د. عاطف نوار
بقلم: عاطف نوار
لماذا يحتاج قول الحق إلي جرأة ؟ و لماذا يُمتدح قائله من الله و من حكماء خلقه؟
إن حقيقة الحق فى زمننا هذا غالبا لا تكون سارة و في الأغلب تكون مُرّة و الغالبية تكون لاذعة.. فالحقيقة هى منظار ثاقب يتوغل داخل النفس كاشفا نواياها بلا مواراة معلنا سلوكهابلا تجميل ... لهذا فالحق محزن مخجل للملتوي بل و مخيف له... يجتهد أن يتوارى منه مستترا بظلمة الكذب و الإنكار هربا من قوة ضيائه ..لذلك قال الكتاب المقدس " أية شركة للنور مع الظلمة " ( 2 كو 6 : 14 )... هذا الشخص الملتوية طرقه هو إنسان شرير صديق للشيطان يشاركه مهاراته في الظلم و الكذب و السرقة و الطمع و سائر ألوان الشرور .. يجبن في مواجهة الحق ويرتعب عند المثول امامه و كأنه قزم ذليل أمام عملاق جبار... هذا الشخص يمتلأ قلبه بالخوف و يتملك نفسه الجُبن .. لايطيق رؤية من يقول له الحقيقة بل و يتمني الفتك به لو استطاع ليخرسه و يظل متواريا متخفيا هاربا من سهام الحقيقة النافذة... يتسلح بالبطش و العنف و المال.. و السلطة لو أمكن.. ليخمد لهيب الحقيقة قبل ان يحرقه و يطفأ نورها الوهاج قبل ان يفضحه.. و التاريخ عامر بملوك و عظماء جبابرة كانوا يرتعبون من الحق و قائله رغم سطوتهم و جبروتهم.. و بلغ جبنهم و جذعهم أمام الحقيقة أن أبادوا و قتلوا شجعانا قالوا الحق.. و لعل هيرودس الملك العظيم لخير مثال فلم يستطع مواجهة سهام الحقيقة التي أطلقها يوحنا المعمدان فقطع رقبته هروبا من الحق.. كما ذخر التاريخ الحديث بمواقف هزيلة لأعظم الدول الإستعمارية أمام جرأة مجموعات المناضلين العُزل الذين نددوا بالإستعمار مطالبين بحق بلادهم في الحرية .. هذه الدول وقفت عاجزة أمام تلك الجرأة فزجت ببعضهم في السجون و أعدمت البعض الآخر أملا في إسكات صوت الحق المدوي ... لهذا كله و ذاك كان و لا يزال قول الحق يحتاج إلي جرأة ... جرأة لاتخاف البطش ... جرأة لاتهاب السلطة ... جرأة تمد حاملها بصلابة لا تنثنى أمام العنف ... جراة تضع إغراءات المال موطئ قدميها... من هنا كان قول القديس الفليسوف أوغسطينوس " جلست علي قمة العالم عندما أصبحت لا أخاف شيئا و لا أشتهى شيئا "... لذلك فالله يحسب قائل الحق عنده في منزلة الشهداء لأنه شهد للحق..... قد يصاب اصحاب المبدأ و محبى الحقيقة بخوف من بطش الملتويين أو بضعف أمام إغراء المال و الجاه و قد نسوا أن الله الحق قادر أن يقى و يحمى بل و يرفع عبيده المتكلين عليه إذ " لأن الرب إله الحق طوبى لجميع منتظريه " ( أش 30 : 18 ) .. كما أنه هو" الذى يعطى القدرة لإصطناع الثروة " ( تث 8 : 18 ) .
إن الله هو الحق.. و المتكلم بالحق هو انسان يسكن الله في قلبه و هذا هو سر قوة الحق .. في حين أن الإنسان الحائد عن الحق هو حليف للشيطان يطيعه و ينفذ خططه ... لذلك يقشعر الشيطان الذي بداخله من الله الساكن في قائل الحق بل و يحاول إسكاته و مقاومته .. من هنا جاء الصراع بين قائل الحق و الملتوى.. و من هنا نكشف سر فوز الحق الساحق الماحق دوما .. لذا فالله يمدح قائل الحقيقة لأنه إنسان مطيع له منفذ لوصاياه محتمى به ... ولعل يوحنا المعمدان مثلا واضحا امامنا فقد فاز بمديح مخلصنا له بقوله الفريد أنه " أعظم مواليد النساء "... ليس الله فقط بل أيضا الناس يمتدحون و يحترمون قائل الحق ومبرز الحقيقة و يجلون جرأته و شجاعة قلبه المتكل علي إلهه الحق.
لذلك أدعو قارئي الحبيب للتمسك بالحق منهجّا و التكلم بالحقيقة لغةّ ليكون له الفوز نهاية.. أن يقول الحق رغم أية ضغوط أو حتي مجاملات " فينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس "( أع 5 : 29 )... فالإنسان الذي يوارى الحقيقة و يتجاهل الحق إما أنه يجامل أحدا طلبا للتقدير الأدبى أو يداهن آخر و يتملقه سعيا وراء كسب مادى... هذا الإنسان ذو شخصية مهلهلة هشة.. منافق.. سلوكه ملتوى ..غير راسخ فى مبادئه.. مُثُله جوفاء سطحية لاقيمة لها عنده بل و ليست للإستخدام يدخرها فقط للعظات فى المناسبات وبعدها تتلاشى كالعصافة التى تذريها الريح عن وجه الأرض .. فكما أن قائل الحق جدير بالإحترام و التقدير فإن الحائد عنه و من يشاركه لا يستحقون إلا الإزدراء و التحقير.
إن طريق الحق قصير مريح لأنه مستقيم وأما طريق التضليل فطويل مرهق لأنه ملتوى .. من هنا جاء القول أن " الصراحة راحة ".
إن صوت الحق لايرتفع باللسان فقط بل بالعمل ايضا ... إذ وصف الكتاب المقدس الإنسان " المتكلم بالحق في قلبه " أنه " لايتزعزع إلي الأبد " ( مز 14 ) .. و المتكلم بالحق في قلبه لا يقوله فقط بل و يعمله ايضا معطيا كل ذى حق حقه دون تراخى ملتزما جانب العدل.. العدل هو الوجه الآخر العملى لعملة الحق .. عدل الحاكم بين محكوميه .. عدل المدير بين مرؤوسيه .. عدل رب الأسرة بين أولاده ... عدل كل إنسان بين أصحاب الحقوق عنده... حينئذ يفوح أريج الرحمة و السلام بين البشر إذ أن " الرحمة و الحق تلاقيا و السلام و العدل تلاثما " ( مز 84 ) ...
إن الرجولة الحقيقية ( فرق بين الرجولة و الذكورة فالأولى تعبر عن السلوك المستقيم سواء للرجل او المرأة ) تتجلى فى مواجهة النفس بالحقيقة و تكتمل فى إبراز الحق قولا و العدل فعلا ...ليتنا جميعا " نكون رجالا " (1 كو 16 : 13 ) .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=12695&I=325