بقلم: د. وسيم السيسى
«منذ هذه الأحداث المؤسفة، وأنا مصاب بحالة من الاكتئاب والحزن.. والخجل.. ليس لخلفيتها الدينية، ولكن لأنها تضع المجتمع كله أمام المرآة.. فيكتشف حجم العرى، والخزى، وأنه مجتمع أبعد ما يكون عن قيم الحضارة ومبادئ حقوق الإنسان.
هؤلاء الرعاع هم صدى للإعلام المصرى، والنظام المصرى والتيار الدينى السياسى المصرى، هم التعبير الدموى لممارسات طائفية تضرب فى العمود الفقرى المصرى، هم التعبير الوقح الذى يستمرئ تحريم إصلاح دورة مياه بكنيسة إلا بقرار، ويحرم الأقباط سرا- إلا بنسبة ضئيلة جداً- من كليات الشرطة والبحرية والحربية والطيران، ويغمض عينيه عن ممارسات طائفية فى الجامعات، وينشئ جامعات ومدارس يقصر دخولها على المسلمين دون الأقباط!
هؤلاء الأوغاد هم التعبير العنيف لبعض المشايخ الذين يرمون الأقباط بالكفر ليل نهار، وأن حرية الاعتقاد هى حرية الانتقال من المذهب الحنفى إلى المذهب الشافعى!!
تذكروا قضية البهائيين واخجلوا، تذكروا مصادرة الكتب واخجلوا، تذكروا الحسبة، وحرق الكنائس.. واخجلوا، تذكروا نجيب محفوظ، والحكيم، وطه حسين.. واخجلوا.
أين الدولة من هذا كله؟ قولوها واضحة! هل تريدون أن تتحول مصر إلى دولة دينية؟ قولوها بصراحة حتى نعلن عليكم الحرب، أو نهاجر بعيداً عن عالمكم العفن!
قولوا لنا إن الوطن للمسلمين، ولدى الشجاعة أن أضع إصبعى فى أعينكم، فالوطن للمصريين جميعاً، وهو قبل الإسلام والمسيحية، وهو الراية الوحيدة التى تظللنا جميعاً إلى أبد الآبدين.
قولوا لنا إنكم عجزة..!
تركتم المدارس تهجر تحية العلم لأنكم عجزة! تركتم الصبية الأوغاد يجلدون المواطنين فى عين شمس وإمبابة.. والمنيا.. وبنى سويف.. والفيوم.. لأنكم عجزة! تركتم أصحاب اللحى ينهبون ثروة مصر، وينخرون فى اقتصاد مصر.. وأنتم تتفرجون لأنكم عجزة! تركتم الخط الهمايونى يرتع فساداً.. لأنكم.. عجزة! تركتم الكنائس تحترق.. والأقباط يقتلون.. لأنكم عجزة!
وسط هذا الخراب كله.. يلعب الأمن لعبة التوازن العبيطة! كل ما يحدث فى مصر.. شعارات رائعة والداخل خربان، كلمات رنانة، والمحتوى متخلف! أسفى على وطن يحمى محمد لأنه مسلم، ويظلم جرجس لأنه مسيحى! أسفى على وطن يتباهى بإسلام جارودى، ونسى أن يسأل نفسه عن هذا الوطن الرائع (فرنسا) الذى لم يستنكر ما حدث من جارودى وهو من أكبر فلاسفتهم، بينما لو حدث هذا من بواب عمارة فى مصر لاحترقت القاهرة!»
كانت هذه السطور من مقال للدكتور فرج فودة بعنوان «حديث صريح هذه المرة» بتاريخ ٢٤ أكتوبر ١٩٩١ فى جريدة الأهالى!
وأذكر يوم نشر هذه المقالة.. قال لى تليفونياً: إذا لم تتغير مصر بعد هذه المقالة.. فعلى مصر السلام.
وسؤالى هو.. لماذا لا تتغير مصر؟ ألم يقرأ المسؤولون كلمات شانتر: صعب على أى منحرف أو خارج عن القانون أن يبتعد كثيراً عن قبضة الحاكم فى مصر! ذلك لأنها دولة مركزية.. رأس كاسح وجسم كسيح، وأيضاً لأنها متحكمة فى لقمة العيش عن طريق المياه، كما أنها دولة ليس بها دروب أو وهاد.. أو جبال.. من يبتعد عن الوادى.. يهلك فى الصحراء؟! فأين إذن قبضة الحاكم التى يحدثنا عنها شانتر؟!
فرق بين المصلح والسياسى.. فالأخير حرصه وعينه على الكرسى، والمصلح عينه وحرصه على الوطن حتى وإن فقد حياته! مثل الدكتور فرج فودة، وما أحوج مصر لمصلحين لا سياسيين.
حين كنت فى إنجلترا للدكتوراه.. هاجمت مجلس المحافظة، وكتبت فى الديلى ميل.. إنه مجلس الإهمال! وبالمانشيت العريض:
council of neglect-an egyptian doctor accuses
أى مجلس الإهمال.. طبيب مصرى يتهم، وانعقد المجلس فى نفس اليوم، وتمت مناقشة الاتهامات واقتراحاتى للإصلاح.. وتم الإصلاح فى ٢٤ ساعة!
كان ناظم حكمت يقول: إن أجمل أيامنا لم نعشها بعد؟ فهل هذا صحيح أم أن أسوأ أيامنا لم نعشها بعد؟! أين التعليم الذى يثمر أطفالاً يحبون بعضهم بعضاً بغض النظر عن الدين، أين الإعلام الذى حذف كل ما هو جميل ومفيد.. وسمم عقولنا بالفكر الوهابى المتخلف! أين سيادة القانون التى لا تفرق بين مواطن وآخر بسبب الدين؟ تخلفنا فى كل ميادين الحياة حتى الموسيقى! متى يأتى اليوم الذى أهتف فيه قائلاً: عمار يا مصر.. بدلا من خراب يا مصر!
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=12651&I=324