حنا حنا المحامي
بقلم: حنا حنا المحامي
إجتاح العالم غضبة عارمه من كل التجمعات المسيحيه فى جميع أنحاء العالم. لم يكن هذا الغضب بسبب مذبحة نجع حمادى فحسب, بل كانت تلك المذبحه بمثابة الضربه (لا القشه) التى قصمت ظهر البعير.
وتتميز تلك الغضبه بأن رجال الكهنوت اشتركوا فيها دون تردد بعد طول صبر واحتمال للمؤامرات الاجراميه التى ترتكب فى حق الاقليه المسيحيه فى مصر.
ويلاحظ على هذه الغضبه والمظاهرات والمسيرات التى اجتاحت العالم بما فيها مصر قد تمت فى نظام رائع وفى سلم أروع. لم يحدث انفعالات تعبر عنها ألفاظ نابيه, لم يحدث تدمير أو تخريب أو أعمال فوضويه أو أعمال عنف, بل كانت كلها ثورات حضاريه تعبر عن الغضب والاسى. فقد قام الكهنوت بترديد أوشية الموتى (أى صلاة الموتى) على روح الشهداء, وبعضا من صلاة الجمعه الحزينه التى صلب فيها السيد المسيح. وكانت تلك المسيرات معبره باسلوب احترمه كل الاجانب.
وإجمالا عبرت تلك المسيرات عن سمو الخلق المسيحى. حين قطع بطرس أحد تلاميذ المسيح بالسيف أذن عبد رئيس الكهنه قال له السيد المسيح, "رد سيفك ألى مكانه لأن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون, أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب ألى أبى فيقدم لى أكثر من إثنى عشر جيشا من الملائكه, فكيف تكمل الكتب ... ثم أعاد أذن العبد ألى مكانها ؟" وهكذا كانت المسيرات تعبر عن تلك الروح, روح السلم والسلام. سمو فى الفكرو سمو فى الاسلوب, وسمو فى السلوك.
ومما يدعو إلى الاسى حقا هو موقف السلطات من تلك الازمات والاعتداءات العنصريه والطائفيه. هؤلاء الساده المفروض أنهم مسئولون عن أمن وسلامة كل من يقيم على أرض مصر. ولكن نظامنا المبجل يخاف ولا يستحى مع شديد الاسف. فمثلا إن مولد أبو حصيره يؤمه المئات بل الآلاف من اليهود فى مصر, ولكن لا يجرؤ أى إنسان على التعرض لهم أو الاعتداء عليهم. ذلك أن الدوله التى تضطهد المسيحيين المقيمن على أرضها لأنهم أقليه, لا تجرؤ على الاعتداء على إسرائيلى واحد لأن دولتهم يخشون بأسها. يا لها من شجاعه وشهامه.
والادهى والأمر أنهم يصفون تلك الاعتداءات أوصافا يغلفها اللف والدوران. شبهة اعتداء من شاب مسيحى على فتاه (لم يتحقق صدقها). تكون النتيجه أن يقتل والد الشاب, ويدمر عشرات المحلات وتحرق المنازل والسيارات للمسيحيين فقط, ثم يقال إنها حادثه فرديه. لم يكن المعتدى عليهم أقارب الجانى أو عائلته, لم يكن المعتدى عليهم مشتركين مع الجانى, لم يتم التحقق من صحة الاعتداء, ثم يقال إنها حادثه فرديه. كل هذا العدوان وهؤلاء الضحايا وكل ذلك الخراب والتخريب للأبرياء, ثم يقال إنها حادثه فرديه. السبب فى ذلك أنه لم يعد هناك للإنسان المصرى أى كرامه أو إحساس بالاخلاق والقيم فيلجأ إلى الكذب المكشوف الذى يؤكد روح الطائفيه أكثر من أن ينفيها.
وبالمثل فإن حادثة نجع حمادى ادعى رئيس مجلس الشعب, ولا فخر, أنها حاله فرديه وليست حاله طائفيه. وشر البلية ما يضحك, فقد استند أستاذ القانون, رجل المنطق القانونى, أن حادثة فرشوط التى تبعد عن نجع حمادى ثلاثين كيلومتر "والتى ارتكبت منذ شهرين" هى السبب فى عدوان نجع حمادى. وقد كان كريما وصادقا لأنه لم يدّع أن حادثة الاسكندريه منذ خمس سنوات هى السبب فى عدوان نجع حمادى. وللأسف نرى رئيس مجلس الشعب يصر على هذا القول الذى لا يوصف بأقل من أنه ممجوج.
وقد تبلدت القيم والاخلاق حتى أن أحد كبار المسئولين فى أوروبا قال لى إنهم "كذابون". ولو كان هؤلاء المدعون بالكذب يشعرون بشئ من الاخلاق أو القيم لما ترددوا فى أن يتركوا أماكنهم لمن يتمتع بشئ من الاخلاق والصدق.
إن الدول التى تحترم نفسها لا يتردد أى مسئول, بل لا يملك أى مسئول, إلا أن يستقيل أو يترك مكانه إذا ما ثبت كذبه.
إن ما أبدته الدكتوره جورجيت قلينى المفروض أنه شئ عادى إذ أنها لا تقول إلا بما تؤمن به وبما شاهدته وما تفرضه عليها الامانه الخلقيه, أى أنها تقول الصدق. ولكنها شعاع من نور فى وسط ظلام دامس, ظلام من الاخلاق, ظلام من القيم وإذا كان النور يبدد الظلام إلا أن الظلام السائد أحلك من أن يبدده شعاع من النور.
تقودنا هذه الحقيقه ألى حقائق أخرى. ما هو السبب الذى يدفع بدوله ومسئوليها المفروض أنهم محترمون إلى مثل هذه المواقف الشائنه والتى يدركها المتعصب قبل المنصف؟ الأجابه بكل بساطه, إنها سياسة الدوله ضد المسيحيين.
فإذا كان الهدف لا أخلاقى, فإن كل القيم تنهار وتتداعى ومن ثم تكون كل السلوكيات لا أخلاقيه. وأى منصف يقول دون تردد أن هذا هو ما وصلنا أليه.
إن عدد الاعتداءات على المسيحيين فى العشرين سنة الاخيره تجاوز مائه خمس وستين اعتداء. ثم يقال بكل بجاحه إنها حاله فرديه. الاعتداء على الكنائس حاله فرديه, الاعتداء من المسلمين على المصلين لأنهم ارتكبوا جريمة الصلاه حاله فرديه وليست طائفيه, الاعتداء على المصلين فى الكنائس من مسلم, حاله فرديه لأن الجانى متخلف شأنه شأن من ينشر هذا الهراء, هدم وتخريب أملاك المسحيين فى ديروط حاله فرديه وليست طائفيه, نفس الجرائم فى فرشوط, حاله فرديه وليست طائفيه. منطق ولا حتى من يدعيه مقتنع به بل يقصد أن يتفوه بما يحط من قدره ليس إلا.
وقد وصل التدهور ألى مهنة المحاماه النبيله. هناك مبدأ يقول "القضاه هم القضاء الجالس, والمحامون هم القضاء الواقف". لذلك فهذه المهنه , مهنة المحاماه هى من أنبل المهن التى عرفتها البشريه, إن لم تكن أنبلها. ذلك أن المحامى مع القاضى يحققان العداله.
هذا المبدأ النبيل انهار مع انهيار كل المثل النبيله. نقابة المحامين الفرعيه فى قنا تمتنع وتمنع المحامين فى المحافظه من الدفاع عن متهم اسمه "جرجس". متهم بالاعتداء على طفله مسلمه طبعا. من المبادئ القانونيه المقرره أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته. إلا أن نقابة قنا الفرعيه مبدأها أن المتهم مدان حتى تثبت براءته. إن التعصب حين يصل الى العداله تنهار كل القيم الاخلاقيه ذلك أن أى مجتمع بدون عداله هو مجتمع منهار, مجتمع غوغائى, ليس له من الاخلاق نصيب ولا من الضمير ظل. إن نقابة محامى قنا بموقفها هذا أعلنت عن نفسها أنها لا تصلح أن تكون أمينه على رسالتها. فإذا كان المحامون مغرضون فلا يجوز لهم أن يطالبوا القضاه بالعداله. بل إن هذا الموقف الشائن يجردها من مهنة المحاماه النبيله لأنها حكمت قبل القضاء وأخلت إخلالا جسيما بمهنتها ورسالتها. ولو كانت هذه النقابه فى دوله تحترم نفسها وتحترم القانون لأقيل أعضاء تلك النقابه الفرعيه من النقابه تماما.
على أى حال لا يزال الامل معقودا على القضاء والقضاه فى الاتهام الموجه ألى جرجس ونأمل أن تكون معايير العداله هى رائدهم وهداهم ونبراسا لهم أمام الله. ونأمل من قضائنا أن يعمل على إنقاذ مصر من وهدتها من خلال رسالتها. والله المستعان.
نصيحه خالصه أقدمها للمسئولين فى مصرنا المحروسه. دعوكم من الاسلوب الغوغائى الذى لن تكسب مصر منه سوى الخراب. دعوا الدين للديان وكفاكم إساءه إلى الاسلام. لأن العواقب يمكن أن تكون أوخم مما تتصورون. وإذا كنتم تخافون المتطرفين (وهذا فرض جدلى) فاتركوا بشجاعه مقاعدكم لمن لا يخاف. أما إذا كانت هذه هى سياسة النظام الغير أخلاقيه فثقوا إن ربك لبالمرصاد من الظالمين.
فدولة الظلم ساعه ودولة العدل حتى قيام الساعه, والله يمهل ولا يهمل رغم معتقداتكم الخاطئه.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=13003&I=331