الأب متى المسكين وسنة أولى عذاب (13)

د. ماجد عزت اسرائيل

بقلم: ماجد عزت اسرائيل
وادي الريان 1960م
يقع وادي الريان في الجزء الجنوبي الغربي لمحافظة الفيوم، وهو منخفض عميق من الحجر الجيري الأيوسيني. ويبعد عن مدينة القاهرة بنحو 80 كيلو متر، وعن دير الأنبا صموئيل بنحو 50 كيلومتر شمالاً، وعن الفيوم نحو 25 كيلومتر جنوباً، وتبلغ مساحته نحو 7 كيلومترات عرضًا و30 كيلومتر طولاً، ويوجد بها عين ماء مالحة ولكن يمكن معالجته واستخدامها للشرب والري، وتنتشر بالمنطقة بعض النباتات الطبيعية مصاحبة بين جنابتها أشجار النخيل والزيتون، ولا يسكن الوادي إي إنسان ولكن يتردد بعض العربان عليه من أجل أعمال السلب والنهب، أو تهريب المخدرات، أو سير قوافلهم التجارية ما بين الشمال والجنوب أو ما بين الشرق والغرب.

على أية حال، سكن الأب متى المسكين ومَن معه من الرهبان المصاحبين له -الذي وصل عددهم نحو إثنا عشر راهبًا- وادي الريان، وعانوا الكثير من العذاب الذي تمثل في شدة ملوحة مياه الشرب وعدم صلاحيتها للاستخدام الآدمي، بالإضافة إلى انتشار العديد من الذباب والبعوض والحشرات التي لا ينجو منها إي شخص يمر بالوادي، فما بك ساكنيه، كما عانى الرهبان من نقص الموارد الغذائية التي كانت تصل إليهم من القاهرة كمساعدات من أصدقاء الأب متى المسكين، والتي غالبًا ما كانت تنجو من نهب العربان لها أو دفع إتاوة عليها لتسهيل مرورها.
كل هذه الظروف الطبيعية والبشرية؛ كانت عاملاً من تعرض الرهبان وعلى رأسهم الأب متى المسكين للعديد من الأمراض وتعرضهم للضعف والهوان، بالإضافة إلى تعرضهم للضغط النفسي، والذي تمثل في الإعلان المنشور في جريدة الأهرام بتاريخ (17 أكتوبر 1960م) والذي أعلن فيه أسقف دير السريان أن رهبان وادي الريان مجردون ومشلوحون من الرتبة الكهنتوية والرهبانية -طبعًا بدون إجراءات أو محاكمات قانونية كنسية، وهذا مخالف للوائح وقوانين كنيستنا القبطية الأرثوذكسية- مع العلم أن هؤلاء الرهبان نالوا الحل من الأنبا "بنيامين" قبل السفر إلى ذات المكان.

وبالرغم من كل ذلك لم تتأثر الدوافع الروحية بل زادت ونمت أكثر مما كانت، ويذكر الأب متى هنا قائلاً: "كان اختبارًا رائعًا لي شخصيًا، إذا نجحت فيه عندما تجردت من نفسي وضعفي ومرضي، وظللت على أعلى مستوى من المسئولية الروحية والجسدية لمدة تسع سنوات، استطعت خلالها أن أسلم هؤلاء الرهبان حياة الأيمان المطلق".
ولم يختلف نظام الرهبنة في وادي الريان عن أي منطقة نسكية أخرى مثل دير السريان أو الأنبا صموئيل؛ فكان الراهب يجمع ما بين العمل والنسك، فكان الرهبان يقومون بالعمل الجماعي مثل قطع الأخشاب لخزين الشتاء لاستخدامها في الفرن والكوانين لصناعة الخبز وطهي الطعام، وكان العمل يتم وفق نظام محدد بالساعات، وموزع بشيء من عدالة التوزيع بينهم، أما الجانب الروحي فكان القداس في أوقاته الرسمية بالإضافة إلى القراءات والصلاة الانفرادية، كل منهم في قلايته.

على أية حال، بدأت الحياة تأخذ بسرعة صبغة حياة الآباء الأوائل في الرهبنة سواء في النسك أو البعد عن العالم أو البساطة أو حب الإنجيل أو الأيمان المطلق