ترشيد التصريحات الحكومية!!

جرجس بشرى

بقلم- جرجس بشرى
تداول  في الآونة الأخيرة بين الناس واحداً من أهم المًصطلحات المُهمة والخطيرة، وهو مُصطلح "الترشيد"، ويعني هذا المصطلح، الإستخدام الأمثل للموارد المُتاحة بالطريقة التي لا تحرم حق الأجيال القادمة منها  فإهدار الموارد ــ أياً كان نوعها ــ والإسراف فيها؛ يؤثر بالسلب على حقوق الأجيال القادمة في حياة كريمة في المُستقبل.
ومن المُثير للدهشة هنا أن الحكومة المصرية رغم مُطالباتها المُتتالية للمواطنين بترشيد الإستهلاك في الغذاء، والماء، والكهرباء، والمأكل، والملبس، إلا أنها  تفتقد إلى آلية الترشيد في كثير من وزاراتها، فصور الإسراف كثيرة جداً في الوزارات، وها نحن نرى بأمهات عيوننا مقدار الطاقة الكهربائية المُهدرة على الطريق العام في مُعظم المناطق بالجمهورية، حيث أن الإضاءة في  الشوارع قد تظل إلى العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً، بل وإلى قُبيل آذان الظُهر في بعض المناطق!!
وهناك مدارس حكومية ضخمة تظل أنوارها مُضاءة إلى الصباح، دون أي مُبرر، والذي أُريد أن أُشير واؤكد عليه هنا بالذات هو عدم تطابق التصريحات الحكومية التي تُطالب المواطنين   بالترشيد مع واقع وأفعال الحكومة!!
فالمُلاحظ أن هناك إسرافاً غير معهود في التصريحات، والمؤتمرات الصحفية التي تُقام بأرقى الفنادق وتخرج لتوصيات دون أن نلحظ تطبيقاًَ لهذه التوصيات بالطريقة التي تصب في مصلحة المواطن، فبرغم أن الدولة تصرف ملايين الجُنيهات كل عام على هذه المؤتمرات، إلا أنها لم تخدم المواطن في النهاية، وهو ما يجعلها دون منفعة أو  ذات جدوى، بل يمكننا أن نقول ضارة وبلا فائدة، لأن العبرة في النهاية بالنتيجة والفائدة التي تتحقق منها ويشعر بها المواطن.
فما نلاحظه هو أن التوصيات أو التصريحات الحكومية مُعظمها تصريحات تخديرية تنويمية بل هي أشبه بالتصريحات الأفيونية التي يكون الغرض منها تخدير الشعب، ليظل قابعاً تحت نير الوهم إنتظاراً لإستجابة الحكومة لرغباته، وطلباته المشروعة، فالعبرة في النهاية بالنتيجة، فالنتيجة هي المقياس الذي يمكن أن نحكم عليه أو  نستند إليه في الحكم على مشروعية الحكومات، ومدى صلاحياتها، وفي ظل هذا الوضع المُتردي الذي يشهده المواطن المصري - خاصة محدود الدخل منهم- أصبحت هناك ضرورة للإسراف وليس الترشيد، ولكنه إسراف من نوع آخر، وهو الإسراف في الإلحاح على الحكومة لكي تستجيب لمطالبه المشروعة، على أن تكون صور الإلحاح وأدواته سلمية ومشروعة.
ويُعد هذا المطلب الآن ضرورة خاصة بعد تدني نسبة تلبية وإستجابة الحكومة لمطالب المواطنين قياساً إلى نسبة التصريحات الصادرة منها، كما أن الأخطر في الموضوع، لقد حان الوقت أن تتنبه الحكومة جيداً وتنصت لمطالب الشعب، قبل أن تُفاجأ بمزيد من الإضرابات والإعتصامات والمُظاهرات من أطياف غير متوقعة من الشعب، كنوع من رد الفعل الطبيعي لسياسة القهر والإفقار والظلم، وعلى الحكومة أن تُدرك أن غضب الشعب سيكون عظيماًَ إذا سارت على هذا النهج من التهميش لمواطنيها