دم في العيد

فرانسوا باسيلي

بقلم: فرانسوا باسيلي 
………………….
المشهد:
في ليلة عيد الميلاد الشرقي في السادس من يناير 2010 أطلقت مجموعة من المسلحين النار علي جموع الخارجين من كنيسة في بلدة نجع حمادي بصعيد مصر، فقتلوا ستة من المسيحيين ورجل أمن مسلم وجرحوا عشرات آخرين.
فماذا عسى أن يقول الشعر وقد خضّبه الحزن على وطن كان، وكنانة ستكون دائمًا!
……………….
دم في العيد
منحدر
ليروي وردك المطروح في الطرقات
وفؤوس قُطّاع السبيل
يا مصر هل عطش النخيل
فسقيتهِ من قلبك المذبوح في الغيمات؟ 
يا مصر من أي الجهات
تعدو أساطير تطاردني
وتطعنني
فأنزف ما تيسر من مواويل
وأجمع ما تبعثر من حكايات؟
دم: هل سال من أكباد أولاد
وقفوا أمام كنيسة في العيد
وتبادلوا التقبيل

فتساقطوا جثثًا على العتبات؟
يا مصر كم يكفيك من هذي القرابين
كي يتقدس القدوس
وتمتلئ الساحات؟
دم: هل سال من جسد العروس
تزف دون عريسها؟
فبأي دم
يقطر المنديل؟
هل هذه في الليل زغردة البنات
أم ولولات أرامل
أجسادهن تشققت
يطلقن أفراخ العويل؟
*    *    *

دم الصلوات نهر في الأعالي
وعلي الأرض المذابح
والمدائح
من أي أبواب الجحيم
تعود يائسة
صلوات هذا الجيل؟
تهوي على أفواههم مرتدة
جمراً يسيل
عادت محملةً بصراخ من سقطوا
علي أيدي الذين توضأوا بالدم
صلوا لمن؟
أفيسمع الله الرحيم لهم؟
وعلى سواعدهم
حملوا القتيل على القتيل؟
ذبحوا الحمام
فلا رسائل من ذويهم كي تعاتبهم
ولا في وحشة الليل
يهدهدهم هديل
صلوا لمن؟
رُدت بضاعتهم لهم
ما أبهظ الثمن الذي دفعوه
من أرواحهم
سقطت محبتهم
فماذا في أياديهم لديهم من بديل؟
غير الغصون
أفيغرسون الغصن سيفًا
في بريء الروح
كي يشفوا الغليل؟
فبأي قلب يمزجون
شهقات حفل القتل
بالترتيل!
*  * 

دم الآيات
مسكوب على السموات
يصبغها ويقطر من يدي
أمن سور من القرآن
هذا النزف في جسدي
أم الإنجيل؟
وبأي كف أمسح الصرخات
عن روح مرفرفة
صعدت لباريها لتشكو
ما أتاه شقيقها قابيل
أأكفكف الدمعات
عن أشجار هذي الأرض
أم أحجارها؟
وبأي منديل
سأجفف الآلام عن أثمال من رقدوا
*  *  *

من أي عهد في القرى
يتدفق النيل؟
فاضت دمائي من سواقيه التي
تنعي الذين أحبهم
ما با لهم ما بادلوني
غير حبهم القليل
أو كفكفوا هذي المدامع
ما با لهم ضربوا عصافير المياه
بحجارة من روحهم
وبنوا جدارًا هائلاً
فمسافة بين الكنائس والجوامع
ومسافة بيني و بين الله!
*  *  *

من أي قلب أخرج الجثث التي
عكفت طوال الليل
تستعصي علي جسدي
ولا تبغي الرحيل
- هل جعت يا ولدي؟
 أتحب لحم أخيك ميتاً؟
أعطشت يا ولدي؟
لولا جفاف العين
كنت ذرفت الدمع تشربه
ماذا ستشرب بعد هذا اليوم
غير دم الأصيل!
أسقطت يا ولدي؟
في أرض مصر
فأغمضت عينيك إيزيس
وسقتك من نهد السماء السلسبيل؟
هل استشهدت مجانًا؟
وتبددت قربانًا؟
وتمددت عريانًا بغير كفيل؟
وأنا وقفت هناك
بين القاتل المقتول
والجسد النحيل
ووقفت بين قتيلهم وقتيلنا
فمن أمد له يدي؟!
ولا يقوم – فما الذي يجدي!
وبمن ألوذ؟ وتحت أي سحابة
أبكي وأستجدي!
وبمن أعوذ
وقد هوي ولدي علي ولدي
بغليل فأس مزقت كبدي!
*    *    *

هل أغلق الله الجميل سماءه
عن قبح هذي الأرض؟
كيف أخر بين يديك أركع
كي أصلي!
وأين أفر من أهلي؟
ولمن سأشكو حال هذا الجيل؟
كلهم موتاي من زمن طويل
جاءت خيول الموت تطلبهم وتطلبني
فيختلط الصهيل مع الصهيل
ومشيت من موت إلي موت
من ضفة النهر إلي الوادي
هل هذه مصر التي في خاطري؟
والنهر؟ هل هذا هو النيل؟
هل هذه حقًا بلادي؟
أسمع الأرض تئن
هذا نزيف دم الوطن
ودبيب أقدام الضحايا
جرجروا الأجساد من جيل لجيل
هذي البلاد حملت من ماتوا لها
وحملت من ماتوا بها
وضربت في الليل الطويل بلا دليل
هذي البلاد تظل عاشقة
وأنا أظل عشيقها
وتظل قاتلةً
وتظل مائلةً
علي جسدي
وأنا القتيل. 

نيويورك