أُبيّ حسن
بقلم: أُبيّ حسن
"الديمقراطية التي باتت تميز، وتطبع، الحياة السياسية في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية، العام 1979. فحالات المد والجزر السياسي، والانتخابات، وتداول الرؤوساء والحكومات والسلطات، والمظاهرات، ومظاهر التعبير السياسي، وتنوع الآراء والأفكار والتوجهات، والتموضع بين معتدل ومحافظ وإصلاحي هي أمور أقل من أمر طبيعي، ودلائل ومؤشرات على عافية سياسية، وليس كما يحاول البعض تصويره اليوم من سلبية مطلقة لدى التعاطي مع الشأن الإيراني".
أعلاه مطلع مقال منشور أوائل هذا العام في موقع الحوار المتمدن, بعنوان "هل يسقط نظام الملالي في إيران؟", للصديق نضال نعيسة الذي ما يزال يعتبر أن النظام الإيراني نظام ديمقراطي!. وبمعزل عن جديّة نضال من عدمها في سوقه لأفكاره إبان منافحته عن "الديمقراطية" الإيرانيّة, غير أنه يُذكرنا بمباهاة الرئيس محمود أحمدي نجاد, قبل البدء بالانتخابات الأخيرة الصيف الماضي, بـ"ديمقراطية" بلاده التي تمنى على الآخرين (بمن فيهم الغرب) الاستفادة منها!.
طبعاً, بعد أحداث الشغب التي عمّت طهران عقب الانتخابات الرئاسيّة, سرعان ماحمّل نجاد البريطانيين مسؤوليتها(قد يكون لهم دور فيها)؛ وعندما تكررت "الفوضى" مؤخراً في ذكرى عاشوراء, أضاف إلى لائحة الاتهام الصهيونيّة العالمية و"الشيطان الأكبر"!. لكن من المؤكد أن السيد أحمدي نجاد لم يعد يشيد بـ"ديمقراطية" نظام بلاده وكيل المديح لها, ولم يعد يرغّب الآخرين فيها. وحسناً فعل الرجل.
من نافلة القول إن النظام الإيراني نظام غير ديمقراطي في جوهره, فمن المعروف أن جلّ السلطات في الدولة الإيرانية(بعد ثورتها الإسلامية) كائنة بيد المرشد الأعلى للثورة, الذي بمقدوره إلغاء أي مؤسسة قائمة في بلاده من دون الخضوع إلى أية مساءلة! واللافت أن المرشد لا يُنتخب انتخاباً, بل يعيّن تعييناً من قبل مجلس للخبراء, وهذا الأخير بدوره مُعيّن!.
ما سبق ذكره, ينفي حكماً وجود شيء اسمه ديمقراطية في إيران الثورة, وإن كنّا نشهد بعض مظاهرها البسيطة على السطح؛ فكيف ستكون الحال إذا ما أدركنا إن مجلس تشخيص مصلحة النظام وصيانة الدستور(وهو بدوره معيّن لا مُنتخب), بإمكانه إلغاء أي قانون يسنّه المجلس التشريعي المُنتخب من قبل الشعب!. ناهيك عن أن مجلس صيانة الدستور يحق له أن يمنع من يشاء من الإيرانيين من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية, من دون أن يكون مضطراً لتقديم تبريرات حول ذلك. وسرت أقاويل كثيرة, أكدت رفض ذلك المجلس لعشرات الطلبات من قبل مرشحين ومرشحات لانتخابات منصب الرئاسة التي جرت الصيف المنصرم. وللاستفاضة في هذا الجانب, ثمة مقال مهم للأستاذ حسين العودات نقلته "كلنا شركاء" عقب أحداث الصيف الإيراني الساخن.
في ما سبق أشرنا إلى مرحلتين, وربما أكثر, من مراحل تدرج اخصاء العمل المؤسساتي الإيراني, بما من شأنه إجهاض أي تجربة ديمقراطية مهما كانت جنينية. وهي عمليات اخصاء, على ما يبدو أن النظام الإيراني بدأ في جنيّ ثمارها المُرة. أضف إلى ذلك, الفساد الضارب جذوره في بنية النظام, فوفقاً لمقال نشره فهمي هويدي, منذ فترة قصيرة, في صحيفة السفير اللبنانيّة, إن مظاهر الإثراء الفاحش غير المشروع تكاد تشمل معظم أبناء الحرس القديم في إيران(وهم في معظمهم ملالي), مستثنياً من ذلك أبناء السيد علي خامنئي الذي منع أبناءه العمل في التجارة. ومن البدهي أن لو كان ثمة نسبة معقولة من الديمقراطية في بلاد الفرس, لكان بالإمكان مساءلة الفاسدين والحد من الفساد, وهذا أضعف الإيمان.
ومن الأمور التي تجدر الإشارة إليها, هي انطواء الدستور الإيراني على مادة تمنع أي إيراني لا ينتمي إلى المذهب الشيعي الإمامي من الترشح إلى انتخابات رئاسة الجمهورية, وفي مثل هذا القانون نسف لمبدأ المواطنة من أساسه, ناهيك عن عنصريته الفاضحة(ومتى كانت المواطنة في وعي وثقافة أبناء المشرق صنواً للعمل الديمقراطي؟), لا سيّما إن النظام الإيراني, لا يقدّم نفسه باعتباره مماثلاً للنظام اللبناني, ولا حتى بوصفه شبيهاً للنظام السعودي "الشقيق"!, مع فارق أن النظام السعودي لا يطرح نفسه كمثال يُحتذى, مطالباً الآخرين الاقتداء بمهلكته, وهذه فضيلة تسجل له.
أكثر من ذلك, إن في جمع المرشد الأعلى للسلطتين الزمانية والمكانية, وإضفاء صفة القدسية عليه وعلى أحكامه وتصرفاته استناداً إلى مبدأ "ولاية الفقيه", ليس من شأنه تصغير مؤسسات الدولة ومحقها فحسب, بل لعلي أجازف بالقول: إن العمل وفق ذلك المبدأ ينطوي على استخفاف كبير بحق الشعب الإيراني بمختلف انتماءاته الإثنية والمذهبية. مع تأكيدنا أن نقدنا لولاية الفقيه ينطلق من كونه شأناً عاماً يرسم السياسات العامة للدولة, وربما يضع الخطط وما شاكل ذلك في إيران, فتلك الولاية ليست محصورة بالجانب اللاهوتي الذي ليس موضوع بحثنا.
ولا ندري إن كان في الأنظمة الديمقراطية, يتم تخوين شرائح من المجتمع أم لا؟ فأي متابع للشأن الإيراني, أفترض أنه سمع بالتصريح الأخير للسيد علي لاريجاني الذي خوّن فيه قادة المعارضة الإيرانية من دون أن يسمي أحداً من قادتها.
قد يكون بمستطاع النظام الإيراني قمع حالات "الشغب والفوضى" حسب تعبيره لها, معيداً "رعاياه" بالقوة إلى بيت الطاعة؛ وإن كنتُ أميل إلى رأي سابق لي في هذا الجانب, إذ قد يصعب على النظام في إيران فعل ذلك, فالشعب الذي استطاع إسقاط الشاه قبل ثلاثين عاماً, قد يكون من المتعذر على ملالي إيران أن يقودوه بعد اليوم كما يحلو لهم. وعلينا أن لا ننسى أن الثورة الإسلامية الإيرانية تقوم في مرتكزاتها الأساسية على الإسلام, والمفارقة أن قرابة الثمانين بالمائة من الشعب الإيراني لم يعد يدخل المساجد, ذلك وفقاً لما ذكره فهمي هويدي عن السيد ماشاء الله شمس الواعظين(سمعتُ أنهم اعتقلوه مؤخراً) الذي يقول في غير مكان منها إن أكثر من ستين بالمائة من الشعب ذاته لم يعد يعرف الصلاة! ومن الطبيعي أن يكون الأمر كذلك, خاصة في ظل أنظمة أفترض أنها استهلكت الشعارات التي ترفعها.
وقد يكون البركان الإيراني الراهن هو على نقيض البركانين اللذين ثارا عامي 1953 و1978, بمعنى أنه بركان من "الصنف الخامد" كما ارتأى الدكتور كمال خلف الطويل(كلنا شركاء. 30/12/2009).
في الحالات كافة, من الاستحالة بمكان وصف النظام الإيراني بالديمقراطي. وهو من حيث هيكليته القائمة على مرتكزات كهنوتية, قد يكون بات يشكّل سدّاً منيعاً في وجه حياة أبناء شعبه, ومن الغباء أن نتجاهل ولو للحظة واحدة أنه نظام ثيوقراطي. صحيح أنه نظام قدّم الكثير من الانجازات الداخليّة لشعبه, فضلاً عن أنه حوّل إيران من شرطي لأمريكا(في عهد الشاه) إلى دولة إقليمية عظمى(في عهد الخميني), وصولاً لإمكان دخولها النادي النووي راهناً؛ لكن من الصحيح أيضاً أن نظاماً كهذا من شأنه أن يبني مجده الخارجي على تقزيم شعبه داخلاً, بإلغائه له!.
أضف إلى ما سبق, إن نسبة البطالة ارتفعت جداً في إيران(وهناك من يتحدث عن تضخم اقتصادي قارب الثلاثين بالمئة), في الوقت الذي تجاوزت فيه نسبة الشباب الإيراني –وفقاً لبعض الدراسات- الستين بالمئة من مجموع الشعب, وهذه النسبة ستبقى(ولو تمّ الأمر راهناً كما يشتهي السيد علي خامنئي) عبارة عن بركان سيعلن عن ثورته في أي فرصة تؤاتيه. فقد علمتنا الطبيعة أنه ليس بمقدور الصخور الصمود إلى الأبد في وجه الأنهر الهادرة, فكيف إذا ما كان النهر هنا هو نهر التاريخ؟!.
عزيزي نضال: قد تكون الديمقراطية الإيرانيّة شبيهة بالديمقراطيّة التركيّة, ففي الوقت الذي يتباكى فيه السيد أردوغان على أطفال غزة, ذارفاً دموعه على مآسي الفلسطينيين, نراه هناك, في تركيا, يتفرج على قمع الأكراد والبكتاشيين, من دون أن نسمع أنها ذرف دمعة واحدة لأجل طفل كردي واحد.. هذه هي السياسة, يا ألله كم هي لعبة "نظيفة"!.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=12220&I=316