أسطوانات‮.. ‬أسطوانات

بقلم: ابراهيم عبدالمجيد

في‮ ‬اللغة العامية حين‮ ‬يتحدث شخص الي‮ ‬اخر حديث معاد ومكرر‮ ‬يقول الأول للثاني‮ "‬نفس الاسطوانة‮" ‬ولم تأت كلمة اسطوانة من فراغ‮ ‬لكن من شكلها كشئ مستدير اذا تحرك دار حول نفسه فلا‮ ‬يقدم جديدا لكن هذا المعني‮ ‬الجامع جاء أيضا من‮ ‬الأغاني‮ ‬التي‮ ‬ظهرت مع بداية القرن العشرين فهي‮ ‬تدور بنفس ما تحمله ولا‮ ‬يتغير‮ ‬منذ اكثر من ثلاثين عاما ونحن نعيش في‮ ‬هذه الاسطوانة فالحكومة دائما منحازة الي‮ ‬عديمي‮ ‬الدخل او قليلي‮ ‬الدخل منذ سياسة الانفتاح الاقتصادي‮ ‬في‮ ‬منتصف السبعينيات من القرن الماضي‮ ‬ولا أحد‮ ‬يمل الكلام عن هذا الانحياز والنتيجة هي‮ ‬ازدياد معدومي‮ ‬الدخل الي‮ ‬درجة الانفجار فتجاوزوا نصف الشعب المصري‮ ‬بينما‮ ‬يظهر كل‮ ‬يوم أغنياء لا أحد‮ ‬يعرف كيف واتتهم الثروة‮ .‬

اسطوانة أخري‮ ‬هي‮ ‬التعليم والارتقاء بالتعليم والنتيجة كما نري‮ ‬ازدياد نسبة الاميين اذ‮ ‬ينضم اليهم العدد الأكبر من خريجي‮ ‬الجامعات الذين لا‮ ‬يعرفون كتابة اسمائهم‮. ‬واسطوانة اخري‮ ‬هي‮ ‬توفير التامين الصحي‮ ‬لكل مواطن والنتيجة طبعا كما نري‮ ‬موت المرضي‮ ‬علي‮ ‬ابواب المستشفيات وارتفاع اسعار العلاج الي‮ ‬ارقام فلكية وتوفير الدولة العلاج المجاني‮ ‬للقادرين من المسئولين كما رأينا في‮ ‬حالة واحدة لا نعرف سر اظهارها للناس الآن هي‮ ‬حالة الدكتور‮ ‬يوسف بطرس‮ ‬غالي‮ ‬الذي‮ ‬من المؤكد ليس وحده لكن شاء حظه العثر أن تظهر حالته الي‮ ‬النور في‮ ‬وقت‮ ‬يسعي‮ ‬فيه لجباية جديدة‮ ‬يسميها الضرائب العقارية بحجة زيادة دخل الدولة الفقيرة وطبعا مانشر عن استنفاد اعضاء من مجلس الشعب لمئات الالوف من الجنيهات بحجة مرضي‮ ‬دوائرهم ثم نكتشف أن في‮ ‬الأمر تجارة ما من الأسطوانات ايضا اسطوانة نزاهة الانتخابات وطبعا ليست في‮ ‬حاجة الي‮ ‬كلام عن عدم نزاهة الانتخابات ومن الاسطوانات أيضا حرية التعبير وكل‮ ‬يوم نري‮ ‬قضية وحكما علي‮ ‬أحد الكتاب او الصحفيين وبحكم القانون ولا شئ اخر‮. ‬

ومن الاسطوانات الرائجة أيضا توصيل مياه الشرب الي‮ ‬القري‮ ‬البعيدة ونكتشف ان الذي‮ ‬يصل هو مياه المجاري‮. ‬اسطوانات كثيرة جدا حتي‮ ‬أن الشعب زهد في‮ ‬الاستماع اليها والي‮ ‬جانبها اسطوانات أخري‮ ‬من المعارضة والبرامج الفضائية ففي‮ ‬كل‮ ‬يوم لا‮ ‬ينقطع هدير النقد لكل ماهو سيئ ولكن لا أحد‮ ‬يستجيب فأدرك الجميع أن هذا ايضا‮ ‬يدخل في‮ ‬باب الاسطوانات وكأنه أمر متفق عليه بين الحكومة وهذه البرامج،‮ ‬ان‮ ‬يسمع الناس الي‮ ‬اقصي‮ ‬حرية ممكنة فيرتاحوا لكن لا احد من الحكومة او الحكم سيستجيب وهذه من الاسطوانات الشديدة الذكاء توطد اركان الحكم كل‮ ‬يوم أمام العالم لأنه تقريبا لايوجد أي‮ ‬نظام‮ ‬يتعرض لهذا الكم من الانتقاد ويستمر طويلا هكذا‮. ‬ومن أجمل الاسطوانات التي‮ ‬ضحك بها علي‮ ‬الناس اسطوانة انفلونزا الخنازير التي‮ ‬نشرت فيها الحكومة في‮ ‬البداية صورا للمقابرالجماعية التي‮ ‬تستعد بها لاستقبال الموتي‮ ‬بالملايين ولولا صراخ بعض الكتاب عن هذا الهراء ومنهم العبد الفقير الي‮ ‬الله في‮ ‬اكثر من مقال هنا لاستمرت الاسطوانة المرعبة تدور‭ , ‬واخيرا اكتشفنا ان الأمر كله سهل وتافه وهو ما قلناه بعد ان سافرنا الي‮ ‬اوروبا اكثر من مرة ورأينا الحقيقة هناك أن لا أحد‮ ‬يرتدي‮ ‬كمامة مثلا‮ .‬هذه الاسطوانة فشلت والحمد لله وتحولت الي‮ ‬اسطوانة مضحكة وهذا من فضل الله الذي‮ ‬خيب أمل الحكومة في‮ ‬دفن الشعب‮. ‬

ونستطيع أن نمضي‮ ‬مع الاسطوانات الي‮ ‬مدي‮ ‬بعيد جدا ولا اعتقد ان القارئ‮ ‬يخفي‮ ‬عليه بقية الاسطوانات ولكن أهم اسطوانة الان هي‮ ‬اسطوانة البوتاجاز‮. ‬هذه هي‮ ‬الاسطوانة الوحيدة الآن التي‮ ‬تهم المواطن فهي‮ ‬اسطوانة مفيدة رغم أنها من حديد لكنها فجأة وبقدرة قادر اختفت وظهرت الطوابير الطويلة ووقع قتلي‮ ‬وسقط شهداء كما حدث ويحدث مع الخبز ولقد سبق هذا الاختفاء للاسطوانة الحقيقية اسطوانة كلامية موسيقية ايضا لوزير التضامن علي‮ ‬مصيلحي‮ ‬قال فيه كل‮ ‬يوم انه لابد من اعادة النظر في‮ ‬دعم البوتاجاز،‮ ‬لم‮ ‬يقل اعادة النظر في‮ ‬دعم اسرائيل بالغاز مثلا،‮ ‬وانه‮ ‬يفكر ان‮ ‬يخصص اسطوانتين لكل مواطن شهريا حتي‮ ‬لا‮ ‬يفوز اصحاب المحلات،‮ ‬المطاعم والمقاهي‮ ‬يعني‮ ‬باسطوانات مدعمة رغم انه‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يحصر هذه المحلات ويفرض عليها استخدام الاسطوانات الكبيرة فقط ولا‮ ‬يدعم هذه الاسطوانات الكبيرة مثلا ويترك الناس في‮ ‬حالها،‮ ‬والذي‮ ‬حدث هو أن جميع الاسطوانات اختفت بعد ذلك وصارت الاسطوانة التي‮ ‬تدور بأحاديث الناس هي‮ ‬ازمة من فعل الحكومة لادخال الاسطوانات الي‮ ‬البطاقات‮ .

‬والمهم في‮ ‬الأمر هو الكلام الذي‮ ‬يدور كالاسطوانة أن المستودعات تعطي‮ ‬الاسطوانات للباعة السريحة وذلك سبب الأزمة وانا شخصيا منذ أربعين سنة لم اشتر اسطوانة من مستودع بل دائما من الباعة السريحة ولم تحدث أزمة علي‮ ‬العكس هم‮ ‬يوفرون المشوار الي‮ ‬المستودع وهذا ليس بالقليل لذلك لم‮ ‬يصدق الناس هذه الاسطوانة‮:‬‭ ‬الباعة السريحة،‮ ‬وصدقوا اسطوانة الوزير عن الغاء الدعم الذي‮ ‬استدعي‮ ‬احداث الازمة لتكون مبررا لذلك‮ ‬وعندي‮ ‬سؤال واحد للسيد الوزير عن المستودعات كم عضوا في‮ ‬مجلس الشعب‮ ‬يملك المستودعات؟ ليته‮ ‬يقول لنا حتي‮ ‬ينقطع الكلام الذي‮ ‬يتحرك الآن علي‮ ‬استحياء بأن‮ ‬غالبية المستودعات ملك لاعضاء في‮ ‬مجلس الشعب قرروا الاغتناء فجأة بالاتفاق أو عدمه مع الوزارة أو الحكومة‮ .‬وأنا كمواطن لم‮ ‬يعد تغضبني‮ ‬الاسطوانات السياسية في‮ ‬شئ ووصلت الي‮ ‬يقين قديم لدي‮ ‬الشعب المصري‮ ‬ان هذا بلد‮ ‬يمشي‮ ‬بقدرة قادر وانه سيعيش رغم أي‮ ‬شئ لكن المشكلة التي‮ ‬تؤرقني‮ ‬جدا هي‮ ‬أنني‮ ‬سأضطر بعد أيام إلي‮ ‬أن أبحث عن اسطوانة بوتاجاز ولن‮ ‬ينقذني‮ ‬من ذلك مروري‮ ‬كل‮ ‬يوم علي‮ ‬الاسطوانة التي‮ ‬عندي‮ ‬داعيا لها ألا تنفد ماشيا عليها بكفي‮ ‬وداعيا الله ان‮ ‬يستجيب لدعائي‮ ‬حتي‮ ‬لا أقف في‮ ‬طابور ولا أبحث عن سوق سوداء مثل زماننا‮..‬

نقلا عن الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع