عزت عزيز حبيب
كتب: عزت عزيز - خاص الأقباط متحدون
عزبة أبادير.. هي تلك العزبة التي خرج من كنفها رجلٌ أسر العالم كلَّه بمحبته، ودماثة خلقه، وعطائه ذي الطراز الفريد في هذا الزمان..
عزبة أبادير.. كانت وستبقى واحدةً من مئات، إن لم يكن آلوف القرى المصرية، التي طالما أخرجت إلينا رجالاً، تحاكى الجميعُ بعظمتهم، وتفانيهم في المحبة الباذلة عديمة الرياء، وبالطبع على رأسهم، المهندس الراحل/ عدلي أبادير، موضوع حديثنا، هو وأسرته العريقة الكريمة، التي ستبقى دومًا كالعطر الخالد، الذي لن يفارقنا شذاهُ يومًا من الأيام.
تتبع عزبة أبادير بلدة شمروخ، التابعة لقرية المحرص، التابعة لمركز ملوي، محافظة المنيا، وتقع جنوب المنيا، بحوالي خمس وثلاثين كيلو مترًا تقريبًا.. وتضم عزبة أبادير مئات المنازل التي يعتمد أصحابها على الزراعة، وشباب هذه العزبة في المراحل التعليمية المختلفة، ومنها الجامعي، ولكن الأمر المحزن أنه لا يوجد بالعزبة كنيسة، ويضطر أبناؤها إلى الذهاب للقرى المجاورة للصلاة هناك، لكن العلامة المُميِّزة لتلك العزبة هي علاقة المحبة والترابط السائدة بين أبنائها، ودون تفرقة..
كانت العزبة وحتى نهاية ثمانينات القرن الماضي باسم أبادير بك، والد المهندس عدلي أبادير، وذلك حتى انتقل أغلبية أبناء العائلة من العزبة إلى القاهرة، وتم بيع كل ما يملكونه بالعزبة من ممتلكات، اشتملت على قصر كبير، وثلاثين فدانًا من أجود الأراضي الزراعي، وكان ذلك تحديدًا عام 1989، بحسب ما رواه لنا أحد أبناء العزبة، ويدعي المهندس أشرف سمير أبادير، والذي كان يعمل والده مع أسرة أبادير منذ عام 1945، حيث أوضح لنا أن ممتلكات عائلة أبادير، قد تعدت السبعمائة فدان، ولكن الأمر تبدل كثيرًا بعد ثورة 1952، حيث تم تأميم الكثير من تلك المتلكات، وتبقى منها حوالي أربعون فدان، بجوار القصر مباشرة، وكان هناك الكثير من الأفدنة في بلدة أتليدم وساقية موسي وفي البياضية التابعة لملوي..
وأضاف المهندس أشرف قائلاً: "نشأ المستشار أبادير بالعزبة، أما السيدة حرمه فكانت من دير مواس، ولها شقيق يُدعى حشمت بك كيرلس.. وكان للمهندس عدلي أخ يُدعى الدكتور ماهر، كان مقيمًا بالقاهرة، وكان له أيضًا أخ يُدعى الأستاذ أنور، وقد توفي منذ سنوات قليلة، وهناك أيضًا شقيقتهم، وتدعي بيرتا، وولدت في العزبة أيضًا، وابنتها الدكتورة ليلي راشد، الحاصلة على درجة الدكتوراة في تنمية المجتمعات، وكانت تنزل دائمًا بالقصر قبل أن يُباع"..
وأضاف قائلاً: " كان القصر الخاص بالعائلة يُنار بماكينة كهرباء خاصة به، وكان اليوم الذي تأتي فيه عائلة أبادير للبلدة، بعد غياب خارجها، يوم فرحٍ، هذا ويُحيط بالقصر حتى الآن أربعة وعشرون منزلاً، خاصون بالفلاحين، الذين كانوا يعملون لدى عائلة أبادير، وعند بيع العزبة، قد تم الاشتراط على المشتري، أن لا يتعرض لأصحاب هذه المنازل فهي مُلكٌ لهم.. ومن المعروف أن المهندس عدلي أبادير كان يُقيم العزبة في خمسينيات القرن الماضي، وقبل ثورة "العسكر" - كما كان يحلو له أن يسميها- أي قبل سفره للخارج، وبعد عودته من الخارج، حضر إلى العزبة ثانية، عام 1989، بعد أن ثبتت براءته في القضية التي حُبِس احتياطيًا على ذمتها لمدة تسعة عشر شهرًا، وكانت سببًا رئيسيًا لأن يأخذ طريقه لخارج مصر، التي عمل لأجلها وأجل أبنائها كثيرًا، ولكنه لم يجد سوى الحقد والكراهية والظلم من حكامٍ وطُغاةٍ ومستَبدين ودكتاتوريين"..
والحديث لا يزال على لسان المهندس أشرف: "وعند مدخل عزبة أبادير التقيت بالسيد/ فؤاد السعيد محمد رضوان، والذي يعمل حارسًا للقصر وما يحيطه من أراضٍ تتبعه، فقال لنا: إن عائلة أبادير تشتهر بكرمها وسخائها وحبها لأهل العزبة، وأثنى كثيرًا على روح المحبة المتبادلة بين أبناء العزبة من مسيحيين ومسلمين، وكذلك تبادل الهدايا بينهم، وبالأخص أيام الأعياد"..
وكنتُ قد طلبت منه أن نقوم بتصوير القصر، فرفض، وذلك بحسب تعليمات صاحبه، وأضاف أن هناك جهاتٍ عديدة قد حضرت للتصوير وتم رفض ذلك رفضًا قاطعًا..
وبلقائنا مع الأستاذ أسحق سمير أبادير، وهو من أبناء العزبة، أضاف لنا بأن المهندس عدلي كان وكيلاً عن مائة وعشرة شركة من جنسيات متعددة، لتصنيع كابلات الكهرباء، وتصنيع الديزل، والقطار، وأخرى خاصة بالحديد والصلب، حتى عام 1950، وهذا يوضح مدي الثقة المتناهية من هذا الكم من الشركات العملاقة في شخص المهندس عدلي أبادير..
وأضاف قائلاً: "إن والدي قد استمر في قيادة سيارة عائلة أبادير يوسف نعمان، لمدة خمسة وأربعين عامًا متواصلة، وكانت الظروف قد تضطره للغياب عن المنزل لعدة أشهر، وكانت السيارات التي يقودها والدي للعائلة من أفخم وأرقى الموديلات، وأضاف أيضًا أن العزبة كانت تحتاج لمدرسة، وبالفعل تم التوصل لمكان يصلح لذلك، ولكن لم يتم تدبير المبلغ المطلوب، فلما علم المهندس عدلي بذلك، أرسل لهم المبلغ المطلوب كاملاً، وطلب منهم أن لا يذكروا هذا، ورفض وضع اسمه على المدرسة، كأنكار منه للذات، ولا ننسى ابدًا أنه تبرع بمبلغ مائة ألف جنيه لضحايا السيول بمحافظة أسيوط"..
وبلقائنا بالسيد أبو اليمين سمعان خليل، وعمره 78عامًا، وهو فلاح من العزبة، وقد عاصر عائلة أبادير، بما فيها أبادير الأب، قال لنا:
"إنه عمل معهم أثناء بناء القصر، وكان هذا قبل عام 1950، وكانت أجرة الفرد سبعة قروش يوميًا، وأضاف أن عائلة أبادير كانت ومازالت ترعى الأسر الفقيرة بالعزبة حتى الآن ،ويرسلون دومًا للعائلات الفقيرة الملابس والبطاطين، وهناك من يأخذون مساعادت شهرية نظرًا لحاجتهم الملحة"..
وأفصح لنا عن مدى إصرار أفراد العائلة الذين باعوا العزبة مؤخرًا، على ألا تتاثر ملكية منازل الفلاحين المحيطين بالقصر بأي شئ من هذا البيع، وتم ذكر هذا في شروط البيع..
عزبة أبادير.. رغم بساطتها وصغرها، إلا أنها كشفت لنا عن معدن نادر ونفيس آلا وهو معدن هذا الأب الروحي الذي انتقل من عالمنا إلى عالم يسوده الراحة والحق والعدل..
عزبة أبادير.. كانت وستظل دائمًا نبعًا عميقًا صافيًا للعطاء والحب والعطف والحنان والمساواة والخير..
http://www.copts-united.com/article.php?A=14157&I=356