بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
من الأخطاء ما يمكن معالجته حين يتم تصحيحه فى وقت مناسب، ومنها ما قد لا يسهل تداركه فى أى وقت. وقد وقع نظام ثورة ٣٠ يونيو خلال الشهور الماضية فى جملة أخطاء يعتبر معظمها حتى الآن مما يمكن تداركه. ومن أهم هذه الأخطاء وأخطرها استسهال بعض المسؤولين فى هذا النظام اللجوء إلى خطاب يخلط السياسة بالدين فى بعض المناسبات، بالمخالفة للمادة ٧٤ من الدستور الذى كانت عملية إعداد مشروعه جارية حين وقع هذا الخلط مرات.
ولعل إصدار الدستور، الذى تدل مؤشرات نتائج استفتاء الثلاثاء والأربعاء على تأييد واسع له، يكون بداية النهاية لذلك الخلط إذا أردنا كسب معركة المستقبل، وليس فقط مواجهة الإرهاب وغيره من التهديدات المترتبة على ممارسات تنظيم «الإخوان» وحلفائه.
فما زال المنهج المتبع فى مواجهة هذا التهديد يعتمد على مزيج من العمل الأمنى والدعاية التى يخلط بعضها السياسة بالدين. فقد أعاد نظام ثورة ٣٠ يونيو إنتاج هذا المنهج الذى لجأ إليه نظام ثورة ٢٣ يوليو عندما لجأ إلى خطاب سياسى معيب يسعى إلى تأكيد أن «دين الدولة» أفضل من «دينهم»، أو أن الدولة هى التى تعبر عن صحيح الإسلام الذى انحرف عنه «الإخوان». وكان هذا الخطاب قد بدأ منذ أن تقرب الرئيس الأسبق أنور السادات من «الإخوان» واستمر فى الوقت الذى فتح لهم خلفه حسنى مبارك أبواب المجتمع ليتمددوا فيه مقابل عدم اقترابهم من سلطته. وعندما يستمر خطاب سياسى معين لفترة طويلة، يكتسب طابعاً نمطياً ويحدث تعود عليه ولا ينحسر تلقائياً حتى إذا جد ما يفرض مراجعة جوهرية له.
وقد صارت هذه المراجعة واجبة الآن. فهذا الخطاب يرتبط بمنهج لا يساعد على كسب معركة المستقبل التى تتطلب دولة وطنية حقاً تحترم الأديان وتحافظ عليها دون أن تتلاعب بها أو تخلطها بالسياسة. وليست مصادفة أنه لم يُحقق التقدم فى عالمنا إلا هذا النوع من الدول.
كما لا يفيد هذا المنهج فى مواجهة الإرهاب، بل على العكس قد يوفر بيئة مناسبة له بما يؤدى إليه من قولبة ذهنية تسَّهل انتشار التطرف. فكأن من يلجأ إلى هذا المنهج إذن يتطوع بأن يلعب على ملعب «الإخوان» وغيرهم ممن يحترفون استخدامه بل يعتمد وجودهم أصلاً على خلط السياسة بالدين.
ولذلك ينبغى أن يتزامن العمل بالدستور الجديد مع مراجعة جادة من جانب نظام ٣٠ يونيو لهذا المنهج وتغيير الخطاب الذى يخلط السياسة بالدين وعندئذ ربما تكون المفارقة المثيرة- التى ظهرت عند استخدام هذا الخلط لترويج دستور ينص على حظره- هى الأخيرة من نوعها.
فقد توسع نطاق خلط السياسة بالدين فى الخطاب الرسمى خلال فترة الترويج للدستور، وبلغ ذروته فى الأيام السابقة على استفتاء الثلاثاء والأربعاء الماضيين، حيث سمعنا ما يُدهش عندما ربط مسؤولون فى الدولة وسياسيون قريبون منها بين حلول ذكرى النبى محمد صلى الله عليه وسلم وبدء الاستفتاء فى اليوم التالى لها. وأضاف آخرون، ضمن مزايا الدستور، حلول عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام قبل أسبوع فقط على بدء الاستفتاء عليه، رغم عدم وجود أى علاقة بين رسولى الإسلام والمسيحية والدستور المصرى.
وإذا كان جائزاً فهم أن يخطئ وزراء وسياسيون من باب التعود فيخلطون السياسة بالدين فى بداية مرحلة نتطلع فيها إلى وضع حد لهذا الخلط وغيره من الأخطاء، فقد كان واجباً على الرئيس المستشار عدلى منصور أن يتوخى الحذر حتى لا يبدو أنه يمضى فى الاتجاه نفسه فى كلمته بمناسبة مولد النبى محمد عليه الصلاة والسلام. فقد ربط دون مبرر بين انتخاب مجلس النواب القادم ومبدأ الشورى الإسلامية، وقال: (سيكون لمصر مجلس نيابى يحقق مبدأ الشورى الإسلامية بشكل عصرى) وحتى الرئيس الذى سيُنتخب قال عنه إنه (سيستلهم هدى الرسول وسيرته).
فلا يصح أن يستمر هذا الخطاب الذى يستسهل بعض علماء الدين، وغيرهم، اللجوء إليه رداً على ما يردده تنظيم «الإخوان» وحلفائه. ولا مجال للعبور حقاً وصدقاً إلى المستقبل إذا بقى هذا الخطاب وكل ما يعبر عن خلط السياسة بالدين شائعاً فى المجال العام، بعد إصدار دستور يمنعه بوضوح لا التباس فيه.
وليتنا لا ننسى أن تنظيم «الإخوان» تمدد خلال العقود الماضية لأسباب من أهمها أنه تمكن من دفع الدولة إلى اللعب على ملعبه والتعامل معه بمنهجه. فكان خلط السياسة بالدين فى خطاب الدولة الرسمى وممارساتها بمثابة رصيد يُضاف إلى حسابه إلى أن وقعت هذه الدولة كلها بين يديه أو كادت.
فلنصحح هذا الخطأ اليوم وليس غداً، ولنخض معاركنا على ملعب الوطن وليس على غيره.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=134008&I=1782