يوسف سيدهم
بقلم: يوسف سيدهم
كنت قد عزمت علي إغلاق ملف المآذن السويسرية بعدما استعرضت الأسبوع الماضي نماذج من ردود الأفعال المنشورة حول هذه القضية وقمت بتفنيد مضمونها فيما يخص إسقاط ما كتب فيها علي واقعنا نحن هنا في مصر، وكيف أن ما عبرت عنه تلك الكتابات من أسباب لتبرير بناء المآذن لمساجد سويسرا يفضح الواقع المختل لكنائس مصر والذي لم يلتفت له أصحاب الكتابات أو أنهم يغضون النظر عنه حتي إن المشهد كما وصفته أصبح كمن يضرب الآخرين بالطوب بينما بيته من زجاج؟!
ردود الأفعال لم تهدأ بعد ومضمونها خليط بين من يصر علي الشجب والصراخ وبين من يدعو للحكمة والتعقل لمواجهة الواقع الجديد الذي أفرزه المسار الديمقراطي في سويسرا بالكيفية التي لا تسيء للإسلام وتمهد لاحتمال إعادة النظر في أمر حظر بناء المآذن في مرحلة لاحقة في المستقبل،
لكن ما أعادني لتناول القضية اليوم ليس هذا أو ذاك، إنما تطور سلبي أراه مقلقًا ولا يمكن تجاهله؛ لأنه ينكأ جرحاً في جسد المواطنة المصرية لم يندمل بعد.
ورقة في صورة بيان حملها جهاز الفاكس تحمل اسم «حزب مصر العربي الاشتراكي» وعنوانها «حول ندوة حظر بناء المآذن في سويسرا» وموقعة باسم الأستاذ وحيد الأقصري رئيس الحزب.الورقة تتضمن فعاليات الندوة التي عقدها الحزب لمناهضة ما أسفر عنه الاستفتاء السويسري، وهي تزخر بسيناريو المؤامرة الغربية علي الإسلام والمسلمين وتشجب وتدين ما حدث وما يحدث ضد الأمة الإسلامية في العالم أجمع وتدعو إلي اتخاذ إجراءات عدة تعبر عن اعتراض الحزب علي نتيجة الاستفتاء السويسري...ولست في موضع مناقشة تلك الإجراءات أو مدي عقلانيتها وفاعليتها، لكني أقف أمام البند الثالث فيها والذي ينص علي الدعوة إلي الاستفتاء في البلاد الإسلامية عن حظر وضع الصلبان علي الكنائس ومنع أجراسها رداً علي الموقف السويسري والغربي.
إن هذه الدعوة تنطوي علي قدر هائل من خلط الأوراق وتعكس قصوراً شديداً في الرؤية السياسية لحزب موجود علي الخريطة السياسية المصرية، فإذا كان من حق الحزب التعبير عن اعتراضه علي الاستفتاء السويسري أن يدعو لمقاطعة البنوك السويسرية أو البضائع السويسرية أو خلافه من المصالح السويسرية-بغض النظر عن جدوي ذلك-فليس من حق الحزب إطلاقًا أن يدعو إلي المساس بحقوق المسيحيين في الدول الإسلامية أو تحديداً بحقوق الأقباط في مصر أو المساس بكنائسهم أو الصلبان التي تعلوها أو أجراسها الملحقة بها.
يجب أن يعي «حزب مصر العربي الاشتراكي» أن أقباط مصر مواطنون مصريون كاملو المواطنة وأن الدستور المصري يكفل لهم حرية العقيدة وحرية مباشرة عبادتهم وصلواتهم وحرية إقامة كنائسهم بالشكل والكيفية التي يرتضونها...وإذا كان الواقع المختل يشهد بأن ما ينص عليه الدستور غير محقق في كثير من الأماكن ومبتور ومشوه في أماكن أخري في ربوع مصر، فالأجدر أن نجاهد معاً لإصلاح هذا الخلل تأكيداً علي حقوق المواطنة بدلاً من الانزلاق نحو خطيئة أكبر بجعل الأقباط وكنائسهم يدفعون ثمن ما يعترض عليه الحزب في سويسرا!!!
إن الربط المخل بين ما حدث في سويسرا وبين كنائس الأقباط في مصر أو حتي كنائس المسيحيين في الدول الإسلامية بحيث تتم الدعوة لتحميلهم مسئولية ما حدث وإرغامهم علي دفع الثمن لهو اندفاع غير مسئول لا يليق بحزب سياسي من المفترض أنه يعرف الفرق بين الممارسة السياسية وبين الاندفاع الغوغائي، كما أن من المفترض أنه يعرف تماماً أن الأقباط مواطنون مصريون كاملو المواطنة وليسوا عبيد إحسانات المسلمين في بلدهم ولا هم رهينة تستخدم في تصفية حسابات انفعالية غير مسئولة في الحزب.
للأسف الشديد أن ما يدعو إليه الحزب هو جزء مؤلم من الواقع المعاش للأقباط ظهر في الآونة الأخيرة في أكثر من حادث وهو يعكس ثقافة مريضة مسكوت عنها ومتروكة تنتشر وتتفاقم دون خطوات حازمة حاسمة لمواجهتها من جانب القانون، وهي ثقافة الاعتداء علي الأقباط وعلي كنائسهم وعلي ممتلكاتهم وعلي أرواحهم كرد فعل لأي حادث أو جريمة أو حتي شائعة ترتبط بمواطن قبطي...تلك هي ثقافة العقاب الجماعي التي ينتهجها ويطبقها الغوغائيون والخارجون علي القانون عندما يعتدون علي أقباط أبرياء لعقابهم والتنكيل بهم علي أثر أي تجاوز أو حادث يتهم فيه قبطي، فهل أصبح ذلك السلوك الإجرامي غير مقصور علي الغوغائيين ونجح في التسلل إلي سياسة حزب مصري؟؟!! إن هذا لينكأ جرحاً لم يندمل بعد في وجدان الأقباط وفي جسد المواطنة في مصر.
كان من الأهمية بمكان عدم ترك ما دعا إليه «حزب مصر العربي الاشتراكي» يمر مرور الكرام، لكن لأنني كما أرصد السلبيات أحرص علي رصد الإيجابيات، دعوني أسجل بكل الشكر والتقدير ما صرح به الوزير المتنور الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف في هذا الإطار حيث قال: ...إن أقباط مصر ليسوا أقلية بل هم جزء من النسيج الوطني ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وغير مسموح إطلاقا الإساءة إلي الأقباط من منابر المساجد، كما أرفض تماما أية تلميحات لبعض المسلمين إلي معاملة الأقباط بالمثل علي خلفية نتيجة استفتاء حظر المآذن في سويسرا، فهناك فرق بين وضع المسلمين في سويسرا وأوروبا وبين وضع الأقباط في مصر الذين هم أبناء الوطن وليسوا طارئين عليه، ولا يجوز أبداً التضييق عليهم في أي شيء يخص حياتهم.
احتجاج صارخ أوجهه إلي «حزب مصر العربي الاشتراكي» وتقدير كبير أحمله للدكتور حمدي زقزوق.
http://www.copts-united.com/article.php?A=11579&I=297