كمال غبريال
بقلم: كمال غبريال
الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2011 فرصة ذهبية للشعب المصري بعامة وللأقباط بخاصة، للمشاركة الجادة في الحياة السياسية المصرية. . أظن أن المواطن المصري الآن، وبعد تزايد الوعي الشعبي، نتيجة لانتشار المحطات التليفزيونية الفضائية، التي هي المصدر الأساسي وربما الوحيد للثقافة الشعبية، قد صار يدرك الآن بجلاء، أن السياسة ليست ترفاً يمارسه المثقفون، وإنما هي مرتبطة ارتباطاً مباشراً بحياة البسطاء اليومية، بذات قدر ارتباطها بحياة جميع طبقات الشعب، بمختلف مهنهم وأعمارهم وانتماءاتهم. . فصلاح نظام التعليم أو فساده سياسة، وأسعار الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم في السوق سياسة، وحالة القطارات والسكك الحديدية ووسائل المواصلات عموماً سياسة، والحالة الصحية والعلاج ومقاومة الأوبئة سياسة، واستتباب الأمن وسيادة القانون سياسة، ووقف الاعتداءات الطائفية على الأقباط، وإقرار العدالة والمساواة بين كل أبناء الوطن باختلاف عقائدهم وأديانهم سياسة، ووزن رغيف العيش ونوعيته وتوفره سياسة، وأزمة السكن والبطالة التي تعصف بالشباب سياسة، وتغيرات المناخ وارتفاع درجة حراة الغلاف الجوي، وما يمكن أن تؤدي إليه من ذوبان الثلوج وارتفاع منسوب مياه البحر، ما يمكن أن يؤدي إلى غرق الدلتا وسائر مدن البحر المتوسط الساحلية، كل هذا وغيره كثير سياسة.
بالتأكيد أيضاً قد انبهر الشعب المصري، بما يشاهده في التليفزيون، من ثورات برتقالية تقوم بها الشعوب، عبر تظاهرات سلمية حضارية، يسقطون عن طريقها حكومات، وينصبون أخرى، دون أن تصدر عنهم أعمال عنف، تتأذى منها بلادهم وممتلكاتهم العامة، وتعطي في نفس الوقت مبرراً للسلطات للتدخل العنيف. . استطاعت شعوب عديدة عبر ثوراتها السلمية هذه أن تفرض إرادتها، وأن تأتي بحكام يدينون لها بالولاء، لابد أن الكثيرين قد أدركوا أن الشعوب أقوى من القبضة البوليسية، وأقوى من أي حاكم مهما بلغ جبروته وطغيانه. . ليست أهمية من يتولى الحكم، بقدر أهمية أن يأتي الحاكم بالإرادة الشعبية. . فأفضل الشخصيات وأكثرها إخلاصاً، لو أتي مستنداً إلى أي قوة غير قوة الشعب، سوف يكون أداؤه بالتأكيد مرتهناً بإرادة تلك القوة التي أوصلته إلى كرسي السلطة. . أما عندما يتولى من تعينه الإرادة الشعبية، ومهما كانت شخصيته، فلابد وأن يسعى لتحقيق إرادة الشعب الذي حمله على أكتافه، وهو إن لم يفعل ذلك، فإن الإرادة الشعبية ذاتها كفيلة بالإطاحة به، لتأتي بمن هو قادر على تحقيق آمالها.
لقد أدمن الشعب المصري انتقاد حكامه، كما اعتاد التبرم والسخط الدائم على أحواله وبؤس حياته، لكنه أبداً لا يفكر في اتخاذ مواقف إيجابية. . هو حتى لا يفكر في مراجعة أدائه الشخصي كأفراد كل في مجال عمله، فمن يجيد عمله هو فقط من له الحق في مطالبة الحكام بإجادة ما هو مسند إليهم من أعمال. . الإيجابية الفردية والجماعية إذن هي الطريق لتحسين أحوال حياتنا المتردية، والتي تزداد تردياً يوماً فيوماً!!
الحراك الشعبي الدائر حالياً بمناسبة انتخابات الرئاسة القادمة، لا يستهدف إسقاط نظام حكم والإتيان بآخر، بل هو حراك ضمن النظام الحالي، ومحكوم بالقانون والدستور. . يتضمن سعياً لتعديل الدستور وفق الآليات القانونية والدستورية. . هي إذن تحركات ليست ضد الدولة، ولا تشكل عصياناً أو تحدياً لها، وإنما هي حركة في المساحة التي تتيحها لنا الشرعية الدستورية والقانونية، وهذا هو الأساس الذي لا ينبغي أن يغيب عن عيون الجميع، فالخروج على القوانين يعني الفوضى، التي لا يمكن أن تؤدي إلا للخراب، وليس للتطور والحداثة، بل يمكن أن تكون فرصة للتشكيلات الإجرامية الظلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي تتحين الفرص لتعيث في البلاد فساداً.
الآن هناك قطاع من الجماهير والصفوة تسعى لدخول د. محمد البرادعي رئيس هيئة الطاقة الذرية الأسبق إلى المنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة، لما يتوفر في شخصيته من مقدرة إدارية، وانفتاح على العالم وعلى العصر، وما يتمتع به من احترام عالمي، قد توجه حصولة على جائزة نوبل للسلام، ثم حصوله على أرفع وسام مصري، لا يمنح إلا لرؤساء الدول وهو قلادة النيل. . هذه بلا شك فرصة ذهبية لعموم الشعب المصري، لفرض إرادته في التغيير، كما هي فرصة للأقباط، ليساهموا مع أخوة الوطن، في السعي للتغيير والتحديث. . هي فرصة لكي يثبت الأقباط للجميع أنهم مهتمون بمصير الوطن، ولتقديم دليل على خطأ تصورات من يقولون أن الأقباط قد اتخذوا من الكنيسة وطناً بديلاً، وأنهم فقط يهتمون بمكاسب طائفية، ولا يعنيهم الوطن في شيء!!
تؤدي مشاركة الأقباط في هذا الحراك الشعبي أيضاً، إلى إشعار أخوانهم في الوطن من مختلف الانتماءات الدينية، أن اهتماماتنا واحدة كما أن معاناتنا واحدة، وأننا نحتاج لبعضنا البعض، ونساند بعضنا البعض، ولسنا طائفة منعزلة، تطالب بمطالب خاصة بها، ولا تشارك بقية الشعب في همومه ومعاناته. . تؤدي أيضاً لأن يصبح لأصوات الأقباط قيمة في أي انتخابات، فالسلبية أو ضمان أصوات الأقباط لاتجاه أو جهة معينة، يفقد الأقباط أي وزن في المعادلة الوطنية، وهو ما تتضح نتائجه الآن، في عدم اكتراث الدولة بما يجري من مذابح للأقباط، رغم التأييد المطلق من الكنيسة للنظام والحزب الحاكم. . فالتأييد الدائم المضمون لا يكترث به من يضمنه، إذ يعتبره تحصيل حاصل، وهو الوضع الذي لا يمكن أن يعود على قضايا الأقباط بمردود إيجابي. . فما دام ولاء الأقباط دائم ومضمون، فلماذا يسعى الحاكم إلى استرضائهم أو الاهتمام بمعاناتهم؟!!. . بعكس حالة ذهاب بعض أصوات الأقباط إلى جبهة المعارضة - بالطبع كل حسب رؤيته وقناعاته- فسوف تكون لهذه الأصوات المعارضة وزناً وقيمة. . كما سوف تكون هناك قيمة ووزن لمن ينضم من الأقباط للحزب الحاكم، الذي سيكون حريصاً عندئذ على الاحتفاظ بهذه الأصوات المؤيدة له، ولا يعتبرها مجرد ديكور أو كمالة عدد!!
هذه فرصة وطنية ذهبية، سيندم الشعب المصري لو أفلتت من يديه، وسيندم الأقباط لو فاتتهم المشاركة فيها، بالطبع كل حسب آرائه السياسية ومواقفة، فالوطنية ليست حكراً على هذا الاتجاه أو ذاك، والمهم هو التوجه المخلص نحو تحديث الوطن، ودفع ما يعرف بالأغلبية الصامتة إلى الحركة الإيجابية، وألا نخلط بين الاتكال والتواكل، أو بين الاتكال على الله، وبين السلبية والقعود، والتمسح بأفكار تتخذ شكل التدين والتقوى، وهي في حقيقتها ليست أكثر من تبرير متهافت للجبن والإهمال والعجز عن الفعل الإيجابي!!
مصر- الإسكندرية
kghobrial@yahoo.com
http://www.copts-united.com/article.php?A=11668&I=300