د. عبد الخالق حسين
بقلم: عبد الخالق حسين
في البدء، كان لي شرف التعرف على الأخ الكبير والمناضل الصلب المهندس عدلي أبادير يوسف، في مؤتمر (الأقباط متحدون)، الذي عقد كغيره من مؤتمرات الدفاع عن حقوق الأقباط والأقليات الأخرى، بجهوده وأمواله، في نوفمبر 2005 في واشنطن دي سي. لم أحظ بلقائه عن قرب في ذلك المؤتمر، بل كان يشاركنا من على الشاشة الكبيرة في مقدمة القاعة وعبر الأقمار الصناعية من مكان إقامته في زيوريخ/سويسرا. ومما أثار إعجابي هو غزارة معلوماته، وقدرته العجيبة في التعبير ارتجالاً عن أفكاره بكل شجاعة وسلاسة وسهولة وانسيابية وتدفق، في دفاعه المستميت عن حقوق أبناء قومه من الشعب القبطي خاصة، والشعب المصري عامة، وكل الأقليات المضطهدة في الأرض، وتواصله في التعليق على مداخلات المشاركين وبمنتهى الدقة والإيجابية، متمتعاً بحيوية فائقة وحماسة الشباب وبهذه الطاقة الغزيرة المتدفقة، رغم تقدم عمره، لم يكن ذلك ممكناً لولا إيمانه المطلق بعدالة قضيته ورسالته الإنسانية وإخلاصه وتفانيه في سبيلها.
ثم أسعفني الحظ ثانية بلقاء الصديق الكبير شخصياً هذه المرة في 23 – 26 آذار/مارس 2007، حيث كان لي شرف المشاركة وبدعوة منه شخصياً، لحضور مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط الذي نظمته منظمة (الأقباط متحدون) برئاسة الفقيد في زيورخ وبجهوده وماله أيضاً، حيث ألقيت مداخلة بعنوان (محنة الأقليات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، وتوصل المؤتمر بجهوده وجهود المشاركين الآخرين، إلى تأسيس منظمة (الدفاع عن حقوق الأقليات والمرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، وصدر عنه بيان مهم بهذا الخصوص.
كان الفقيد الداينمو المحرك لكل المؤتمرات الخمس التي كان ينظمها ومدها بالطاقة، إذ كان حاضراً في كل لحظة من وقت المؤتمر، شعلة وهاجة، مليئاً بالحركة والحيوية وبشكل عجيب رغم تقدمه في العمر ومعاناته من أمراض عديدة.
كان فقيدنا الغالي يتمتع بذاكرة حادة وقوية حطمت تأثير سنواته التي قاربت التسعين. ورغم مشاغله الكثيرة، كان رحمه الله لم يتوان بين حين وآخر عن الاتصال بأصدقائه ومريده هاتفياً يتفقدهم واحداً بعد الآخر رغم كثرتهم وانتشارهم في مختلف أنحاء المعمورة، والتحدث معهم والتأكد من سلامتهم وملاطفتهم رغم همومه الكثيرة.
والمتابع لقضية الشعب القبطي المناضل، ويقرأ على موقع (الأقباط متحدون) والمواقع الإلكترونية الأخرى، وصحيفة (وطني) المصرية، يعرف مدى النشاط الواسع لفقيدنا الغالي، دون كلل أو ملل، ومعين من العطاء الفكري لا ينضب، وإصراره العنيد على مواصلة كتابة ونشر المقالات القيمة، وتسجيل الأحاديث التلفزيونية والإذاعية في فضح الطغاة الظلمة الذين ظلموا أبناء قومه، يفضحهم بكل جرأة وشجاعة ودون أن يخاف في الحق لومة لائم، لشرح قضيته العادلة التي كرس لها حياته وأمواله ووقته وجهده إلى آخر لحظة من حياته المديدة العامرة بأعمال الخير والنضال المتواصل.
حقاً كانت صدمة مؤلمة لي ولغيري من أصدقاء الفقيد وجميع أنصار الشعب القبطي المناضل، أن أستلم النبأ الجلل برحيل الصديق الكبير "المهندس عدلي أبادير يوسف عن دنيانا مساء الخميس (31/12/2009) بعد رحلة حقيقية من الكفاح والنضال والتضحية، بعد رحلة من العطاء التي أثرت في كل من عرفوه، نثق بأن الموت انتقال فقط للحياة الأبقىَ وهذا عزاؤنا ورجاؤنا....". لقد وقع عليَّ الخبر وقع الصاعقة، إذ كم كنت أتمنى أن أقوم بزيارة مدينة زيوريخ قريباً لأتشرف بلقائه، ولكن سبقت إرادة الرب إرادة الإنسان.
أجل، لقد أثر فقيدنا الغالي إيجابياً في كل من عرفه والتقى به وناضل معه من أجل قضيته الإنسانية العادلة، ولمس فيه تلك الروح الوثابة المناضلة في سبيل الحق. أجل أنها صدمة لنا جميعاً، ولكن لا راد لمشيئة الرب. لم يمت أستاذنا وأخونا الكبير عدلي أبادير يوسف، بل انتقل من عالم الفناء إلى عالم الخلود، فهو حي في السماء، وحي في وجداننا وضمائرنا جميعاً، وبالأخص في وجدان وضمائر أبناء وبنات شعبه القبطي المناضل الصابر، وأصدقائه من القوميات الأخرى الذين ناضل من أجلهم وشاركوه في الفكر والدفاع عن قضاياهم العادلة.
نم أيها العزيز قرير العين، فرسالتك الإنسانية المجيدة ستستمر من بعدك بفضل البذرة الخيرة التي زرعتها في نفوس مريدك وأنصارك ومحبيك، فهناك من يحمل الراية من بعدك لمواصلة الدفاع عن الحق الذي كرست له حياتك. نعم أيها الغالي: أنت "باق وأعمار الطغاة قصار".
http://www.copts-united.com/article.php?A=12582&I=323