ميرفت عياد
كتبت: ميرفت عياد – خاص الأقباط متحدون
علموا المرأة يتعلم الرجل.. ويتعلم الشعب (من تعاليم الحكيم كاجمني)، هكذا اعتبر المصريون القدماء المرأة عنصرًا حيويًا من عناصر التعليم وركيزة أساسية إذا تعلمت تعلم الجميع.
بهذا بدأ الدكتور عبد الحليم نور الدين "أستاذ اللغة المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، ومستشار مكتبة الإسكندرية" محاضرته "الدور التربوي للمرأة في الأسرة والمجتمع المصري القديم" والتي ألقاها في مكتبة الأسكندرية، حيث ألقى الضوء على دور المرأة في مصر القديمة وحسن معاملتها لزوجها وأقاربه، وكذلك دورها التربوي في المجتمع، وكيف أشاعت سلوكها الطيب ونادت بالقيم والتقاليد في كافة مجالات الحياة، ثم تطرق للحديث عن مشاركتها في التعليم والعمل في إشارة على حرص المرأة على أن تكون قدوة في العمل، وكيف خلقت من الموسيقى وإقامة الحفلات دور تربوي نادت به بين أفراد الأسرة، وكذلك مشاركتها في الأمور الدينية، والمشاركة في تعبئة المواطنين من أجل تحرير مصر هذا الى جانب دورها في تشجيع الرياضة البدنية والتدريبات العسكرية.
إيزيس وسشات وماعت... مجمع معبودات تربوي
وأشار الدكتور عبد الحليم إلى أن المصريين أطلقوا لخيالهم وفكرهم العنان ليلصقوا ويربطوا العلم لبعض رباتهم الإناث، فتخيل أدباؤهم ربة للكتابة دعوها "سشات"، وتناقلوا أنها كانت أول من حسب وخط بالقلم، وقص كهانهم عن المعبود "إيزيس" أنها تربعت على قمة الدور التربوي في مصر القديمة متمثلاً في تربية أبنها حورس على الخير والحق والعدل وآداب الحديث من خلال ما أوضحته فصول الأسطورة الأوزيرية. وجسد قضائهم العدالة على هيئة معبودة أنثى، وأطلقوا عليها اسم "ماعت"، وتناقلوا أنها كانت الابنة الوحيدة لربهم الأكبر رب العدالة "رع".
فكانت "ماعت" هي رمز العدالة في مصر القديمة، مصورة كامرأة تمسك بالريشة، فجعلها هي العدالة، ولم ينظر المصري للعدالة باعتبارها امتيازًا يتمتع به الأغنياء والأقوياء، فقط، لقد فتحت العدالة صدرها لأدنى الناس، ولم تفرق بين الجنسين الرجل والمرأة بل كان رمزها امرأة .
أطفال مصر القديمة.. أوفر حظًا
وأوضح دكتورعبد الحليم ان المرأة المصرية شاركت زوجها في تربية أولاده في بعض سنوات عمرهم وتنحت له عنها في بعض آخر، فشاركته رعايتهم في مراحل طفولتهم وصباهم، وأسلمت له زمام أمرهم في مراحل نضجهم وقد توفر للمصريين من ظروف بيئتهم الطبيعية ما كفل لهم استقرار الحياة، ووضوح المستقبل المعيشي فيها أكثر ممن عداهم من الشعوب القديمة، ولهذا كان للأطفال أكبر الحظ من الرعاية والعناية والحنان في ظل أسرة متماسكة، فقد كانوا قرة أعين الأبوين، يبذلان غاية الجهد لتنشئتهم النشأة السليمة كان البيت هو مهد التربية وميدانها الأول، ففيه يتعلم الطفل ويستقي معارفه الأولى عن الحياة الإنسانية، وتتفتح مداركه، حيث كان لاستقرار الأسرة وتماسكها أكبر الأثر في تكوين نفسيته تكوينًا صحيحًا حيث تدلنا الرسوم والتماثيل عن مدى تعلّق الوالدين بأطفالهما وإحاطتهما بالرعاية والحب.
فنرى الأب يجلس طفله في حجره، أويمسكه بيده حانيًا عليه، كذلك مثلت الأمُ وهي تُرضع صغيرها، أو تمشط طفلتها برعاية ومحبة، وبالرغم من أن تدليل الأطفال والولوع بهم كان عظيمًا، إلا أنهم كانوا بدورهم يكنون ويظهرون لأبويهم الاحترام العميق بجانب الحب.
المرأة.. وتربية وتعليم أولادها
وأوضح دكتورعبد الحليم ان المرأة في مصر القديمة اعتنت بأبنائها صحيًا بالحرص على تنظيف أبدانهم ووقايتهم من الأمراض، خاصة بممارستهم لبعض الألعاب الإيقاعية، كما كان يشترك الطفل مع أقرانه في كافة أنواع اللعب الجماعي لما له من قيمة تربوية كبيرة، هذا إلى جانب الاهتمام بالتربية الروحية والعقلية له، فقد كان يتعلم القراءة والكتابة غالبًا على أيدي والديه قبل دخول المدرسة، مما يؤكد أن التربية قد نشأت في أول الأمر في محيط الأسرة، حيث كان الوالدين حريصين على دفع أبنائهم إلى التعليم وإلى طلب المزيد من العلم، كما كانت العلاقة بين المدرس وتلميذه علاقة وطيدة، فالمربي هو الأب العطوف والمسئول الأول عنهم.
أما عن آداب السلوك، فقد حرص الآباء والمعلمون على تلقين التلاميذ قواعدها، وقد صيغت في أسلوب النصائح والوصايا التي هي نماذج من الفضائل الخلقية، وقد حثت هذه النصائح الأبناء على التسلح بالتقوى، والخوف من الله، والبر بالوالدين، والتسامح، والأمانة، والإخلاص، وغير ذلك من القيم.
الترابط العائلي في مصر القديمة
واستانف دكتور عبد الحليم حديثه قائلاً ان الصور والنقوش التي عُثِر عليها على جدران المقابر تدل على ما كانت المرأة تتمتع به من الاحترام والتقدير. فكانت المرأة المصرية القديمة تختلط بالرجال، وتلقى دائمًا الإجلال والإكبار، إذ كانت تقوم على رعاية أسرتها وتربية الأطفال، وتفيض حبًا وحنانًا على أبنائها بجانب اهتمامها بزوجها، وتشرف على إدارة المنزل وتدبير أموره، وتوفير سبل الراحة فيه للجميع.
كما كانت تصورالعلاقة الزوجية بصورة تدل على الإخلاص والوفاء؛ فهناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى الترابط العائلي بين الزوجين من ناحية، وبين أولادهما من ناحية أخرى. فقد حرص الفنان المصري فيما أخرجه من مجموعات التماثيل على أن يجعل ممن يمثلهم من أفراد العائلة وحدة واحدة مؤتلفة تجتمع حول رئيسها.
كما اعتادت الزوجة أن تساعد زوجها في تدبير شئون البيت، وتعَد المرأة المصرية دعامةً رئيسية لجميع الشئون المنزلية، إذ تستيقظ في الصباح الباكر لإعداد الإفطار لزوجها وأبنائها، وينصرف الزوج وأكبر الأبناء إلى العمل، ويذهب الأبناء الصغار مع الماشية والأوز، أو تذهب الأم بهم إلى المدرسة للتعلم. وكان الرجل كثير التنقل بين عدد من الأماكن لممارسة الرعي أو الزراعة، أو أية حرفة أخرى تحقق له الرزق، بينما كان على الزوجة تنظيم بيتها، وتهيئة السعادة والرفاهية لزوجها، والعناية بتربية أبنائها. وكانت تخرج إلى الترعة المجاورة لتملأ الجرة وتغسل الملابس، وتعود إلى منزلها مزوّدة بما يكفي من الماء لبقية اليوم.
المرأة ..ونسيج المجتمع المصري القديم
وذكر دكتور عبد الرحيم ان المجتمع المصري لم يرفض أن يعترف للأنثى بأثرها في شئون التربية ومجريات الحياة العامة، طالما تمتعت بسعة الأفق وأخذت من الثقافة بنصيب، وعلى الرغم من أن مجالات الثقافة والتعليم ما كانت من شأن الذكور أساسًا دون الإناث، إلا أنه تبين من وثائق فردية متباعدة أن بعض المصريات ساهمن في نشاط المجتمع بنصيب مقبول، وتعلمن الكتابة والقراءة وتذوقن الأدب وتراسلن به، وأشارت الوثائق إلى أميرة عجوز من القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد اشتركت في توجيه القضاء وتصريف شئون الوزارة، وأميرة عظيمة من أواخر القرن السابع عشر قبل الميلاد اشتهرت بين قومها بلقب العارفة أو العالمة، وسيدة من علية القوم في القرن الثالث عشر قبل الميلاد تولت تثقيف وتعليم فتية من الأجانب باسم البلاط الفرعوني.
بالحب تزدهر الموسيقى والغناء
وانهى دكتور عبد الحليم حديثه قائلاً لقد كانت العلاقات الأسرية قوية إلى حد كبير، فالاحترام متبادل بين أفراد الأسرة والحقوق والواجبات واضحة، والود يجمع بين أفرادها، ومن ثم ازدهر أدب الغزل والحب، فازدهرت الموسيقى وازدهر الغناء للتعبير عن هذه الأحاسيس الجياشة. ومن دلالات اهتمام المجتمع المصري بالموسيقى أن جعلوا لها ربة كان لها دور كبير في الديانة المصرية وهي الربة "حتحور"، وكان لبعض الآلات الموسيقية دور في الطقوس الدينية وكان العزف والغناء من أكثر المهن احترامًا وتقديرًا في مصر القديمة، كما اهتمت المرأة مع زوجها بحرفة الصيد البري وصيد الأسماك والطيور، واهتمت المرأة بالتنزه في الأماكن الخلوية، والحدائق العامة، والاستمتاع بالزهور في كثير من المناسبات، وأحبت المرأة البيئة وحرصت على نظافة كل ما فيها وعشق الجمال في كل شيء في هذه البيئة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=13668&I=345