن الدكتور فؤاد زكريا مفكر ملتزم شمولي المعرفة، لم يسقط في ثقافة التكسب المالي والفكري ويمثل التيار الفلسفي العلماني.. إنه باختصار نموذج وشهادة حية وساطعة للثقافة المتجددة بأصالة، وهو كالنخيل الباسق الشامخ بثماره، المتواضع في سموه.
http://www.copts-united.com/article.php?A=14632&I=366