لماذا يسعى المالكي للقاء الملك السعودي؟؟

د. عبد الخالق حسين

بقلم : د. عبدالخالق حسين
جاء في الأنباء أن "كشف مصدر مقرب من نائب رئيس الوزراء رافع العيساوي عن نية العيساوي للقاء بعض المسؤولين في المملكة العربية السعودية خلال اداء مناسك العمرة" وأضاف المصدر: " يسعى العيساوي لاقناع السعودية باستقبال المالكي في حالة طلبه لزيارة المملكة ." والمعروف أن "رفض الملك عبد الله بن عبد العزيز لقاء رئيس الوزراء نوري المالكي على هامش أعمال القمة العربية الـ(21) التي عقدت في الدوحة الاثنين الماضي وذلك لعدم قناعة المملكة العربية السعودية بوجود مصالحة حقيقية في العراق فضلا عن أن المالكي لم يفي بوعوده التي أطلقها في ما يخص عملية المصالحة و مشاركة جميع القوى السياسية في عملية إدارة البلاد."

والجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يرفض فيها الملك عبدالله لقاء المالكي، بل حصل هذا الرفض وبدون أية كياسة ولياقة، قبل أكثر من عام، حين رفضت المملكة زيارة المالكي لها وتحت مختلف المعاذير الواهية.

في الحقيقة، لم تكن العلاقة بين العراق والمملكة العربية السعودية الوهابية على ما يرام منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، بل كان العراق هدفاً لهجمات الوهابيين (الأخوان) منذ ولادة حركتهم في القرن الثامن عشر.

ولعل الفترة الوحيدة التي تحسنت فيها العلاقة بين العراق والمملكة السعودية هي الفترة المظلمة التي سام فيها حزب البعث الصدامي الشعب العراقي سوء العذاب. عندئذ فقط كان النظام السعودي راضياً على السلطة العراقية لأنها كانت عدوة للشعب العراقي. وكما تقول الحكمة (ما بني على باطل فهو باطل)، لذلك انتهت العلاقة البعثية- السعودية بالدمار على السعودية نفسها، بعد أن قام الجلاد بغزو الكويت، ودفعت السعودية عشرات المليارات الدولارات للمساهمة في تحرير الكويت.

ومنذ سقوط الفاشية في العراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003، والبدء ببناء الدولة العراقية على أساس الديمقراطية ودولة المواطنة لجميع أبناء الشعب ومن مختلف مكوناته، هذه الدولة لم تعجب السعودية، لأنها تريد عراقاً محكوماً بنظام فاشستي مثل نظام صدام حسين المقبور. فالسعودية وغيرها من الدول العربية وغير العربية مثل إيران، كانت تفضل بقاء حكم صدام حسين ضعيفاً وجاثماً على صدور العراقيين، على إسقاطه وإقامة نظام ديمقراطي يواكب التطور والحضارة الحديثة.

تصوروا، ملك السعودية حريص على " مشاركة جميع القوى السياسية في عملية إدارة البلاد." علماً بأن المملكة السعودية التي احتكرت فيها العائلة الحاكمة جميع السلطات في بلادها، وحرمت حتى أبناء شعبها من أية مشاركة في السلطة، ناهيك عن معاملة المملكة لأبناء الطوائف غير الوهابية معاملة مواطنين من الدرجة العاشرة. وهل حقاً "لم يفِ - المالكي - بوعوده التي أطلقها في ما يخص عملية المصالحة و مشاركة جميع القوى السياسية في عملية إدارة البلاد."؟؟

الكل يعلم أن حكومة المالكي هي حكومة إئتلافية تضم ممثلين عن جميع القوى السياسية ومكونات الشعب العراقي التي ترغب في المشاركة في السلطة وتعلن احترامها للديمقراطية. والحكومة العراقية هي الحكومة الوحيدة في البلاد العربية ومنطقة الشرق الأوسط، التي تم انتخابها من قبل الشعب في عملية انتخابية حرة، شهد بنزاهتها مراقبون دوليون وممثلون عن الأمم المتحدة. فهل هناك مهزلة مضحكة مبكية أكثر من إدعاء السعوديين في التشكيك بشرعية الحكومة العراقية؟

إن السبب الحقيقي لرفض الملك السعودي لقاء المالكي هو موقفه الطائفي البغيض، وعدائه للديمقراطية في العراق. فالنظام السعودي لم ولن يرتاح لحكومة عراقية تشترك فيها جميع مكونات الشعب العراقي، وهذا الموقف ليس جديداً، بل قديم منذ تأسيس المملكة الوهابية كما أشرنا أعلاه. وهنا أرى من المفيد أن استشهد ثانية بموقف السعودية من الحكم في العراق بعد ثورة 14 تموز 1958، عندما أراد الزعيم عبدالكريم قاسم أن يتخلص من الطائفية في الدولة العراقية، فعامل الجميع بالتساوي وحسب ما تسمح به ظروف المرحلة. وفي هذه الحالة أعتقد رئيس الوزراء السعودي (فيصل بن عبدالعزيز) آنذاك، أن الزعيم قاسم هو شيعي المذهب وهذا خروج على المألوف والموروث السياسي والاجتماعي في المنطقة عامة، وتاريخ العراق بخاصة. أنقل هنا ما ذكره المرحوم مرتضى الشيخ حسين في مذكراته بخصوص موقف السعودية من العراق فقال:
[ومن ذكرياتي عن العراق وقيادة عبد الكريم قاسم في فترة وجيزة ما حدثني به صديقي الدكتور عباس حلمي الحلي. وكان من قبل قد درس وتخرج بدرجة دكتوراه من ألمانيا في إثناء الحرب العالمية الثانية، قال: "بعدما تخرجت من الدراسة اشتغلتُ في الجامعة العربية في القاهرة فتعرفت من خلال عملي على شخصيات رسمية كبيرة في الجامعة منها شخصية فيصل بن عبد العزيز السعود، فكانت لي معه صداقة جيدة. وبعد ذلك اشتغلت في العراق وكيلا لشركة كروب الألمانية. وبعد ثورة 14 تموز 1958 زرتُ الرياض لأشغال تتعلق بالشركة فمررت بصديقي فيصل العبد العزيز السعود في مقر وظيفته وكان رئيساً للوزراء في الرياض آنذاك. فرحب بي وقال لي لقد أحضرك الله لي. إنها فرصة سعيدة بأنك جئت إلي بهذه الأيام. أين تقيم الآن؟ فأجبته باني مقيم في فندق سميته له فقال لي أنا اليوم مشغول جداً وأرجو أن تمر بي هنا غداً صباحاً. ثم أمر موظفيه بان ينقلوا شنطتي من هذا الفندق إلى فندق خاص آخر على نفقته الخاصة. وفي اليوم الثاني زرته فرحب كثيراً بي وسألني مهتماً كل الاهتمام بحكومة عبد الكريم قاسم قائلاً: هل أن عبد الكريم قاسم سنّي أم رافضي " أي شيعي "؟ فأجبته: حسبما أعرف فإن والد عبد الكريم قاسم مدفون في مقبرة سنّية (مقبرة الشيخ معروف في بغداد) وعادة الشيعة أن يدفنوا موتاهم في النجف. ولهذا يتضح لي أن عبد الكريم قاسم سنّي. فأجاب رئيس الوزراء فيصل عبد العزيز السعود: " لقد طمأنتني الآن وأرحتني لأننا نريد أن نتخذ موقفاً سياسياً إزاء العراق. لقد كنا في حيرة منها انك أوضحت لي المشكلة فإننا لا نسمح أن تكون للروافض حكومة ولن نتعامل معها. أما الآن فموقفنا واضح منها ولن نعارضها ".

نعم، هذا هو سبب مناهضة النظام السعودي لأية حكومة عراقية، سواء كان قبل خمسين عاماً في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم، أو اليوم في عهد حكومة يترأسها السيد نوري المالكي "الرافضي"، فالعقلية السعودية لم تتغير وتبقى تحركها النزعات الطائفية البغيضة في تعاملها مع العراق وغير العراق.

والسؤال هو: ألا يحق لسياسي عراقي شيعي أن يتبوأ منصب رئاسة الحكومة في بلاده، خاصة إذا جاء عن طريق انتخابات نزيهة؟ وهل حقاً الحكم الآن بأيدي "الروافض"؟ نعم نحن ضد المحاصصة الطائفية، ولكن غرض المعارضة السعودية للمالكي ليست بسبب المحاصصة الطائفية، بل العودة إلى احتكار السلطة من قبل طائفة واحدة فقط، وحرمان بقية مكونات الشعب العراقي من حقوقها في الوطن كما كان في العهود الغابرة، وكما هو جار في السعودية الآن التي تمارس الطائفية مع شعبها بأبشع أشكالها. الطائفية ليست جديدة في العراق، إذ تأسست الدولة العراقية منذ عام 1921 على أسس طائفية، وذلك بشهادة مؤسسها المرحوم الملك فيصل الأول في مذكرة له وزعها على الحلقات المقربة من السياسيين عام 1933 قبيل وفاته بأشهر، وقد نشرها المرحوم المؤرخ العراقي عبدالرزاق الحسني في كتابه (تاريخ العراق السياسي الحديث).

أجل، أن المحاصصة الطائفية بغيضة ومرفوضة، ولكن فرضتها الظروف القاهرة وهي نتيجة مخلفات العهد البعثي المقبور، كما وهي طارئة ومؤقتة محكوم عليها بالزوال لأنها غريبة على إخلاقية شعبنا، ونحن واثقون من ذكاء شعبنا وإخلاقيته أنه سيتخلص من هذه المحاصصة قريباً. والمؤسف القول، أن معظم الذين يتظاهرون برفضهم للطائفية هم يمارسونها في حياتهم اليومية وبأبشع أشكالها، وما النائب البرلماني البعثي الهارب عن وجه العدالة، محمد الدايني إلا مثال واضح على ذلك. كما ونذكر القراء أن عدنان الدليمي في مقابلة له مع راديو (سوا) قبل عامين رفض إدانة الإرهابي المنفوق أبو مصعب الزرقاوي رغم المجازر البشعة التي ارتكبها الأخير بحق شعبنا.

إن مفهوم المصالحة لدى النظام السعودي هو عودة البعث الفاشي إلى حكم العراق، وإلا فإن ممثلي جميع مكونات الشعب العراقي هم مشاركون في السلطة، ولكن هذه المشاركة الواسعة غير كافية لكسب رضا النظام السعودي عن العراق.

والجدير بالذكر أن الملك السعودي يصرف سنوياً عشرات الملايين من الدولارات على عقد مؤتمرات ما يسمى بالحوار بين الأديان لتجميل وجهه القبيح وتبرئة نظامه الطائفي من دعمه للإرهاب الوهابي المتفشي في العالم. ولكن الحقيقة الناصعة تفضح هذا النظام الذي يمارس أبشع أنواع التمييز الديني والطائفي مع شعبه. فعلى من يريد أن يمرر الملك السعودي ألاعيبه في إدعائه بالتسامح ومطالبة المالكي " بمشاركة جميع القوى السياسية في عملية إدارة البلاد ؟"

لقد أكدت التقارير الموثقة أن 50% من الإرهابيين الوافدين إلى العراق ومعظم الانتحاريين هم من السعودية. ونحن نعرف أن النظام السعودي نظام بوليسي لا يمكن لأي إرهابي سعودي أن يدخل العراق ما لم يكن بموافقة ومباركة الحكومة السعودية. فالإعلام العربي وبالأخص السعودي يسمون الإرهاب في العراق بالجهاد والمقاومة الوطنية، بينما إذا قامت نفس الجماعات بنفس الأعمال في بلدانهم يسمونها إرهاباً.

خلاصة القول، لن يقبل النظام السعودي بالوضع العراقي إلا بعد عودة البعث إلى الحكم، وهذا مستحيل ومرفوض من قبل الشعب. لذلك نطالب الحكومة العراقية أن لا تسقط ضحية دبلوماسيتها ونواياها الحسنة في استرضاء النظام السعودي (فالطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة)، ولن يقبل السعوديون عن المالكي وغير المالكي إلا بعد أن يعمل على إلغاء الديمقراطية ويفتح الباب على مصراعيها لعودة البعثيين إلى حكم العراق ليواصلوا ديدنهم في نشر المقابر الجماعية. وعليه، أهيب بالسيد الملكي بالكف عن محاولته في زيارة السعودية أو اللقاء بالملك السعودي، ففي هذه المحولات إذلال له وإهانة لكرامة شعبنا وحكومته الوطنية.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع