في ذم العنف ضد النساء

بقلم: أمينة النقاش

لعل المصادفة‮ ‬غير السعيدة،‮ ‬هي وحدها التي جمعت بين توقيت صدور تقرير حقوقي عن العنف ضد النساء في مصر،‮ ‬منطوياً‮ ‬علي إحصائيات تبين تصاعد معدلاته،‮ ‬وبين موعد انعقاد الدورة الخامسة والأربعين للجنة الأمم المتحدة المعنية بمتابعة اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة،‮ ‬والمعروفة اختصاراً‮ ‬باسم‮ »‬سيداو‮« ‬في مقر الهيئة الدولية في جنيف،‮ ‬قبل أيام،‮ ‬حيث انبري وفد رسمي مصري في سرد الإنجازات التي قامت بها الحكومة والمجلس القومي للمرأة،‮ ‬والخطوات التي تم اتخاذها في اتجاه منع التمييز ضد النساء،‮ ‬بعد ثلاثين عاماً‮ ‬من صدور الاتفاقية الدولية،‮ ‬ونحو مثلها من تصديق مصر عليها مع تحفظها علي بعض بنودها‮.‬ وربما قد لا يكون هناك اختلاف علي أن السنوات الأخيرة شهدت علي المستوي التشريعي،‮ ‬خطوات مهمة نحو حفظ حقوق النساء،‮ ‬انطلاقاً‮ ‬من قواعد المساواة والتكافؤ والعدالة،‮ ‬التي يصعب بدونها أن تسير حركة التقدم والتنمية في المجتمع المصري إلي الأمام‮. ‬

فمنذ قانون تعديل إجراءات التقاضي في الأحوال الشخصية الذي عرف باسم قانون الخلع،‮ ‬والذي مر في البرلمان قبل نحو عشر سنوات بصعوبة بالغة‮. ‬ومكن المرأة من الحصول علي الطلاق،‮ ‬إذا ما استحال العيش بينها وبين زوجها،‮ ‬وجنبها تعنت الزوج،‮ ‬في استخدام حقوقه،‮ ‬بمنع تطليقها،‮ ‬في مقابل أن تتخلي عن كل حقوقها،‮ ‬إلي قانون الجنسية،‮ ‬الذي منحها الحق في منح جنسيتها،‮ ‬لأبنائها من زوج أجنبي،‮ ‬إلي قانون الطفل الذي جرم ختان الإناث،‮ ‬وحتي قانون محاكم الأسرة،‮ ‬الذي اختصر إجراءات التقاضي في المنازعات الأسرية،‮ ‬وغيرها من القوانين التي تشكل في مجموعها نقلة نوعية،‮ ‬في طريق طويل،‮ ‬لحماية النساء من التجني والافتراءات،‮ ‬وإساءة استخدام السلطة التي تيسر العصف بالحقوق،‮ ‬لكن المفارقة اللافتة للنظر،‮ ‬أن التقدم الذي حدث علي المستويين القانوني والتشريعي،‮ ‬لم يقابله تطور مماثل علي المستويين الاجتماعي والثقافي،‮ ‬وعلي مستوي الوعي،‮ ‬فنحن أمام واقع مخيف مليء بالتناقضات،‮ ‬تزداد فيه مظاهر التدين الشكلي،‮ ‬التي تطوق المجتمع في كل اتجاه،‮ ‬في الوقت نفسه الذي تنتشر فيه ظواهر التحرش الجنسي بالنساء علي المستويين البدني واللفظي،‮ ‬وتتصاعد فيه ظواهر العنف ضدهن بمختلف الأشكال‮.‬ الجمعية العامة للأمم المتحدة،‮ ‬عرفت العنف ضد النساء بأنه أي اعتداء ضد المرأة مبني علي أساس الجنس ويتسبب في إحداث إيذاء أو ألم جسدي أو نفسي للمرأة،‮ ‬ويشمل أيضاً‮ ‬التهديد بهذا الاعتداء،‮ ‬أو الضغط،‮ ‬أو الحرمان التعسفي من الحريات،‮ ‬سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة،‮ ‬وهذا العنف كما بينه الإعلان العالمي لمناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة،‮ ‬قد يرتكبه‮ »‬مهاجمون من كلا الجنسين أو أعضاء من الأسرة أو العائلة،‮ ‬أو حتي الدولة ذاتها‮«.‬ ووفقاً‮ ‬لهذا التعريف،‮ ‬

رصد التقرير المهم الذي أصدره قبل أيام مركز الأرض لحقوق الإنسان،‮ ‬جرائم العنف ضد النساء،‮ ‬التي شملت القتل والخطف والاعتداءات الجنسية الوحشية والإلقاء من الشرفات،‮ ‬والتي انتهت بقتل ‮١٠٣ ‬امرأة في عام ‮٩٠٠٢ ‬بينهن ‮٩٢١ ‬امرأة في النصف الثاني من العام المنصرم،‮ ‬والتي قام المركز برصدها من خلال متابعة وتحليل الصحف المصرية خلال الأشهر الستة الماضية‮. ‬الأرقام الواردة في التقرير تستدعي اليقظة وسرعة التحرك نحو المواجهة،‮ ‬فمن بين ‮٦٥٢ ‬جريمة عنف في الفترة المذكورة أدت حوادث الخطف والاعتداءات الجنسية الجماعية والفردية علي النساء داخل الأسرة أو خارجها التي بلغت ‮٣٣ ‬حادثة،‮ ‬إلي قتل ‮٧ ‬سيدات،‮ ‬وبلغت حوادث العنف الأسري الموجه للمرأة ‮٤٤ ‬حادثة بعضها بسبب الخلافات الزوجية التي أسفرت عن قتل ‮٩٢ ‬من بينهن،‮ ‬كما تعرضت ‮٢٢ ‬لحالات انتحار توفيت منهن ‮٧١ ‬سيدة،‮ ‬كما تمت ‮٠٥ ‬جريمة قتل عمد للنساء،‮ ‬أما الأسباب فترجع إلي زنا المحارم،‮ ‬وجرائم الاغتصاب والخطف وهتك العرض والسرقة،‮ ‬وتناوب الاعتداء الجنسي الجماعي علي المختطفات وبينهن ربات بيوت ومهنيات وموظفات‮. ‬أو بسبب الشك في السلوك أو الخلافات المالية والضيق المادي والتدهور المعيشي والاجتماعي،‮ ‬أو قضايا الثأر لأجل الشرف‮.‬ وليس هناك جدال في أن الفقر هو أكبر مولد للعنف بشكل عام،‮ ‬والعنف ضد المرأة بشكل خاص،‮ ‬إذ هو يزيد من حالات تسرب الفتيات والفتيان من المدارس،‮ ‬ويحرمهم من فرص التعلم التي تساهم ضمن عوامل أخري،‮ ‬في زيادة الوعي،‮ ‬بأن‮ »‬البنت زي الولد‮«‬،‮ ‬ويخلخل في جذور العنف ضد المرأة،‮ ‬الذي تكرسه ثقافة التمييز بينها وبين الرجل،‮ ‬والتي تكرس بجانبها إلغاء ثقافة التكافؤ في القيمة وفي الواجبات والحقوق‮.‬ قد يستطيع الوفد الحكومي الرسمي في جنيف أن يتباهي بإنجازات تشريعية في إطار منع التمييز ضد النساء لكنه يتعمد أن يتجاهل الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة التي تميز بين المواطنين في كل شيء،‮ ‬

ومن قلب هذا التمييز يندلع العنف ضد النساء،‮ ‬الذي يجري تبريره بتفسيرات فقهية،‮ ‬تختزل الرسالة الأخلاقية للدين الإسلامي في جسد المرأة،‮ ‬وتروج عبر إفتاء الإعلام الفضائي والصحفي العلاقات المهيمنة واللا تكافؤ بين الجنسين،‮ ‬وتشيع ثقافة الخوف من المساواة،‮ ‬باستدعائها من الماضي،‮ ‬ما لم يعد صالحاً‮ ‬للحاضر وللمستقبل،‮ ‬ولنشر إسلام التحريم والتجريم والتكفير والترغيب والترهيب،‮ ‬وترهن شرف الأوطان بالسلوك الشخصي للمرأة‮!‬ يعطي البروتوكول الاختياري لاتفاقية منع التمييز ضد النساء الحق للمرأة كفرد وللنساء كجماعة برفع شكاوي بشكل مباشر للجنة السيداو بالأمم المتحدة،‮ ‬تتعلق بانتهاك الحقوق،‮ ‬لطلب إجراء تحقيق فيها،‮ ‬وهو ما يتطلب حملة ممتدة من منظمات المجتمع الأهلي المعنية بالمرأة،‮ ‬لتمويل خطط لتدريب النساء علي الوعي بالحقوق وتدريب رجال الشرطة والقضاء علي تقديم العون اللازم للتصدي للعنف الذي يجلبه التمييز ضد النساء،‮ ‬وبدون خطط حكومية تدعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين الفقراء ومحدودي الدخل،‮ ‬الذين يشكلون أغلبية السكان في مصر،‮ ‬فأغلب الظن أن عام ‮٥١٠٢ ‬الذي حدده الأمين العام للأمم المتحدة،‮ ‬موعداً‮ ‬لإنهاء الحملة الدولية التي تحمل شعار‮ »‬اتحدوا من أجل إنهاء العنف ضد المرأة‮«‬،‮ ‬سوف يأتي بينما يبقي العنف ضد المرأة مستمراً،‮ ‬وإفلات من يرتكبونه من العقاب يظل هو القاعدة،‮ ‬ويظل قانون الكوتة النسائية هو وحده الذي يتباهي به ممثلو الحكومة في المنتديات الدولية كدليل وحيد علي إلغاء سياسات التمييز ضد النساء‮!!‬ 

نقلا عن الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع