هاييتى

بقلم: نادين البدير

الزلزال يقسم أورت أو برينس إلى قسمين. يواسيها العالم فيندفع لإنقاذها، طبابة.. معالجة.. إنقاذ محاصرين تحت الأنقاض.. استخراج جثث..

مئات الآلاف من الجثث.

هاييتى المسكينة. يواسيها العالم.. فيخفف أو يلغى قروضها. يقدم المعونات. المزيد من المعونات.

فى الزلازل تمتلئ الدنيا دموعاً وأحزاناً، لكن هناك مساحة للعطاء وللكثير من الحب والحنان. لا شىء يضاهى الوقوف إلى جانب المنكوبين فى الكارثة الطبيعية.

الولايات المتحدة تعمل على ترحيل آلاف الأطفال إلى ولاياتها المختلفة، تفتح المجال أمام العائلات وتسهل لهم تبنى أطفال هاييتى. فرنسا تقوم بذات المبادرة وكذلك هولندا.

بطولات برزت إثر الزلزال. ومتطوعون توجتهم أحداث هاييتى أبطالاً. جيرى ومارلين بيتار طبيبان شقيقان سياميان، يعملان على علاج المصابين والمتضررين من الزلزال مجاناً.. منذ أكثر من أسبوعين وهما صامدان يعالجان دون كلل أو تأفف، وليس لديهما نية فى ترك المكان، بحزم يقول التوأم لمراسل الشبكة الأمريكية: لا، لن نترك هؤلاء وحدهم.

العرب غير موجودين. الكل يمارس بطولات. وحدهم العرب لا علاقة لهم بالبطولة حين يأتى الأمر لخدمة الآخرين مجاناً.

فى هاييتى تطوعت المعالجة النفسية الشابة فرانسواز مارين بمهمة مؤثرة. إذ تجمع الأطفال فى مجموعات فى محاولة لعلاجهم من الصدمات النفسية التى مروا بها أثناء الزلزال، تغنى لهم وتلازمهم طوال الوقت وتهمس بأذن كل طفل وطفلة: لا تخافوا من أى زلزال سأكون معكم.

يبتسم الأطفال الذين كانوا يبكون خوفاً بالأمس، ها هم يضحكون ويقهقهون مع فرانسواز. يصفقون مرددين كلمات لمختلف الأغانى.

فرانسواز تستحق لقب بطلة الإنسانية.

وحدهم العرب غير موجودين.

ممرضات فى ميامى جذورهن من هاييتى يندفعن لعلاج المرضى ولا يزال مصير عائلاتهن مجهولاً لديهن.

وآخرون وآخرون.. وحدهم العرب غير موجودين.

العرب يحبون أن تمتلئ الشاشات والجرائد وكل وسائل الإعلام بمشاهد تصور عذاباتهم وآلامهم. فكيف تسلط الأضواء على منكوبين آخرين اليوم؟ لا وجود للعرب إلا لأمر يتعلق بالقضايا العربية. رغم أن الكارثة حصدت أرواح عدد من الأردنيين كانوا يعملون ضمن قوات حفظ السلام.

العرب يعشقون دور الضحية وطالبى المعونة. تستهويهم أدوار الاستكانة والضعف. تستهويهم دموع الآخرين عليهم. يتجاهلون ما يحدث فى العالم، مبررين كسلهم عن دعم الإنسانية: «كانوا كفرة ونزل عليهم العقاب والزلزال» هكذا يخلصون أنفسهم من أى وجع ضمير. ويتفرغون لأوجاع صنعوها بأنفسهم لاستدرار عطف العالم.

الأمم المتحدة تقول: نأمل فى استجابة عربية. تأمل الهيئة بمساهمة سخية بما يليق وروح التضامن العربى والإسلامى.

تتجه مساعدات عربية. طائرة من هنا. مستشفى ميدانى من هناك. وفيما عدا المساعدات الخليجية التى بلغت فى أقصاها خمسين مليون دولار مقدمة من السعودية، فالمساعدات العربية المقدمة رمزية ولحفظ ماء الوجه. ولشىء يليق بالسمعة الملائكية التى ينشرها العرب عن أنفسهم.

فى الجزء الآخر..

جورج كلونى وحده يتبرع بمليون دولار. ليوناردو دى كابريو وحده يتبرع بمليون دولار. ولائحة طويلة لممثلى وممثلات هوليوود منهم أنجلينا وبراد وساندرا ومادونا ونيكول كيدمان والقائمة طويلة كعادة الأعمال الخيرية الغربية التى لا تفرق فى الأزمات بين ملة أو دين. ولا تولى أى اعتبار لبعد جغرافى أو اختلاف فى الدين والثقافة. تلك هى الزكاة على طريقة ممثلى هوليوود.

يقدم كلونى حفلا غنائيا يشارك به أبرز نجوم ونجمات هوليوود، يستمر الغناء لساعتين وهم يناشدون العالم لدعم منكوبى هاييتى. حينها علق جورج على الحفل قائلاً.. «لدينا الكثير من المسؤولية للاضطلاع بها والالتفات إلى أناس ليس بوسعهم الانتباه إلى أنفسهم».

المتحدث هو ممثل سينما وليس رئيسا ولا وزيراً أو مسؤولا.

بعدها ينظم البطل، الذى نحلم بوسامته جميعنا نحن النساء، برنامجا تليفزيونيا يشارك به حشد من النجوم لدعم هاييتى. النجم لم يعد بطلا سينمائيا وحسب، بل فارس قادم من العصور القديمة. لن نلام بعد الآن إن توجناه أجمل رجل خلق على الإطلاق.

ماذا يفعل فنانو العرب؟ ومتى يتحركون لنجدة أى شىء؟ بل متى يتخلص العرب من الأنانية ويتحركون لخدمة أى أمر لا علاقة له بالعراق أو فلسطين أو أى مصيبة عربية.

لما لا يفكرون باستقبال المنكوبين؟ أقله نقل أطفال هاييتى للأراضى العربية.

Albdairnadine@hotmail.com

نقلاً عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع