ميرفت عياد
بقلم: ميرفت عياد
نشرت إحدى الجرائد الإلكترونية في عددها الصادر يوم 2 يناير أن مصدرًا مقربًا من عائلة المهندس الراحل "عدلي يوسف أبادير" زعيم أقباط المهجر، والذي توفى ظهر الخميس الماضي، أكد على أنه تم تحديد موعد جنازته يوم الخميس الموافق 7 يناير، والذي يتزامن مع عيد الميلاد المجيد، وأن معظم المنظمات القبطية أعلنت الحداد الرسمي لوفاة المهندس أبادير، في الوقت الذي توافد فيه أفراد أسرة أبادير على سويسرا، ومن المنتظر أن تكون الصلاة على جثمان المتوفى في الكنيسة القبطية بزيورخ.
ولا أنكر أنني عندما قرأتُ هذا الخبر، أحسست بضيق شديد لصعوبة هذا الموقف على أسرته وأصدقائه وأحبائه، الذين سوف يذهبون إلى الكنيسة ليس للابتهاج بالعيد، ولكن ليودعوا هذا الإنسان الذي قل أن يجود به الزمان، ويقوموا بتشيع جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير، هذا الفقيد الذي تعجز الكلمات عن أن تعبر عن شخصيته التي تحمل بين ثناياها الكثير من المعاني العميقة مثل الأبوة، والشجاعة، والحنان، والحزم، والدفاع عن الحق بصرامة وجدية وصراحة وجرأة فائقة المثيل، تلك الصراحة التي تظهر دائمًا في العديد من المواقف، والحوارات، وكان من بينها الحوار الذي أجراه معه محمد زيان منذ عدة سنوات، فنرى المهندس أبادير يرد على أسئلته بجرأة قائلاً: "إن مؤتمراتنا في المهجر لتصحيح المسار المصري وأنا مسئول عن أغلبها، والنقد لا يُعد مدعاة للخراب، بل مدعاة للتصحيح، ونحن نسعى إلى إبراز القضية القبطية في المحافل الدولية حتى لاتخفت. وأنا دائمًا أسعى إلى فضح الممارسات العنصرية ضد الأقباط في مصر من خلال هذه المؤتمرات في ظل الدولة الدينية. وأنا أرى أنه ما من دولة تتحول إلى دينية إلا ويحل الخراب عليها حتى الدول التي تحولت إلى المسيحية، فانظر ما اعتلى الفقهاء عرش المناصب العليا في دولة إلا وخربت، وليست جريمة أن ندافع عن بلدنا ونحاول أن نصحح أوضاعها".
ولعل هذا الجزء من الحوار يدل على أن المهندس"عدلي أبادير" لم يكن يدافع عن الأقباط فقط، بل كان يُدافع عن جميع الأقليات الدينية في مصر، مثل الأقليات الشيعية، والأكراد، والسريان، والأرمن، واليزيديين،.. وكان يُنفق من أجل هذا الكثير من المال والمجهود والوقت، الأمر الذي يجعله رجلاً وطنيًا ومحبًا لبلده، الذي يريدها أن تكون مثل جميع البلاد التي تهتم بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
ولعل المهندس أبادير يذكرنى بالشهيد أبادير ليس فقط من أجل الإسم بل من أجل الدعوة التي دعاها السيد المسيح إلى الشهيد أبادير بأن يُضحي بمنصبه الكبير في جيش دقلديانوس، ويذهب إلى مصر لينال إكليل الاستشهاد على يد أريانا والي "أنصنا" الذي قتل مئات الألوف من الأقباط ونالوا إكليل الاستشهاد بفرح، حيث إن هذه الدعوة للشهيد أبادير كانت بمثابة رسالة تشجيع وتقوية للبسطاء من بطش وشدة ظلم الاضطهاد، حتى يعلموا أن الأمراء وذوي المكانة يسعون أيضًا لنيل شرف الاستشهاد، مؤمنين أن مع المسيح ذاك افضل جدًا.
وإني أرى أن رسالة المهندس عدلى أبادير التي حملها على عاتقه، كانت بدعوة من الله، ولا تقل أهمية عن رسالة الشهيد أبادير، فنرى المهندس أبادير يحمل رسالته ويجول من أجلها البلاد كالسندباد في رحلة كفاح للحصول على حقوق الغلابة المطحونين والمهمشين والمضطهدين، ليس في مصر فقط، بل في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ومن أجل تلك الرحلة الشاقة ضحى بوقته ومجهوده وصحته التي تكبلها قيود المرض ضاربًا بتعليمات الأطباء عرض الحائط، لكي يحمل على أكتافه عبء قضية أثارها وأشعل فتيلتها التي لن تخمد نيرانها إلى أن تتحقق الأحلام في طن يسير إلى الامام. فستظل القلوب والعقول تتذكر ما صنعته يديك، وتسير على الدرب الذي رسمته بصيرتك النافذة وقلبك المحب لجميع البشر في جميع أنحاء الأرض، فوداعًا يا سندباد في يوم عيد الميلاد.
http://www.copts-united.com/article.php?A=12135&I=314