ميرفت عياد
تحقيق: ميرفت عياد - خاص الأقباط متحدون
بدأت أحداث الفتنة الطائفية تتكرر بدءًا من حادث الخانكة عام 1972، ومرورًا بحادث الزاوية الحمراء 1981، ثم قرية الكشح 2000، ثم تلاها أحداث الأسكندرية 2006، التي قام فيها أحد المسلمين، وهو محمود صلاح الدين، بمهاجمة ثلاث كنائس الواحدة تلو الأخرى، مما أدى إلى مصرع شخص واحد وجرح 6 آخرين، ثم تلاها أحداث فرشوط، وأخيرًا أحداث نجع حمادي، التي راح ضحيتها سبعة أشخاص، والحقيقة أن هذه الحوادث تتكرر بصفة مستمرة، ونكاد نقول إنه منذ عام 1972 حدثت مئات الحوادث الطائفية المعلنة وغير المعلنة، الكبيرة والصغيرة، وفي كل مرة تتم معالجة المسألة بنفس الطريقة.. على طريقة دفن الرؤوس في الرمال، دون البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا الاحتقان الطائفي، ومحاولة علاجه جذريًا بهدوء وليس إغلاق الجراح على ما فيها من صديد، لذلك لا بد من الاعتراف بأن هناك فعلاً أزمة في العلاقة بين المسلمين والاقباط، وهذه الأزمة حقيقية لابد من مواجهتها عبر فتح هذا الملف بشفافية وصراحة لمعرفة حقيقة ما يعتبره الأقباط مشاكل لهم والسعي لحلها، إننا أمام تكرار لسيناريو واحد يختلف في طبيعته وفق طبيعة الحدث، فهناك سبب مفجر متصل عادة بما يعتبره أحد أطراف المواجهة مسلمين أو مسيحيين مساسًا بدينه، ثم شائعات تكبر ككرة الثلج، وهو ما يستدعي انخراط أعداد كبيرة في العنف الذي يأخذ طابعًا طائفيًا، وأخيرًا تعجز أجهزة الدولة عن حصار المشكلة قبل تفاقمها وتركها للأمن الذي يفتقد لحسن التقدير والتقييم، لذلك الأحضان والقبلات واللقاءات التليفزيونية وحفلات الإفطار الرمضانية ولقاءات أعياد الميلاد وأعياد القيامة لم تعد تجدي، والشارع المصري يغلي من الغضب الذي يُفرز العنف في جميع صوره بين المسلمين والاقباط، بحيث تتحول أي مشادة أو شجار بين أحد هؤلاء الأطراف إلى مذبحة يدفع ثمنها الأبرياء.
الغضب طاقة عنيفة تتفجر في أي لحظة
والحقيقة قبل أن نفتح ملف العنف الطائفي، نريد أن نحلل أولاً ظاهرة العنف التي أصبحت منتشرة في مجتمعنا المصري بجميع فئاته وأعماره المختلفة، لذلك التقينا مع دكتور"لطفي الشربيني" استشاري الطب النفسي الذي قال: إن العنف ظاهرة مركبة ومتعددة المستويات، يختلط فيها البعد النفسي الذاتي بالأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فالعنف في بُعدِه النفسي ليس جديدًا، فقد لازم الإنسان منذ البداية، لأنه أحد مكوناته الشخصيه، فهو الذي يدفع الإنسان إلى المنافسة في أغلب ميادين الحياة وإلى تجاوز ضعفه، وهذا هو البُعد الإيجابي والحيوي للعنف عند الإنسان. أما البعد العدواني، فيأتي من تحول هذه المُسلمة النفسية الحيوية إلى سلوك عنيف مدمر، وهنا يأتي دور المؤسسات الاجتماعية المختلفة لتوجيه هذا العنف ليساهم في بناء الفرد والمجتمع معًا، لأن من شأن عملية التنشئة الاجتماعية أن تعلِّم الفرد تصريف انفعالات الغضب بشكل إيجابي طالما أن هذا الشعور هو من المشاعر الإنسانية العادية التي تؤدي وظيفة حيوية مثل دفع الأذى أو عدم القبول به.
واشار دكتور "لطفي الشربيني" إلى أن هناك العديد من المثيرات التي تدفع الشاب لممارسة السلوك العنيف، منها عدم الثقة بالنفس وشعور الشاب بالفشل من تكرار التجارب غير الناجحة، سواءً كان هذا على مستوى العمل، من حيث انتشار البطالة، أو على المستوى العاطفي، من حيث عدم قدرته على تحقيق الارتباط بالفتاة التي يرغبها، فكل هذا يولِّد لديه شعورًا بالعجز والإهانة، مما يُسهِّل هذا الشعور بالغضب الذي تستغله بعض الجهات في توليد طاقة عنيفة تنفجر في أي لحظة مؤاتية.
الفكر الاستقطابي .. وضعف القيادات السياسية
أما بالنسبة لانتشار ظاهرة العنف الطائفي، يرى "دكتور محمد المهدي" استشاري الطب النفسي أن هذا الانتشار له أسباب عديدة يجب تحليلها لنستطيع علاج تلك الظاهرة التي تتفاقم يومًا بعد يوم، ومن هذه الأسباب تنامي نزعات الفكر الديني الاستقطابي الذي يرفض الآخر أو يلغيه أو يُكفِّره ويُعاديه سرًا أو علنًا، وهذا الفكر قد يكون موجودًا منذ زمن طويل لدى فئة قليلة من الطوائف والأديان المختلفة التي عاشت على أرض مصر، ولكنها لم تكن تشكل توجه نسبة كبيرة خاصة بين الشباب، وهذا يرجع إلى وجود قيادات دينية على الجانبين تتبنى الفكر الاستقطابي وتغذيه لدى الشباب, وتستغل كل الأحداث والظروف لتأكيده, ومع الوقت أصبحت هذه القيادات الدينية تمثل بؤرًا للاستقطاب الديني يلتف حولها الشباب ويلجأون إليها في وقت الشدائد والمحن فتمنحهم الرعاية والحماية, فيتأكد لديهم مفهوم الانتماء الطائفي المستقطب, ويشعرون بالأمان في كنفه.
ويُزيد من المشكلة ضعف القيادات السياسية والوطنية، هذا إلى جانب ضعف الانتماء الوطني العام، فنتيجة للظروف السياسية التي اتسمت بالجمود والميل للاستبداد وفقدان الأمل في التغيير, والظروف الاقتصادية التي اتسمت بصعوبات الحياة أمام غالبية الشعب وانعدام فرص العمل وانعدام الأمل أمام الشباب, والظروف الاجتماعية التي اتسمت بتفشي القيم السلبية مثل الرشوة والفساد والوساطة والإهمال والتسيب, كل هذا أفرز حالة هي مزيج من الغضب المكتوم والسلبية واللامبالاة والتراخي والكسل والمشاعر السلبية تجاه كل شيء وفقدان الحلم وانعدام الأمل في المستقبل, وحالة من العدوان السلبي تجاه الوطن وتجاه الناس وتجاه الشخص ذاته, كما لم يعد هناك شخصيات وطنية تغري بالحب أو الاقتداء، سواءً على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
غياب النظام الديموقراطي .. وانتشار القيادات التحتية
ويؤكد "دكتور محمد المهدي" أنه في حالة ضعف الانتماء الوطني العام وغياب الهدف القومي الذي يسعى من أجله الجميع, وغياب القيادة السياسية التي يشعر الجميع بحيادها ونزاهتها وعدلها وحبها, وغياب النظام الديموقراطي الذي تجد كل الفئات والطوائف نفسها ممثلة وفاعلة فيه, في ظل كل هذا تتكون قيادات تحتية تعمل بديلاً للقيادة العامة الغائبة أو الضعيفة, وتبدأ حالة تكوين المجموعات والجماعات التحتية, تحت قيادات متعددة لا رابط بينها ولا تنسيق, وهنا تبدأ الانشقاقات والتصدعات في المجتمع، ولعل هذا ما حدث ويحدث في مصر في السنوات الأخيرة، حيث ضعف الانتماء الوطني العام واتجه جانب كبير من شباب المسلمين نحو جماعاتهم الدينية وأمرائهم ومرشديهم, واتجه شباب الأقباط إلى الكنيسة, وأصبحت هذه الانتماءات البديلة هي الأقوى والأكثر تأثيرًا، بدليل احتشاد الشباب القبطي في الكنائس مع أي مشكلة تواجههم، ودفاع البابا عنهم لدى الدولة وكأنهما طرفان متصارعان, وأيضًا تجمع عدد غير قليل من الشباب المسلم حول قيادات دينية لها مصداقية وتأثير عليهم أكثر من الدولة، هذا الوضع خلق حالة من التقسيم غاب عنها الدور الناضج والمحايد والعادل والراعي للدولة, وهو آخذ في الازدياد مع الوقت في ظل الإصرار على الحالة السياسية الراهنة بمشكلاتها وعيوبها وجمودها وتشبثها بالسلطة وتحايلها من أجل البقاء بأي ثمن حتى ولو كان سلامة الوطن.
العنف الطائفي ... والتربية في الأماكن المغلقة
بينما يرى "دكتورميشيل حليم" أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة حلوان أسبابًا أخرى لانتشار ظاهرة العنف الطائفي، منها التربية في الأماكن المغلقة وضعف الدور التربوي للمدارس, لذلك انتقلت عملية التربية إلى الغرف المغلقة في المساجد والكنائس, وأصبح غير معروف ما يُقال في هذه الأماكن للشباب, ولكن من الواضح أن هناك عمليات تسخين وتحفيز تجرى على الجانبين، نرى آثارها حين تظهر أي مشكلة في صورة شباب غاضب وناقم ومتحفز ومستقطب، هذا إلى جانب التغطية على المشكلات وتجنب مواجهتها، فما من شك أن هناك مشكلات يعانيها الشعب ككل، سببها غياب الحريات الحقيقية وضعف الأمل في تداول السلطة, وحالة الصمم السياسى أمام المطالب الشعبية, وحالة العناد السلطوي, وحالة البطالة والفقر, وتفشي الفساد بشكل مرعب, كما أن هناك مشكلاتٍ تخص عنصري الأمة، كلٍّ على حدة, وهذه المشكلات تحتاج للمناقشة الجادة ومحاولات الحل الصادقة ووتحتاج للثقة بين جميع الأطراف، وتحتاج للتفكير من خلال المصلحة الوطنية وليس من خلال البحث عن مكاسب فئوية أو طائفية أو من اخلال استغلال ظروف محلية أو دولية. وأكد على أن من الخطر أن نكتفي بالحلول التليفزيونية، وبالأحضان والقبلات بين القيادات الدينية في المناسبات المختلفة, فهذا يشكل غطاءًا خادعًا يُخفي النار تحت الرماد لنفاجأ باشتعالها فجأة.
تأخر الأحكام القضائية في المنازعات الطائفية
ولعلاج ظاهرة العنف الطائفي، تقول "رضوى محمد" (محامية): يجب الفصل في القضايا الطائفية بسرعة وبشكل عادل ليأخذ كل ذي حق حقه، لأن العقاب السريع وتبسيط إجراءات التقاضي مع الأخذ في الاعتبار أركان القضية، لا يُعطي الإحساس بالشعور بالظلم، فيجب أن يكون هناك احترام للقانون ويطبق على الفقير والغني، مما يحد من الجريمة, فيجب التغلب على عملية تأخر الأحكام القضائية خاصة التي بها عنف وجرائم ومنازعات طائفية.
وتقترح"رضوى" أن تقوم الدولة بتكوين لجنة من الحكماء المعروفين بوطنيتهم واستقلالهم, تكون وظيفتها دراسة ومناقشة الأوضاع المتأزمة بين الفئات والطوائف المختلفة ووضع الحلول الحقيقية والمقترحات لها ومتابعة تنفيذها، هذا بالإضافة إلى الإسراع في الإصلاح السياسي على كل المستويات دون تأجيل، بحيث تتحقق تعددية سياسية حقيقية تستوعب كل التيارات والطوائف بشكل يسمح للجميع بالتعبيرعن مشكلاته وطموحاته ومصاعبه وآماله، ووبهذه المشاركة يستطيع الجميع أن يساهم بشكل حقيقي في بناء هذا الوطن، وبذلك لا يشعر أحد أنه مهمش أو مستبعد، وأخيرًا يجب أن نتذكر أننا جميعًا أبناء وطن واحد, وإذا لم نعمل جميعًا لصالحه ومن أجل سلامته، فسندفع جميعًا ثمنًا باهظًا.
http://www.copts-united.com/article.php?A=12851&I=328