هاني دانيال
رفض حقوقي للاقتصاد الإسلامي والاحتكام للشريعة في الحقوق المدنية والسياسية.
الحزب الوطني بدون شعبية وقوته تعود لرئيس الجمهورية.
تحقيق: هاني دانيال - خاص الأقباط متحدون
انتقد أساتذة قانون وحقوقيون فكرة إعداد دستور إسلامى لمصر باعتباره لا يتفق مع الدولة الحديثة التي يتحدث عنها العالم اليوم، وأنه لا يمكن العودة بالمجتمع للخلف، من أجل الاستجابة لمطلب جبهة علماء الأزهر بشأن إقرار مشروع الدستور الإسلامي والذي سبق أن أعده الأزهر في سبعينيات القرن الماضي، بإعتبار أن ما تم طرحه في السبعينيات لا يناسب المجتمع المصري وهو على مشارف عام 2010، فهناك تغيرات كثيرة حدثت ولا يمكن تجاهلها.
كما أعربوا عن انتقادهم للمواد الموجودة في الدستور المقترح، وخاصة ما يعرف بالاقتصاد الاسلامي، وباب الحريات المبني على الشريعة الإسلامية، وغيرها من المواد التي تم وضعها لتعود بالمجتمع للخلف، وكسر التقدم الدستوري والحقوقي الذي تحقق مؤخرًا.
من جانبه، انتقد شريف هلالي مدير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان فكرة إعداد قانون إسلامي للعمل به، مؤكدًا على ضرورة الفصل بين الدين والدولة، والتركيز على قيم المواطنة وحقوق الإنسان، فالدستور في الأصل ينظم العلاقات بين المواطنين في الوطن الواحد، بغض النظر عن ديانة أو انتماء المواطنين السياسية، ومن ثم يصبح من الصعوبة تطبيق نظام معين يغلب عليه الانتماء لدين ما على مجموعة من المواطنين مختلفين في الديانة.
وحول ما تضمنه مشروع الدستور من تخصيص الباب الثالث منه للحديث عن الاقتصاد الإسلامي، أشار هلالي إلى إنه من الصعوبة الاعتراف بالاقتصاد الاسلامي، لأن هذا معناه أنه يوجد اقتصاد مسيحي، وهناك اقتصاد يهودي، وهذه ليست موجودة في الاقتصاد العالمي، فهناك أنواع مختلفة من الأنظمة الاقتصادية المتعارف عليها في العالم، مثل الاقتصاد الاشتراكي، أو الاقتصاد الليبرالي، أما الاقتصاد المنتمي إلى دين معين، فهو أمر غير متعارف عليه دوليًا،خاصة وأن النظام الاقتصادي مرتبط بالممارسة اليومية للسياسات الخاصة بالدولة، وهو يتعلق بحجم الاستهلاك والإنتاج، وموارد الدولة، وهكذا، وكلها أمور بعيدة تمامًا عن الدين، والرسول (ص) أشار إلى أهمية اختيار ما يناسب الأمور الحياتية، فهناك حديث شهير يقول"أنتم أدرى بشئون دنياكم".
وعن ما ذكر بالدستور المقترح بشأن باب الحريات وخاصة المادة 29 والتي تنص على "الاعتقاد الديني والفكري وحرية العمل وإبداء الرأي بالقول والكناية أو غيرهما وإنشاء الجمعيات والنقابات والانضمام إليها والحرية الشخصية وحرية الانتقال والاجتماع"، فكلها حقوق طبيعية أساسية تكفلها الدولة في حدود الشريعة الإسلامية.
عبّر هلالي عن اختلافه التام مع هذه المادة وغيرها، وتحفظ على الطريقة التي تم وضع بها هذا الباب، خاصة وأن الحكومة تقوم بوضع مثل هذه النصوص في أي دستور، وكلها مواد عامة وفضفاضة، والإخوان المسلمون يُقدمون على نفس الفعل، بل والأغرب أن من يقوم بوضع دستور على أساس ديني، يمنح نفسه الحق في خروج أحزاب تتوافق مع أهدافه من خلال التمسك بأن يتماشى هذا الحزب مع مباديء الشريعة الإسلامية، مع أن فلسفة تكوين الأحزاب تقوم على قيام أحزاب مختلفة تهدف للوصول إلى السلطة، وإلا ما الداعي من ظهور أحزاب تتوافق فكريًا وسياسيًا مع بعضها البعض؟، مشيرًا إلى أن الإخوان في بعض الأحيان ورغم الاختلاف معهم، إلا أنهم أكثر تفتحًا من التيارات والجماعات الإسلامية، وجبهة علماء الأزهر نموذجًا!.
وعن تفاعل الحزب الوطني مع هذا الطرح قال هلالى: الحزب الوطني لا توجد له شعبية في المجتمع، ولا يعبر عن رؤية فكرية خاصة به، وداخل الحزب هناك قيادات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبرنامج الحزب غير واضح، وفي بعض الأحيان ينتهج الحزب الوطني مجموعة من السياسات والقرارات في إطار المزايدة على جماعة الإخوان المسلمين، ولا يقود المجتمع، وإنما يقوده المجتمع والتيارات الدينية، وهو ما يشجع مثل هذه الجماعات على الخروج ببعض الأفكار من أجل إحراج الحزب الوطني.
وفي هذا الإطار، انتقد محمد محيي رئيس جميعة التنمية الإنسانية بالمنصورة خروج مثل هذه الأفكار الرجعية، والتي لا تتناسب مع الفترة الراهنة، فهذه الأفكار ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، ولا يمكن طرحها في العصر الراهن، للتغيرات السياسية والاقتصادية والحقوقية والدولية، ومن ثمَ لا يجب طرحها من الأساس لأنها تعود بالمجتمع للخلف، مشيرًا إلى أن خلط الدين بالسياسة خطوة لا يمكن الموافقة عليها، وتخلط القضايا ببعضها، وهذا ضد النظم السياسي والعمل الحقوقي.
أوضح محيي أن مفهوم الدولة الحديثة يتوقف على مدى وجود القاعدة الأساسية لها، من خلال وجود تداول سلمي للسلطة، إجراء انتخابات نزيهة، قضاء مستقل، حرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، الحفاظ على الحقوق والحريات العامة، احترام مواثيق حقوق الانسان، الخضوع لمبدأ المحاسبة والمكاشفة، والاستقلال التام للسلطة التشريعية، وظهور نواب قادرين على محاسبة الحكومة، وتشريع قوانين بشكل لائق، وللآسف كلها عوامل غير متوفرة حاليًا.
ونوّه محيي إلى أن مثل هذه الدعوات تظهر في المجتمع لأن الحزب الوطني ضعيف ولا يوجد له قاعدة جماهيرية، فهو اسم كبير وله شهرة واسعة، دون أن يكون له هذه الشعبية، ولولا أن رئيس الجمهورية يرأس الحزب الوطني ما كان ليشعر به أحد، والدليل على ذلك ما قام به الرئيس الراحل السادات حينما أسس الحزب الوطني في السبعينيات، فانتمى إليه العديد من القيادات التي كانت تنتمي للاتحاد الاشتراكي، وهي عملية تحول لا ترتبط بأيدولوجية أو توجه الحزب، بقدر المصلحة من الانضمام للحزب.
وعن بعض المواد المذكورة في هذا الدستور المقترح، رفض محي هذه المواد، ومنها المادة رقم 14 والتي تنص على "التبرج محظور، والتصاون واجب، وتصدر الدولة القوانين والقرارات لصيانة الشعور العام من الابتذال وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية"، خاصة وأن هذه المادة وغيرها تنفي وجود مواطنين مختلفين في الديانة، وبدلاً من التركيز على المواطنة والتي تعد من أساسيات الدولة الحديثة، يتم العودة بالمجتمع للخلف، والتمييز في المجتمع على أساس الدين، وهو أمر لا يمكن قبوله.
من جانبه، أكد الدكتور نبيل حلمي عضو أمانة الاعلام بالحزب الوطنى أن الحزب الوطني لا يعرف الدولة الدينية، وأنه من أنصار الدولة المدنية، والدليل أن الدستور المصري ينص حاليًا في مادته الأولى على مبدأ المواطنة، ولا تفرقة بين مواطن وآخر بسبب الدين أو الجنس، وأن الحزب الوطنى يتقدم بالتعديلات الدستورية المناسبة وفقًا لحاجة المجتمع، ولا يتعلق الأمر سواء بجبهة علماء الأزهر أو غيرها.
كما أشار إلى صعوبة إجراء تعديلات دستورية بشكل مستمر، خاصة وأن الدستور الحالي تم تعديله بالشكل المطلوب، وهناك باب الحريات في الدستور، والذى يُعد من أفضل الأبواب الذي تم وضعها في تاريخ الدساتير المصرية، نظرًا لحرصه على الحريات العامة، وكفالة الحقوق، وتم ذكر بعض الحقوق باعتبارها حقوقًا مطلقة وغير منقوصة.
بينما علّق الدكتور أحمد شوقى أستاذ القانون الدستوري بأن الدستور المصري به بعض المواد التي هي بحاجة إلى تغيير ومنها (76 ، 77، 88 ، 179)، فلا يمكن قبول دستور به مادة مثل المادة 76 والتي تعد أطول مادة في دساتير العالم، كذلك لابد من تداول سلمي للسلطة، وليس مجرد تمديد الفترات الرئاسية، كذلك المادة 179 بحاجة إلى تغيير، لأنها تعتدي على الباب الخاص بالحريات في الدستور، ولا يمكن وضع قانون لمكافحة الإرهاب على حساب حرية المجتمع.
ونوّه د. شوقى إلى أنه في ذات الوقت، ورغم العيوب الموجودة في الدستور الحالي، إلا أنه لا يمكن العودة للخلف والحديث عن دستور إسلامي، ربما كانت هناك ظروف معينة في السبعينيات، ولكن هذه الظروف تبدلت تمامًا، ولا يمكن العودة إليها لأن العالم يتقدم للأمام، ولا وجود للدول الدينية في عالم اليوم، وحتى الدول الدينية حاليًا تتعرض لمشكلات عديدة لا يمكن قبولها في مصر.
http://www.copts-united.com/article.php?A=12223&I=316