ميرفت عياد
كتبت: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
لا يمكن الحديث عن واقع العمالة النسائية بمعزل عن عرض للتحولات الاقتصادية التي شهدتها مصر عبر العقود الماضية، وكيف أثرت على أوضاع الطبقة العاملة عامة مع التركيز على موضوع التقرير وهو واقع العمالة النسائية.
مع أواخر السبعينيات وباتجاه النظام المصري إلى سياسات الانفتاح الاقتصادي، ترك عمدًا القطاع الصناعي العام يغرق في سوء الأداء وضعف كفاءة قياداته، وانتهى الأمر بطرح هذا القطاع للبيع للقطاع الخاص والأجنبي ضمن عملية التحول نحو الاقتصاد الرأسمالي الحر في مصر، وبموجب هذا التحول الاقتصادي قامت الحكومة المصرية بتطبيق سياسات الخصخصة، وترتب على هذا التحول الاقتصادي قيام الحكومة بالتوقف عن ضخ أي أموال لتطوير قطاع الصناعة، وصدر عدد من القوانين منها قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003، الذي ألغى العمل الدائم، وكرّس العمل المؤقت والعرضي والموسمي، وأتاح لأصحاب الأعمال التحلل من التزاماتهم تجاه العمال وثبات الأجور وتوقف الترقيات، في الوقت ذاته الأسعار تواصل ارتفاعها والدولة تنسحب عن دعم الكثير من الخدمات، فأصبح العامل لا يستطيع بمفرده تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرته، وفي هذا السياق تعاظم دور النساء الاقتصادي داخل الأسرة.
وكشفت دراسة "نساء في سوق العمل" الصادرة عن مؤسسة "المرأة الجديدة"، والتي أجريت على عينة عددها 600 عاملة من قطاعات صناعية ومناطق جغرافية مختلفة، عن أن حوالي 88% من العينة الكلية تنتمي إلى أسر فقيرة وتعتمد على مساهمة العاملات برواتبهن في ميزانياتها تأسيسًا على ما سبق، فالدافع الأساسي لخروج النساء للعمل يعود إلى الحاجة الملحة للحصول على أجر مع الوضع في الاعتبار المكانة المتدنية التي تحتلها النساء اجتماعيًا وثقافيًا، مما ساعد على تعرضها لأشكالٍ عدة من الاستغلال وعنف والتمييز داخل أماكن العمل.
كما انتقص قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003 للعديد من المكتسبات التي حصلت عليها النساء مسبقًا، وتسبب ذلك في تعرض العاملات لانتهاكات لا تزال تعاني منها حتى الآن، حيث تنص المادة 91 من قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003: للعاملة التي أمضت عشرة أشهر في خدمة صاحب العمل أو أكثر الحق في أجازة مدتها تسعون يومًا، بتعويضٍ مساوٍ للأجر الشامل، تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه، بشرط أن تقدم شهادة طبية مبينًا بها التاريخ الذي يرجع حصول الوضع فيه، ولا يجوز تشغيل العاملة خلال الخمسة والأربعين يومًا التالية للوضع، ولا تستحق أجازة الوضع لأكثر من مرتين طوال مدة خدمة العاملة.
جاءت هذه المادة لتجعل المدة عشر أشهر بدلاً من ستة أشهر كما كان واردًا بالقانون السابق 137، ولكن يجب ألا ننسى أن هذا القانون قد جعل أجازة الوضع تسعين يومًا بدلاً من خمسين يومًا، كما في القانون السابق. ونعتقد أن هذه هي النقطة الإيجابية التي قد تكون الوحيدة فيما يتعلق بالمزايا التي حصلت عليها المرأة في ضوء هذا القانون الجديد .
تنص المادة 94 من قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003: أن يكون للعاملة في المنشأة التي تستخدم خمسين عاملاً فأكثر الحق في الحصول علي أجازة بدون أجر لمدة لا تتجاوز سنتين وذلك لرعاية طفلها، ولا تستحق هذه الأجازة لأكثر من مرتين طوال مدة خدمتها.
جاءت المادة "94" من قانون العمل الموحد الجديد على قيام المنشأة التي تستخدم خمسين عاملا أو أكثر الحق في الحصول على أجازة بدون أجر لمدة لا تتجاوز سنتين بعد أن كانت لا تزيد عن سنة في القانون 137 وذلك لرعاية طفلها، كما ينص القانون على أن لا تستحق هذه الأجازة لأكثر من مرتين طوال مدة خدمتها بعد أن كانت ثلاث مرات في القانون 137لسنة 1981، وكما هو واضح من النص السابق، فإن القانون الجديد قد زاد من مدة تلك الأجازة مقارنة بالقانون السابق، في الوقت الذي انتقص فيه من مرات الحصول على تلك الأجازة وهو ما يُمكن أن نطلق عليه أن ما يعطيه باليسار يأخذه باليمين.
وكشفت دراسة "نساء في سوق العمل" عن ارتفاع نسبة غير المتزوجات من عينة العاملات بقطاع الاستثمار مقارنة بقطاع الأعمال فيُقدر بحوالي 60% من العينة الكلية للعاملات بشركات القطاع الاستثماري من غير المتزوجات في مقابل 22% من عينة العاملات بشركات قطاع الأعمال، وكشفت الدراسة عن أن هذا مرتبط بعدم رغبة أصحاب الشركات بتحمل الكلفة المادية للدور الإنجابي للمرأة، وهناك توجه بالاعتماد على العمالة النسائية غير المتزوجات وربما يفسر ذلك تفضيل أصحاب العمل على الاستعانة بعاملات صغيرات في السن، فوفقا لما رصدته دراسة "نساء في سوق العمل"، فإن حوالي 46%من عينة العاملات بشركات القطاع الاستثماري يقعن في الفئة العمرية من 20 إلى 30، و22% من العاملات بهذا القطاع أقل من 18 سنة ويُعد ذلك مخالفًا للقانون.
كما جاءت المادة "96 " من قانون العمل لتشترط وجود مائة عاملة في المنشأة أو أكثر لكي يقوم صاحب العمل بإنشاء دار حضانة أو يتعاقد مع دار حضانة لرعاية الأطفال من أبناء العاملات، وبالتالي فالمنشأة التي يوجد بها 99 عاملة لا ينطبق عليها هذه المادة، وفي الواقع هذه الخدمة تُحرم منها العاملات في المناطق الاستثمارية نهائيًا، وأيضًا أغلب مصانع القطاع الخاص، أما في قطاع الأعمال، نجد أن المصانع المعرضة للبيع، وكان يوجد بها دور حضانة، فيتم عمدًا إغلاق هذه الدور ويتم التصرف في الأرض بالبيع.
أما بالنسبة للأجور، نلاحظ أن متوسط الأجر الشهري المحدد في بداية التعيين يُقدر ب"98" جنيهًا للمؤهل المتوسط، و123 جنيهًا للمؤهل العالي، وهي أوضاع لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، وهذا التدني في مستوى الأجور تعاني منه الطبقة العاملة رجالاً ونساءً، ولكن بالإضافة إلى ذلك تعاني العاملات من تمييز آخر في الأجر مرتبط بواقعهن الاجتماعي والثقافي، وهذا ما أظهرته نتائج دراسة "النساء في سوق العمل"، فتمثل ضآلة وتدني الأجور الخاصة بالعاملات ملمحًا بارزًا لدى عينة الدراسة، فالفروق بيين قطاع الأعمال والقطاع الاستثماري ضئيلة حيث تقع النسبة الأكبر في كليهما ضمن الشريحة التي تأخذ (100-200 جنيه).
وبالنسبة للتبيانات في الأجور بين الصناعات الثلاثة الهندسية والنسيج والكيماوية، فإن الدراسة توضح وجود ارتفاع نسبي في الأجور لدى عينة الصناعات الهندسية مقارنة بصناعة الغزل والنسيج والصناعات الكيماوية، كما أن الأجور ترتفع بصورة ملحوظة في القطاع الاستثماري من هذه الصناعة. وقد يُعزى هذا الارتفاع في الأجور في هذه الصناعة إلى الطبيعة المهنية الخاصة بالعاملات، وما يرتبط بها من ارتفاع مستوى التعليم لديهن، فحوالي 99% من الصناعات الهندسية في القطاع الاستثماري حاصلات على مؤهلات متوسطة في مقابل 55% من عاملات الصناعات الهندسية في قطاع الأعمال، وذلك في مقابل الصناعتين الأخرتين ( النسيج – الكيماوية ) اللتين تعتمدان على عمالة رخيصة غير منتظمة، فعلى سبيل المثال حوالي 33% من عينة الدراسة على العاملات بشركات الغزل والنسيج بقطاع الأعمال أميات يليها العاملات بشركات الصناعات الكيماوية الاستثمارية حوالي 32 % .
كما رصدت أيضًا دراسة "نساء في سوق العمل" الفجوة الكبيرة بين نسب المشرفين الرجال والتي تبلغ ضعف نسبة المشرفات النساء في أقسام الإنتاج التي تهيمن عليها عمالة النساء في جميع مراحلها، وأن عملية التهميش للمرأة تزداد بصورة ملحوظة في كلٍّ من الصناعات الكيماوية والهندسية، فتنخفض نسبة المشرفات إلى 2%،3% على التوالي.
كما ورد في شهادات للعاملات من محافظات مختلفة وتم توثيقها في كتيب مرفق بدراسة "نساء في سوق العمل" ما يُفيد بحرمان العمال والعاملات من الأرباح والعلاوات السنوية، وهناك العديد من القضايا التي رفعها العمال والعاملات على شركاتهم للحصول على هذه العلاوات والأرباح، ومنها على سبيل المثال القضية التي رفعتها عاملات مصنع "الحناوي للدخان" وعلى خلفية مطالبة هؤلاء العاملات بحقوقهن تم فصل 33 عاملة وعادوا مرة أخرى للعمل بحكم قضائي عدا عضوة اللجنة النقابية عائشة عبد العزيز أبو صمادة والتي لا تزال محرومة من عملها، وأيضًا جُمِّد نشاطها النقابي.
ما تتقاضاه العاملات من أجر لا يتناسب مع الظروف المعيشية وأيضًا لا يتناسب مع الجهد والمعاناة في العمل، فقد تقضي العاملة حوالي 12 ساعة في الوردية الواحدة، ومن خلال العمل الميداني للمؤسسة في المناطق الاستثمارية التقينا بعاملات يخرجن من العمل في ساعات متأخرة تصل إلى ما بعد منتصف الليل تحت دعوى الانتهاء من الإنتاج الذي يحدده المشرفون ولم تعوض بأجازة.
كشفت الدراسة عن وجود ثلاثة أشكال للعلاقة التعاقدية بين العاملات والشركات التي تعمل بها وهى: التعاقد الدائم وقد وصلت نسبة المعينات بشكل دائم إلى حوالي 59% من العاملات بقطاع الأعمال في مقابل 38% من العاملات في القطاع الاستثماري، وهذه النسبة من المعينات بالقطاع الاستثماري تم تعينهن بشركات كانت تنتمي لقطاع الأعمال وتم بيعها، أو شركات استثمارية قامت الدولة بتأسيسها قبل سنوات الخصخصة.
لم يظهر هذا النوع من التعاقد بين من تم التحاقهن بالعمل بكلٍّ من شركات قطاع الأعمال والاستثماري بعد عام 1990 إطلاقًا، أما التعاقد المؤقت، فإن 28% من العاملات بشركات قطاع الأعمال يعملن بعقود مؤقتة في مقابل 26% من العاملات في القطاع الاستثماري، وحوالي 7% من العاملات بشركات قطاع الأعمال يعملن بعقود عمل شاملة للتأمين الاجتماعي والصحي في مقابل ما يقرب من 15% من العاملات بشركات القطاع الاستثماري. هذا إلى جانب العمل بلا عقود حيث كشفت النتائج عن ارتفاع نسبة العاملات بلا عقود بكلٍّ من شركات القطاعين، حيث وصلت نسبتهم بشركات القطاع الاستثماري إلى حوالي 35% في مقابل 12% بشركات قطاع الأعمال.
أما فيما يخص التباينات بين الصناعات الثلاث، فيمكن أن نتبين أن قطاع الصناعات الهندسية هو أكثر القطاعات استقرارًا، حيث ترتفع نسبة المعينات في هذه الصناعات وتكاد تختفي منة ظاهرة العمل بلا تعاقد، في الوقت الذي ترتفع فيه هذه النسبة في الصناعات الكيماوية وصناعة الغزل والنسيج، وقد كشفت الدراسة عن عدم حصول غالبية المعينات بعقود مؤقتة على نسخة من العقد.
بالإضافة إلى ما أشير إليه أعلاه، فتبين من خلال الشهادات التي أدلى بها العاملات والعمل الميداني الذي تقوم به المؤسسة في المناطق الاستثمارية في أربع محافظات (الأسكندرية – الإسماعيلية – السويس – بورسعيد) أن العاملات في أغلب هذه المصانع في حالة توقيعها على عقد عمل تقوم بالتوقيع على استمارة 6 وهي الاستمارة التي يتم التوقيع عليها في حالة الاستقالة وبموجب هذه الاستمارة يتم وقف تأمينات العاملة فضلاً عن أن الكثير من العاملات غير مثبتات وتعرف هذه العمالة بـ "العمالة الدوارة".
يترتب على حرمان العاملات من عقود العمل الدائمة حرمانهن من الحق في التأمين الاجتماعي والصحي، وأيضًا يُحرمن من حقهن في تشكيل لجنة نقابية، لأن قانون النقابات العمالية رقم 12 لسنة 1995 اشترط في المادة 36 على العضو الذي يرغب في الترشح لمجلس إدارة منظمة نقابية ألا يكون معينًا بعقد مؤقت ويجدر الإشارة إلى أنه من المفترض أن أي لجنة نقابية تشكل مجلس إدارة.
المخاطر المهنية
كما أكدت النتائج على وجود العديد من المخاطر التي تتعرض لها العاملات أثناء العمل. حيث تبرز مخاطر من قبيل حوادث المعدات واستنشاق الأبخرة والغبار، والتعرض للمواد الكيماوية، وكذلك الجلوس الدائم أو الوقوف الدائم، وهذه المخاطر وغيرها تمثل مشكلات خطيرة لدى العاملات، وكشفت الدراسة عن ضعف إجراءات السلامة المهنية بشكل عام وسوء حال بيئة العمل وبالأخص في قطاعي الغزل والنسيج بنوعيه والصناعات الكيماوية الاستثمارية، وكشفت لنا إحدى مسئولات السلامة والصحة المهنية بأحد مدن القناة عن حالة التؤاطؤ بين الجهات المسئولة عن الاستثمار وأصحاب المصنع، حيث يتم إبلاغهم بمواعيد تفتيش موظفي السلامة والصحة المهنية، في حين أنه من المفترض أن تكون هذه الزيارات مفاجئة، وأيضًا رغم حصول هؤلاء الموظفين على "الضبطية القضائية" (هو تصريح يُتيح لهم دخول المصانع دون إذنٍ مُسبّق)، مع ذلك يتم منعهم من دخول المصانع، وكشف لنا أيضًا موظفو السلامة والصحة المهنية في محافظات أخرى منها الاسكندرية، عن انخفاض قيمة الغرامات المفروضة على المصانع وطول أمد إجراءات التقاضي في حالة قيام عامل أو عاملة برفع قضية نتيجة لتعرضه أو تعرضها لضرر ما مرتبط بإجراءات السلامة والصحة المهنية.
أعدت مؤسسة المرأة الجديدة في عام 2009 تقريرًا عن "التحرش الجنسي في المناطق الصناعية" تم تطبيقه على 40 دراسة حالة لعاملات من مناطق الصناعية الاستثمارية من أربعة محافظات هي (الأسكندرية – بورسعيد – السويس – الإسماعيلية) حيث أكدن وقوع التحرش في أماكن العمل بغض النظر عن مظهر العاملة (محجبة – غير محجبة) والحالة الاجتماعية والحالة العمرية، وأن أغلب حالات التحرش يرتكبها عمال ومشرفون وصاحب المصنع وذلك لأسباب تتعلق بظروف وبيئة العمل، وعدم وجود نص تشريعي واضح يُجرِّم التحرش الجنسي في أماكن العمل.
http://www.copts-united.com/article.php?A=12601&I=323