الوفد - تقرير يكتبه: محمود غلاب
اتهام الحكومة بالفشل في الحفاظ علي مكاسب ثورة 19 وانجازات طلعت حرب
هل نحن نتقدم إلي الأمام أم نتراجع الي الخلف؟! هذا السؤال وجهته لجنة القوي العاملة بمجلس الشعب والتي يرأسها حسين مجاور رئيس اتحاد عمال مصر الي الحكومة خلال التقرير الذي أعدته اللجنة عن تدهور صناعة الغزل والنسيج في مصر وانعكاساته السلبية علي العاملين في هذا المجال.
ويناقش مجلس الشعب التقرير في جلسته غدا الأحد في حضور الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار وعائشة عبدالهادي وزيرة القوي العاملة.
اللجنة تعرف الاجابة وهي أن الحكومة تتراجع بنا الي الخلف ولكنها أرادت من سؤالها محاسبة المسئولين عن هذا التراجع عندما ألحقت سؤالهما بسؤال آخر وهو ما الذي جعل القطن المصري يفقد عرشه، وتتقلص مساحة زراعته الي هذا الحد الرهيب من مليون فدان سنويا الي 300 ألف فدان فقط.
وقالت اللجنة أن القطن في مصر يرتبط بأبعاد صناعية وتاريخية واقتصادية منذ أن استثمر طلعت حرب المشاعر الوطنية السياسية التي تفجرت مع ثورة عام 1919 ، واستطاع الاقتصادي الكبير أن يترجمها الي قضية استقلال للاقتصاد الوطني في مواجهة الأطماع الاستعمارية التي حاولت أن تبقي علي مصر دولة زراعية، وأن تظل مزرعة تمون مصانع الغزل والنسيج في انجلترا بالقطن المصري المتميز عالميا وازدهرت هذه الصناعة الي أن أصبحت واحدة من أهم ركائز الاقتصاد الوطني وأحد قطاعاته الرئيسية.
فما الذي جري لهذه الصناعة العريقة والسؤال للجنة القوي العاملة، والاجابة كما تقول اللجنة في تقريرها أيضا معروفة.
كما وجهت اللجنة سؤالا مستفزا وهو هل هناك رغبة جادة لدي المسئولين في انقاذ هذه الصناعة كشفت اللجنة من خلال تقريرها المهم أن أولي خطوات تدهور شركات الغزل والنسيج علي اختلاف أنواع ملكيتها بدأت بالاقتراض والاستدانة من البنوك التجارية بفوائد عالية حتي تستطيع تسيير أمورها، وتتمكن من القيام بعمليات الاحلال والجديد والتطوير المطلوبة لماكيناتها ومعداتها، فتراكمت عليها الديون والفوائد وبدأ مسلسل الخسائر.
وثاني خطوة لانهيار الشركات هو تحرير تجارة القطن، فارتفعت أسعاره بما يزيد علي مائة جنيه للقنطار الأمر الذي حمل المنتج أعباء اضافية أضعفت قدرته التنافسية سواء في السوق الداخلية أو الخارجية أمام المنتج الأجنبي المدعوم من دولته فكانت النتيجة تحقيق المزيد من الخسائر التي عمقت الأزمة وزادت من حدتها، وأضعفت القدرة علي تصدير المنتجات النسجية المصرية.
وحاولت الحكومة أن تكحلها فعمتها فقدمت دعماً للمنتج المصري لرفع قدرته التنافسية والتصديرية وبدلا من أن تربط الدعم بالقيمة المضافة علي المنتج المصدر من الانتاج الوطني تعميقاً للصناعة الوطنية إلا أنها قدمته علي كامل الفاتورة لمنتجات أعيد تصديرها مستخدمة غزولا وأقمشة أجنبية سبق استيرادها بنظام السماح المؤقت، فعمقت بذلك من جراح الصناعة الوطنية ودعمت في نفس الوقت المنتج والعامل الأجنبي، وفتحت بالثغرات العديدة في التشريعات المتعاقبة لتشجيع الاستثمار الأجنبي بابا واسعا للتهريب الذي قضي علي البقية الباقية من آمال الصناعة الوطنية.
وقال التقرير أن شركات الغزل والنسيج ظلت تعمل وتنتج وتحقق أرباحا رغم المعوقات التي تقترحها حتي برغم قيامها ببيع بعض المنتجات الشعبية بسعر اجتماعي وتحملها الفرق بين السعر الاجتماعي والسعر الاقتصادي وقيامها كذلك بتسديد ما عليها من ضرائب وجمارك وتأمينات، ثم قيامها بتسليم صافي أرباحها للدولة علي مدي ما يزيد علي 25 عاما الي أن تقادمت وتهالكت ماكيناتها وانخفضت طاقتها الانتاجية وقلت جودة المنتجات، وانخفضت نسبة المساهمات في الصادرات وفي القيمة المضافة.
ورصدت اللجنة محاولات الالتفاف علي القرارين الوزاريين الصادرين في بداية العام الحالي بفرض رسم حماية علي الواردات والغزول القطنية والمخطوطة والأقمشة القطنية كنوع من الدعم والمساندة للمنتجات الوطنية، الا أن هناك من يريد عدم تطبيقها من جانب بعض من لايفيدهم هذان القراران، علاوة علي أن قيمة رسم الحماية تحددت علي قيم ما قبل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية ولم ترع انهيار الأسعار مرة أخري وصار الفارق ضعف رسم الحماية الحالي مما قلل من قيمة القرارين.
وتحدت اللجنة الحكومة وقالت اذا كنا جادين في أن تسترد هذه الصناعة عافيتها وتنمي صادراتها المطلوب تنمية الموارد البشرية ومراجعة النظم الضريبية والرسوم المفروضة علي مستلزمات الانتاج، وتطوير واستخدام سياسة تصنيعية جديدة باضافة التكنولوجيا الحديثة في خطوط الانتاج لزيادة المنتج، ومواكبة الأنظمة الدولية للحصول علي شهادة الجودة، وانتهاج سياسة تحمي هذه الصناعة وتشجعها.
وعرضت اللجنة 17 مشكلة تعتبر من معوقات الصناعة النسجية في مصر منها الارتفاع الكبير في أسعار ومستلزمات هذه الصناعة، والاستخدام غير الاقتصادي للأقطان والغزول المصرية، وعدم استقرار أسعار القطن المصري، وتحول الطلب في الأسواق العالمية والمحلية عن الأقطان الطويلة والممتازة وقصور التسويق، وارتفاع تكلفة الانتاج، واساءة استخدام نظام السماح المؤقت وانتشار ظاهرة التهريب، وارتفاع نسبة الفاقد وخلل الهياكل التمويلية، وغياب السياسات التسويقية، والقصور في التدريب المكثف للعمالة واستعرضت اللجنة الأوضاع الحالية في شركات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة.
وقالت انها تمر بموقف غاية في الصعوبة في ظل انخفاض حصة المصانع المحلية بحوالي 15٪ كل عام.
وأشارت اللجنة الي أن الصالح من الطاقة الانتاجية في خطوط الانتاج بالشركات في حدود 25٪ وعدم توافر سيولة كافية في جميع الشركات مما أدي الي عدم تشغيل الطاقات بالكامل.
وانتقدت اللجنة برنامج الخصخصة وقالت ان مشروع الدولة في خصخصة شركات قطاع الأعمال العام أدي الي توقف الاستثمارات الموجهة لتطوير بعض الوحدات الانتاجية منذ عام 91.
وأكدت اللجنة أن صناعة الغزل والنسيج أصبحت تواجه مشاكل عويصة منها ارتفاع الديون التجارية والاعتماد علي القروض في تمويل المشروعات مما أدي الي تزايد التراكم الرأسمالي في هذه الصناعة والذي تمثل في تزايد الآلات والمعدات دون أن ينعكس ذلك علي ارتفاع الانتاجية وارتفاع قيمة المخزون، كما أدي ارتفاع القروض الي ارتفاع قيمة الفوائد المدنية.
وضربت اللجنة أمثلة بشركة مصر حلوان للغزل والنسيج التي اقترضت من البنوك في أواخر الثمانينات وانتهي بها المطاف الي تورطها في خسائر وأسفرت الخسائر عن تناقص اعداد العاملين بها من 24 ألفاً الي ٤ آلاف فقط ويجلس نصفهم في منازلهم ويتقاضون رواتبهم منذ أكثر من 10 سنوات.
وشركة القاهرة للمنسوجات الحريرية بشبرا الخيمة والتي كانت من الشركات الناجحة ويعمل بها حوالي 6 آلاف عامل واقترضت من البنوك حوالي 40 مليون جنيه، وتراكمت عليها الديون والخسائر وتم تصفيتها وشركة القاهرة للصباغة والتجهيز وكان يعمل بها ٥ آلاف عامل وتم تصفيتها.
وتوصلت اللجنة الي أن المشكلة الأولي التي تواجه الصناعة النسجية هي عدم استقرار السياسة القطنية، مما دفع المستثمرين الي التهديد بالابتعاد عن الاستثمار في هذه الصناعة لأن الحكومة تتدخل مرة لصالح المزارع ومرة أخري لصالح الصناعة والمصانع، وأن الأمر الجدير بالبحث هو ضرورة ايجاد التوازن الذي يحقق مصالح المزارعين والمستثمرين والمشاكل الثانية والثالثة والرابعة عدم قدرة المنتج المصري علي المنافسة والتهريب والانعكاسات السلبية لتوجه الحكومة لخصخصة صناعة الغزل والنسيج.
وذكرت اللجنة أن اتجاه الحكومة في عام 91 لخصخصة صناعة الغزل والنسيج أدي الي احجامها عن ضخ أي استثمارات في الشركات للاحلال والتجديد، وتركت هذه المهام للملاك الجدد وأدي البطء في عملية البيع الي ما يقرب من 18 عاما الي بيع 7 شركات فقط وتدهورت الأوضاع في الشركات التي لم يتم بيعها وفقد بعضها ما يقرب من 50٪ من طاقتها الانتاجية.
والآفة الأخري التي ركزت عليها اللجنة هي الجمارك وأكدت أن التعديلات الأخيرة للجمارك أحدثت قدرا كبيرا من التخوف لدي المعنيين بصناعة الغزل والنسيج علي اعتبار انها وجهت ضربة في الصميم لصناعة الغزل والنسج ستفقدها القدرة علي المنافسة، وتهدد باغلاق العديد من المصانع وتشريد ما لا يقل عن 600 ألفا عامل وتقدر الخسائر المبدئية بحوالي ٣ مليارات جنيه وتهديد استثمارات بحوالي 40 مليار جنيه.
وقدمت اللجنة توصيات لانتشال صناعة الغزل والنسيج عن عثرتها منها تفعيل دور صندوق دعم الحاصلات الزراعية لدعم الفلاح وتشجيعه علي زراعة القطن وتحديد سعر مجز، والاعلان عنه في الوقت المناسب ووضع خطة شاملة لاعادة تأهيل وهيكلة شركات الغزل والنسيج وضخ استثمارات جديدة في الشركات لتحديث وتطوير معداتها وايجاد مصادر لتمويل المنشآت الصناعية النسجية، وتشجيع الشركات علي الاندماج مع بعضها أو مع القطاع الخاص، واعادة النظر في نظام المعاش المبكر لتلافي الآثار المدمرة علي المجتمع، ومكافحة عمليات التهريب ومكافحة الاغراق، ومنح حوافز للمصدرين واعادة النظر في الأعباء الضريبية والرسوم.
http://www.copts-united.com/article.php?A=1345&I=36