هو فى النار

بقلم: نجاد البرعي

منهْ إلى الله محافظ قنا اللواء مجدى أيوب، كنت قد عقدت العزم على تخصيص تلك المساحة لمناقشة جريمة القتل العمد التى ارتكبتها عناصر حركة المقاومة الإسلامية «حماس» للجندى المصرى الشهيد أحمد شعبان، الذى كان يظن أنه آمن على الحدود، فأمامه على الناحية الأخرى جماعة تعرف أن «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» ولكن جاءته الرصاصات الغادرة لتؤكد أن الغدر داء لا دين له ولا وطن.

على أن خطتى تغيرت بعدما قرأت تصريحات محافظ قنا فى مجلس الشعب يوم الثلاثاء الماضى. بدم بارد وصوت نحاسى وقف الرجل ليُعلن أن حادث نجع حمادى ليس له أبعاد دينية على الإطلاق، مؤكداً على أن المسيحيين هم من يتحملون مسؤولية ما حدث، فحادث نجع حمادى سببه الحقيقى قيام مسيحى باغتصاب طفلة مسلمة فى فرشوط، أما حادث إسنا فسببه أن مسيحياً ثانياً شد النقاب عن وجه فتاة مسلمة!.

تأكدت عندما قرأت ما قرأته أن مصر لا تعانى من أعراض فتنة طائفية، وأن العلاقة بين عنصرى الأمه كالعلاقة بين البابا شنودة وأمين سياسات الحزب الوطنى سمن على عسل. المشكلة وفقا لمحافظ قنا تعود إلى سوء أدب الأقباط، ويكفى لحلها أن يتعلم أبناء القبط الأدب ويتحلوا بمكارم الأخلاق، فنحن لم نسمع أبدا أن مسلما اغتصب طفلة صغيرة أو امرأة راشدة، ولم يتحرش مسلمون إطلاقا بفتيات محجبات فى عيد الفطر فى وسط القاهرة، ولذلك لم يقتل المسلمون وهم منفلتون من صلاتهم!!.

أما عن أن الجانى الذى أطلق النار على مواطنين خارجين من الكنيسة- فلا يمكن أن تكون دوافعه دينية- فمن قال إن المسيحيين يذهبون إلى الكنيسة للصلاة فى عيد الميلاد المجيد؟!. لولا أن تلك التصريحات نشرت فى صحف قومية، لاعتقدت أن هناك من يرغب فى تشويه صورة محافظ قنا والافتراء عليه.

فمن ناحية فإن الجميع- بما فى ذلك دوائر نافذة- يعلمون أن مصر تعانى من أعراض واضحة لتوتر ذى طابع دينى بين المسلمين والأقباط، وأن ذلك التوتر بدأت وتيرته فى التسارع ليس فقط فى الصعيد ولكن فى الإسكندرية والدلتا وفى قلب القاهرة، ومن ناحية أخرى فإن هذا التوتر الطائفى ما عاد مقصورا على الشباب المندفع، ولا على المتشددين الدينيين على الجانبين، ولا على الطبقات الدنيا، ولكنه امتد رويدا رويدا فأصاب قطاعاً من المتعلمين، متوسطى الحال، والذين لا يُحسَبون وفقا لسلوكهم على المتدينين المتشددين.

ومن ناحية ثالثة فإن مظاهر عديدة لعنف مسيحى مضاد بدأت فى الظهور، تشهد عليها مصادمات نجع حمادى عشية الاغتيال، فالخروج إلى الشوارع بالعصى والسلاح الأبيض وتحطيم السيارات هى ردود أفعال جديدة على القبط الذين كانوا فى الماضى يكتفون بالتظاهر داخل الكنائس.

إن مصر محتاجة إلى أكبر درجة من درجات المصارحة حول العلاقات المتوترة بين المسلمين والأقباط وهى العلاقات التى أصبحت تشتعل دون سبب حقيقى إلا خلافاً على سداد ثمن أمتار من قماش أو المرور فوق طريق مشترك أو ترميم جدار كنيسة قديمة!.

نحن محتاجون إلى استراتيجية واضحة للخروج من هذا المأزق، استراتيجية تقوم على تفعيل فكرة المواطنة من ناحية، وعلى محاصرة بؤر التوتر وحل مشكلاتها بهدوء من ناحية أخرى، وهى استراتيجية يجب أن يشارك فى صياغتها مؤتمر كبير يدعو إليه رئيس الجمهورية، وتتعهد السلطة التنفيذية علنا بوضع ما ستسفر عنه أعماله موضع التنفيذ.

فى تقديرى حتى ذلك الوقت فإن هناك أموراً يتعين القيام بها لتهدئة الخواطر، إقالة محافظ قنا الذى يمكن أن يتفرغ بعد ذلك للكتابة الساخرة فهى فن نحتاج إليه فى زمن عز فيه الضحك.

التحقيق فيما يتردد عن علاقة بين النائب عبدالرحيم الغول وبين المتهم الأول فى الجريمة، وسلوكه بشكل عام تجاه الأحداث فى دائرته الانتخابية وأثناء الانتخابات البرلمانية ٢٠٠٥، ضمان أقصى قدر من الشفافية فى التحقيقات الخاصة بجريمة نجع حمادى وإجراءات المحاكمة فيها تفعيلاً لهيبة القانون، ثم إصدار قانون دور العبادة الموحد، ذلك القانون الذى تأخر صدوره دون أسباب واضحة رغم اكتمال المناقشات.

نقلت «المصرى اليوم» أن عضو البرلمان جورجيت قلينى قالت إن محافظ قنا «كاذب وسيدخل النار»، أيتها الصديقة الكريمة لاتظنى أن الرجل يكذب، هو يتجمل فقط، أما عن دخوله النار فلا تبتئسى هو فى النار.

نقلاً عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع