ماذا إذا حدث العكس؟

مصطفي النبراوى

بقلم: د. مصطفى النبراوي
تحولت ليلة الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام إلى مأتم في مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا، عندما أطلق ٣ أشخاص (مصريين مسلمين) مسلحين النار بصورة عشوائية باتجاه مصريين مسيحيين في شارعي بورسعيد ولوكاس بالمدينة، والذي يضم كنيستي العذراء وماري يوحنا الحبيب وبينهما مطرانية نجع حمادي، فقتلوا ٧، بينهم شرطي مصري مسلم، وأصيب ٩ مصريين مسيحيين آخرين، وشهدت المدينة في اليوم التالي احتجاجات نظمها نحو٣ آلاف مصري مسيحي، بسبب الحادث، حطموا خلالها مستشفى نجع حمادي وعدة سيارات شرطة وإسعاف قبل أن تتصدى لهم الشرطة وتفرقهم.

مهما كانت الأسباب وراء هذا الحادث، فإن هذه الأحداث وغيرها والتي أصبح معدلها أسبوعيًا أو شهريًا ترجع في تقديري إلى:
*عدم قدرة المجتمع على تحمل الاختلاف بل تحريمه وتجريمه.
*غياب قناعة التكامل وغياب قيمة التسامح.
*الاكتفاء والركون إلى المعرفة السمعية، وعدم التدقيق ومحاولة التأكد من الخبر أو المعلومة.
*غياب ثقافة السؤال ومحاولة التعرف على الآخر من كل جوانبه.
*غياب قنوات التعبير السياسي وبالتالي الانتماءات السياسية.
*شيوع ثقافة الانتماء الأحادي وخصوصًا الموروث منه، وبالتالي تزايد فرص التصادم مع أصحاب الانتماءات الأحادية الأخرى.
*هشاشة المجتمع وعدم قدرته على تحمل الصدمات، وتصدعه وانقسامه السريع مع أول إشارات الصدمة.
*اعتقاد كل فئة أو جماعة من جماعات المجتمع أنها تمتلك الحقيقة المطلقة.
*تشبع الثقافة المصرية المعاصرة بنظرية المؤامرة.
*غياب ثقافة الاعتذار عن الخطأ.

الدولة ودورها الغائب
 وكما يقول د. برهان غليون "لا يستقيم مفهوم الدولة بدون المصلحة العامة، وعلى رأس هذه المصالح ضمان الحقوق واحترامها، فالحق مصلحة عامة كبرى، ومن دون الاعتراف بحقوق أساسية، أي طبيعية مقدسة وثابتة يُشكل احترامها وضمانها مصدر شرعية أى سلطة، لا يمكن قيام أي نظام اجتماعي. وقاعدة المساواة في الحقوق بين الأفراد بصرف النظر عن جنسهم أو دينهم أو مذهبهم، هي اليوم القاعدة الوحيدة التي تشكل أساس مفهوم الحق ومصدر شرعيته".
 ويخلص برهان غليون إلى "أن التعددية الدينية أو الاثنية ليست هي المسئولة عن الطائفية في البلدان العربية، وإنما افتقار الدول العربية لمبدأ الحق، أو اقتصارها على مفاهيم للحق بدائية تمييزية أو استبعادية".

إن اقتصار الدولة في تعاملها مع هذه القضية على الآليات الأمنية ثبت فشله، إن الأخيرة قد تؤجل الانفجار ولا تمنعه، لذلك سوف أتمنى على عنصرين من عناصر الدولة وهما الحكومة والشعب:
1.القبض بأقصى سرعة على الجناة، وتفعيل القانون وتقديمهم للقضاء.
2.يجب أن يعلن كل مصري في دوائر اهتمامه ونشاطه إدانته لمثل هذه الأفعال.
3.تجريم كل من يتناول عقائد الآخرين تناولاً سلبيًا سواء في أماكن العبادة أو الصحف أو القنوات التلفزيونية.
4.نحتاج إلى إعادة نظر فيما يتعلق بتدريس "الدين" في المراحل الدراسية المختلفة... ففي مرحلة التعليم الأساسى (ابتدائي /إعدادي) لا يجب تدريس كل ما يدعو إلى التمييز والانحياز، فالدين، أي دين بالضرورة غير محايد، فهو دائمًا يُناصر ويميز معتقديه، لذا أدعو إلى الاكتفاء في هذه المرحلة بتدريس الأخلاقيات والإنسانيات التي لا يختلف عليها أى دين، من أجل تأسيس مواطن يتمتع بصحة نفسية صحيحة.
 ثم تأتى المرحلة الثانوية والتي أرى أهمية كبرى لأن يدرس فيها الطالب تاريخ الأديان للتعرف على كل الأديان ومراحل تطور فكرة ومفهوم الدين، مع تدريس علم الفلسفة لتنمية ثقافة السؤال والشك والتجريب لدى التلميذ بجانب الأخلاقيات والإنسانيات بمستوى متقدم عن المرحلة السابقة.
 ثم تأتي مرحلة الجامعة، وهنا يمكن أن يدرس الطالب  ما يراه من أديان والتخصص فيه إذا أراد، مع ضرورة استمرار تدريس الفلسفة بمستوياتها المختلفة لكل طلاب الجامعة بغض النظر عن تخصصاتهم.

و في الختام أدعو أولاً:
كل محب لمصر إلى نشر هذه المفاهيم والأفكار في حالة الاقتناع بها، كلٌّ في موقعه ودائرته من أجل أن تعود لمصر أهم ما كان يميزها ويميز أهلها وهي سمة التسامح والقدرة على التعايش مع كل اختلاف حتى ولو كان اختلافًا جذريًا. وثانيًا: بما أن الأنسان دائمًا عدو ما يجهل، فإنى أدعو إلى بذل مجهود أكبر من دوائر التعليم والإعلام في تكريس المشترك الإيمانى وزيادة المعرفة بالآخر، فإن القدرة على التعايش والتفاعل والتلاقح تزداد بزيادة المعرفة به. ثالثًا: سؤالي لكل المصريين وخصوصًا الأغلبية المسلمة منهم، ماذا إذا حدث العكس؟..... علينا أن نتحرك قبل فوات الآوان.

Mostafa_elnabarawy@yahoo.com