العيب فينا: ينقصنا الرجال

د. صبري فوزي جوهرة

بقلم: صبرى فوزى جوهرة
تتابعت كارثتين على الاقباط خلال ايام قليلة, فقبل ان يودع جثمان زعيمهم عدلى ابادير يوسف فى مقره الاخير تناثرت رصاصات الغدر و الجبن و التعصب لتحصد ارواح شباب قبطى فى شوارع نجع حمادى عند خروجهم من قداس عيد الميلاد,  ربما فى نفس اللحظات التى كان قداسة البابا شنوده الثالث يشكر "المهنئين" من "رجال" الدولة على تنازلهم بالحضور للمشاركة فى جزء من الاحتفال الدينى بعيد الميلاد. فالسادة الكبار ما عندهمش وقت لحضور القداس الالهى بكامله, رغم حاجتهم الماسة لاكتساب السلام و المحبة الحقيقية التى يصبغها الرب على خليقته خلال هذه اللحظات المقدسة,  بل يتبخطرون فى طريقهم للجلوس فى الصف الاول من مقاعد الحاضرين حتى يذكرالبابا اسمائهم الكريمة بعد قرائة الانجيل و يحظون بما يرضيهم من النفخة الكدابة بين تصفيق البلهاء و زغاريد الملحوسات ثم تجىء طرقعات القبلات الخبيثة لتتزامن مع انفجارات المدافع الرشاشة مخترقة قلوب الاقباط الابرياء فى صعيد مصر. و تتكرر المأساة عيدا بعد عيد و موسما تلو الاخر.

لا اكتب هذه الكلمات اشباعا لنزعة مريضة فى ايلام الذات بل لاشير بالتحديد اننا, نحن الاقباط, انما نجنى ما نستحق. فان وضعنا التشرذم و حب الرئاسة و تفاهة التعبد فى الذات و الخيبة القوية التى نشأنا عليها من الفشل فى العمل الجماعى جانبا, لما بقى لنا سوى العويل و الصويت الحيانى لعلاج التحدى الواضح لوجودنا. نحن مستهدفون فى بلادنا. لا شك فى هذا. لقد قالها المجرم المحترف قاتل عثمان امين (و بالقطع غيره ممن لا نعلم) و تمادى خلفائه فى اكمال شهوة قلبه الاسود. و فى اتجاه مواز, يتطلع القبط ببلاهة خروف الضحية الذى لا يعى مصيره الى خيالات مائتة و يتفوهون بلغو و بلبلات كهمهمات الرضع تزيد من شفقة الناظرين اليهم دون دعوة واضحة لطلب العون و المساعدة للبقاء على قيد الحياة.  بهذا يكون خروف الضحية افضل منا حيث ان لا علم مسبق له بمصيره مثلنا, بينما ندور نحن فى حلقات مفرغة داخل اقفاصنا العقلية و المادية.
مصر دولة فاشلة. صومال الشمال. صدفة فارغة ملقاة قذفت بها الامواج. لا تعليم و لا عناية صحية و لا امن ولا عدالة بل ملايين من بلهاء القرية المستشيخين الخبثاء يهيمون بارضها يعيثون كافة و كل صنوف الانحطاط و الانهيارفى صرح كان ذات يوم واعدا. ليس فى مصر من يحمى اقباطها. لقد تحتم علينا رفع ماساتنا الى ضمير العالم و دهاليز العدالة الدولية. و اذا قيل ان فى ذلك استقواء فليكن. فقد صمت الوضعاء و الخبثاء عن "الاستقواء" بالكفرة و عباد الصليب فى البوسنة و الهرسك و لوح ارباب الطز و العدوان باستعدادهم للقيام بذات الفعل ان انتقص ما يبتغون من "حقوق" مشروعة او غير مشروعة, داعيك انهم بالرغم من ذلك لا يعانون من خطر الفناء كما هو حال الاقباط فى مصر.

ماذا ينقصنا لتقديم قضيتنا للمحاكم الدولية؟ فالجرائم ضدنا متعددة و متكررة و موثقة, و "الدولة" فاشلة و متواطئة, و العدالة المصري قد هتك عرضها من قضاة متعصبين هم دعاة للاسلام و ليس للحق يتمسحون يدستور فصامى و يخضعون راضين لهوى السلطة الطاغية. حجة البعض منا هى ان اللجوء الى المحافل الدولية يستلزم استهلاك كل منافذ العدالة المحلية فى مصر. و لكننى اعتقد ان قضاة العالم من الفطنة و الخبرة بقدر يجعلهم على وعى بما يجرى الان فى مصر و احوال العدالة فيها. فها هو ماهر الجوهرى  على سبيل المثال, سيقضى البقية الباقية من عمره انتظارا لفصل محكمة تؤجل حكم بديهى فى صالحه (حتى تبعا للقانون المصرى الاعرج) عدة شهور كلما عطس  احد فى قاعة المحكمة و ان كان بافتعال! قضاة العالم بلا شك على وعى بهذه المناورات البلدى المكشوفة و ليس من العدالة او الحكمة التغاضى عن هذا الاعتبار خاصة و ان لهيب القتل و الحرق و السطو و الاعتداء و الارهاب يجتازالجسد القبطى اجتيازه فى القش. الاقباط يعانون من "تطهير" عرقى على نار كانت هادئه و بدأت تستعر و لا شك ان هناك مجالات للتغاضى عن هذا الشرط  الself defeating  لمبادىء المنطق و العدل ذاته. ثم ان العدالة المتأخرة هى فى واقعها ظلم. لم اترك اجتماعا او مؤتمرا اشتركت فيه منذ اوائل تسعينات القرن الماضى الا و اثرت فيه هذا الامر الذى يبدو انه الحل الوحيد المتبقى لنا.

يجب على العالم ان يعلم ان احفاد بناة الاهرام فى سبيلهم الى الفناء, و عليه تحمل هذه الخسارة ان فشل فى التعامل معها.
لا تنقصنا قضية و لا ينقصنا توثيق بل ينقصنا رجال محترفين مخلصين للقضية و ليس لذواتهم مؤمنين بعدالتها اكفاء شجعان عقلاء ناضجين على وعى بخطورة التقاعس و التساهل و الاهمال و انتظار الحلول ممن لا امل يرجى من ورائهم.
و هنا نفتقد رجولة عدلى ابادير و شوقى كراس و رمسيس جبراوى المحامى الذى دافع عن حقوق الاقباط حتى بعد هجرته الى استراليا.و ان خذلنا المجتمع العالمى المتمدين عندئذ نكون قد قمنا بواجبنا نحو انفسنا و نحو مصر.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع