كنا في استقبال الرئيس البرادعي: ومن لم يكن؟!!

محمود الزهيري

بقلم: محمود الزهيري
شهدي محمد عبده , الشاب الثلاثيني إبن الدكتور محمد عبده الذي اقترب من الستين , كانا في استقبال الرئيس البرادعي , شهدي لم يشارك في أي فعاليات سياسية ولم يتأثر بوالده اليساري التروتسكي , الذي تم حبسه في عدة قضايا يسارية , إلا أنه كان علي موعد مع لقاء الدكتور البرادعي بمفرده دون مشاركة والده فتلاقيا في لحظة تمثل فصلة تاريخية سياسية في حياة المصريين , وموعداً لتلاقي إرادات سياسية شعرت بالعجز والقصور في إحداث أي تغيير إجتماعي لتحسين ظروف وأحوال معيشة الإنسان المصري المتشوق للعدالة الإجتماعية , ومن قبلها العدالة القضائية , فالشوق كان علي الدوام للعدل والخبز معاً .

حضر شهدي محمد عبده , لكن ليس برفقة والده , حضر منفرداً , كغيره من آلاف الشباب مثله , من غير توجيه من حملة لواء الإيديولوجيات السياسية أو الدينية علي السواء , يملؤه الأمل في التغيير الأمثل للواقع المصري المقيد علي عتبات الخريف , آملاً أن ينطلق نحو الربيع , أو نحو فصل آخر غير الفصول الأربعة المعهودة ليشارك في صناعة هذا الفصل الغائب عن حياة المصريين !!

حضر الشباب من الجنسين , وحضر الرجال والنساء والشيوخ , والمشهد الرائع للأطفال , حضر كذلك الكاريزما والمثقفين , وحملة لواء الإيديولوجيا , ولكن حضروا كغيرهم , فقد تساوت الروؤس , والهامات معاً , فالكل في مشهد الهرولة للقاء الرئيس البرادعي سواء بسواء , والفوارق كانت غائبة عن المشهد , فلا أحد كان في هذا المشهد يمثل موقف القائد , لأن القائد الحقيقي والزعيم الفعلي كان مجرد فصلة زمنية تاريخية سياسية فاصلة بين مرحلتين , أو بين عهدين , عهد الإستبداد والطغيان والفساد , وعهد الديمقراطية والحرية والشفافية .

الغائب عن هذا المشهد الفصلة , كان النظام السياسي , وكانت أجهزته الأمنية فقط صاحبة الحضور ليس إلا وفقط , ولم تكن تقدر , ولم تكن تستطيع أن تستخدم العصا الأمنية ضد من حضروا المشهد الفصلة , فليس هناك مبرر لهذه العصا المتوارثة من يوليو1952 حتي فبراير 2010 ,

غاب النظام الحاكم , وحضرت أجهزته للإستبيان والإستطلاع , وغاب عن المشهد أنصار الإستبداد والطغيان والمستفيدين من الفساد , فلم يحضر الإخوان المسلمين ,ولم يحضر الأقباط المسيحيين , غابت أحزاب اليسار , , أو بمعني أقرب غابت أحزاب يوليو , ولم تحضرأحزاب اليمين , وغاب الشيوعيين , غابت نخب مريضة بداء الوصاية , ولم تجد الدواء حتي لأنفسها , فكيف تحضره للآخرين , غابت أحزاب المصالح , والبحث عن حصص لكراسي مجلس الشعب والشوري والمحليات , وغاب رجال الأعمال ذوي المصالح العليا مع مؤسسات الفساد العليا داخل النظام , ولم يحضروا رغباً في الحفاظ علي الثروة , وأملاً في الوصول إلي السلطة !!

من حضر المشهد الرئاسي للرئيس البرادعي كان همه المصريين أولاً , وليس همه العروبة , ومن حضر المشهد الرئاسي كان همه الأمة المصرية أولاً وليست الأمة العربية  , ومن حضر المشهد الرئاسي كان همه الإنسان في في ذاته , وليس همه الأديان !!

من تزرع بالغياب كأنه كان علي عتبات الخزي والخزلان , ومن تزرع بالغياب كأن همه البحث عن البرنامج ليداري فيه سوءاته وخياباته وعجزه وقصوره عن مواجهة الطغيان والفساد والإستبداد , ومن تزرع بالغياب كان همه البحث عن والتفتيش في نوايا الرئيس البرادعي عن موقفه من الصهيونية والإمبيريالية , ومن تزرع بالغياب كان همه البحث عن رأيه في إتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التي يفعلها النظام المصري وحده !!

ولكن لم تكن من ضمن هموم الغائبين عن عمد البحث عن الحريات الفردية والإجتماعية , فالدولة الحرة لاتعرف وصايات سياسية , ولا دينية , حيث طريقة الترشيح لمنصب الرئيس ليست بمعجزة ,ومدد الرئاسة محددة , والإشراف القضائي والدولي عمادا الرقابة علي المكاشفة والشفافية , والفصل بين السلطات ركيزة للحكم الرشيد , وهذا ما طالب به الرئيس البرادعي قبل ترشحه .

عادا شهدي محمد عبده ووالده وعدت معهما , وكان معنا أحمد نبهان النجار , وجمال السعيد النجار, وقص علينا الدكتور محمد عبده حكاية من حكايات القبض عليه واعتقاله , فوالدته كانت في كل إعتقال وأسر لإبنها كانت تزوره في محبسه , وتتحسس وجهه ويديه لتتأكد من أن أظافره لم تقتلع من يديه , إلا أنها حينما تم إعتقاله في أحداث الفلاحين سنة 1997, والفلاحين , قالت له حال عودته : غيبه شريفة ياإبن فاطمة .

 وكان لسان حال الرئيس البرادعي مع ولوج أول خطواته صالة الإستقبال يقول للمصريين : غيبة شريفة يا أولاد بهية !! 
فمن لم يحضروا المشهد الرئاسي عن عمد, ماذا يمكن أن نقول لهم : أعتقد أن غيبتهم ليست شريفة ومن ثم بغيبتهم بات المشهد أبهي وأجمل !!
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع