تحريف الكتاب المقدس: اسطوانه مشروخه يحاكيها الببغاوات والاغبياء

د. صبري فوزي جوهرة

بقلم: د. صبر فوزى جوهره
كتب أحدهم التعليق المنقول أسفل هذه الكلمات تحت عنوان "الدليل" ردًا على مقال للصديق الدكتور جاك عطا الله بعنوان "حل شامل لاتهام المسلمين للمسيحيين واليهود بتحريف الانجيل والتوراة" نشر في موقع "الأقباط متحدون فى السابع عشر من ديسمبر"، عرض فيه جاك افكارًا جديدة لتخليص المدعين بتحريف الكتاب المقدس من إصرارهم المرضى على اعادة القول بهذه الفرية بلا ملل ولا سند كلما سائت احوال المسلمين. يقول التعليق:

الدليل
"اسال علماء اوروبا الذين يبحثون في النقد النصي سيقولون لك انه لاتوجد مخطوتتين متشابهتين علي الاطلاق غير ان الاختلافات بين المخطوطات لا ترجع لاي شيء سوي التحريف ليس مطلوب منك الرد علي كلامنا او كلام د.محمد عمارة المطلوب من الاقباط الرد علي كلامهم
ليس في كلامك سوي الجعجعة ولمؤاخذة" انتهى.
 
لا انوى جدال المعترض فى عدم امكانية تحريف الكتاب المقدس بجزئيه, فقد كتب وقيل فى استحالة هذا الامر العديدون اثبتوا ذلك بما لا يدعو مجالا للشك فما كان لليهود ان يسمحوا للمسيحيين بالتلاعب فى كتابهم دون ان ينبسوا ببنت شفه ولم يكن لهم او للمسيحيين ما يفيدون منه بالتحريف المفترض.
انما يرجع هراء مدعيي التحريف لاسباب مفهومة وواضحة. فبعد ان جاء الرب ذانه آخذا صورة العبد ليخلص صنيعة يديه و بعد ان اعلن على خشبة الصليب "انه" (اى الخلاص) قد تم", لم تعد هناك حاجة الى "رسالات" اضافية مترهلة من السماء للقيام بعمل غير ذى هدف او مقصد حقيقى, لا حاجة لاحد به خاصة لعدم افضليته عن الرسالة السابقة (و هنا لا اريد كتابة الوصف الاكثر دقة اعتبارا لدواعى امكان نشر ما اكتب). حقيقة الاملار هى:
1. لقد اتم الملك المهمة بذاته.
2. قد اكمل الملك الشريعة. و ليس من المستطاع اكمال ما هو كامل و ان كان من الممكن انقاصه و اختزاله الى ما هو اقل (وهذا ما فعله العابثون) .

كان من المحتم على الناكرين اذن الا يعترفون بالوهية الفادى و يشككون فى وسيلةالخلاص ذاتها باقوال هلامية تفتقد الى المنطق و الوضوح و تتهم الله بممارسة الغش والخديعة بلا مبرر يعقل.
كان ما سبق ايجاز سريع لاسباب اصرار وتهافت البعض على القول بتحريف الكتاب المقدس. ففى الاعتراف بسلامته و كماله و سمو شريعته نسف تام لأى ادعاء قد يجيء من بعده خاصة وان كان مغايرا ومعاكسا لكمال عمل الله.

اما عن اعتراض السيد المعلق المذكور اعلاه, فقد قفز الى استنتاج خاطىء قائم على معلومة مشوهة. اما المعلومة فهى القول بانه "لا توجد مخطوطتين متشابهتين (من الكتاب المقدس) على الاطلاق". و كانه, و من ارجع قوله اليهم, قد اطلعوا بتدقيق و فحص عميق على الملايين من نسخ الكتاب المقدس المتواجدة على مر العصور و الازمنة و فى كافة بقاع المسكونة فلم يجدوا منها نسختين متطابقتين. و قيل قديما :"عرفت منين انها فشرة"؟ فكان الرد: "من كبرها". ما علينا! لنفترض ان ما ذكرناه الى الان من ادعاءات الرجل صحيحه, فكيف توصل من هذه المعلومة الى الاستنتاج الخطير بأن: " ان الاختلافات بين المخطوطات لا ترجع لاي شيء سوي التحريف"؟ لا مكان لاحتمالات الخطأ البشرى البرىء بل اصرارو تعمد على الخديعة و التلاعب و التحريف, لا لسبب مفترض سوى الانتقاص من نبوة احدهم و ليته جاء بما هو افضل مما نتج عن تلاعب المحرفين!

تناسى السيد المعلق ان اليهود والمسيحيين خاصة لم يعقدوا العزم على الاصرار بأن تحتكر لغة او لسان واحد ايصال رسالة الله للبشر اجمعين. ذلك ان ربنا بتاع المسيحيين و اليهود يتحدث بكافة لغات المسكونة القديم منها و الحديث, و يريد لكل ابناء البشر ان يفهمون الرسالة عند قرائتها او سماعها ولا يرددون ما لا يفقهون! ذلك لان رب المسيحيين و اليهود ليس فى اقواله مايدعو للاخفاء او المواراة خلف ادعائات بلهاء بانه سبحانه فى علاه ما اتعلمش لغات غير واحدة بس لما كان فى المدرسةكمان بلهجة واحدة بعينها و بذلك اصبح لا يرضى و لا يفهم سواها. ربنا بتاع اليهود و المسيحيين ليس لديه افكار و اقوال غير لائقه و لا يتراجع ولا ينقض او ينسخ ما قال و يسعى الى "الغلوشة" بادعاء انه ما يحبش يتعلم لغات المفترض انه خلقها بنفسه! و بذلك اصبح فى يد وكلاء و "علماء" هذه اللغة التحكم فى ترجمة "معانى" و ليس نصوص ما انزل و من ثم يصبح من المستطاع "التصرف" فى ترجمة هذه "المعانى" مما يسهل خم الخواجات عند اللزوم !

و على العكس من ذلك, اراد رب اليهود و المسيحيين ان تصل بشارته (الانجيل) الى كافة شعوب الارض و ان يتفهمونها حتى يعملوا بها. و بما ان ليس بها من تناقض فى الافكار او الاقوال التى تدعو الى الخجل او التساؤل عن الوهية مصدرها, لم يصبح هناك مبررلمحاولات التمويه و التلاعب و الكاموفلاج. و ترجم الكتاب المقدس بالفعل الى كافة لغات و لهجات العالم. فكان من المحتم ان تتباين بعض الترجمات بعضها عن البعض فى الاسلوب او فى المفردات ولكن ليس هناك خلاف البته فى الاجماع على الوهية المسيح و فدائه للبشر على خشبة الصليب, و وصيته لشعوب الارض بعمل السلام و المحبة, حتى محبة الاعداء (و كمان المغفلين على فكره) و غفران اساءات المعتدين و الامتناع عن النظر الى النساء بشهوة لان فى ذلك زنا القلب, والامتناع عن الطلاق لانه زنا و العطاء لمن يطلب و عدم الكذب و القتل و ان يرجو الانسان لغيره ما يرجوه لنفسه و ان يدخل الى مخدعه و يغلق بابه اذا اراد ان يصلى حتى لا تفوح منه رائحة الرياء و الا يتمسك بالمظاهرو يهمل الجوهر حتى يخدع من حوله. و اوضح لنا كتابنا ان الفداء قد تم و ان ملكوت السماء مفتوح لكل من يقبله وان هناك انبياء كذبة سيأتون بعد اتمام الخلاص و انهم سيكونون وبالا و سببا فى هلاك الكثيرين و انتشار البؤس و الشر فى العالم.

فاذا تغاضينا عن كل ما سبق, ونظرنا بموضوعية خالصة الى ما يحث عليه الكتاب المقدس من فضائل و اعمال, لوجدنا انها تؤدى جميعها الى السلام و التقدم و الخير و السلوكيات و المشاعر النبيلة. لاشك ان العقلاء من بنى البشر, من آمن منهم بالمسيحية او اليهودية او من لم يؤمن سيتطلعون الى العيش فى عالم تسوده مبادىء و تعاليم الكتاب المقدس دون غيره بالرغم من جعجعة الببغاوات واللئام القائلين بتحريفه!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع